آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة

آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة

تقديم

هي أرض وَحَدَّت بين مختلف الأضداد لتشكل عالما ساحرا ومتجانسا بالتناقضات حيث لا يوجد ميثاق بين الليل والنهار، إذ يمتد الظلام في شهور الشتاء إلى ساعات متقدمة من اليوم وقد لا يظهر النور حتى العاشرة صباحا ليختفي عند الثالثة زوالا، أما في الصيف فتظهر شمس منتصف اللّيل وتضيء ما حولها لمدة 24 ساعة وتحديدا في شهر تموز/ جويلية أين تتربع الإشراقة في كبد السماء لوقت طويل إلى حين تظهر تعليمات جديدة للشفق القطبي في عرض نادر الوجود بألوان متلألئة مضيئة لخيالات وأشكال متغيرة على مساحة سماوية واسعة لامعة.

وبين خضرة الأرض وزرقة السماء وبياض الثلج تتراص ألوان زاهية بتدرجات متناسقة لترسم أجمل اللوحات الطبيعية على سطح الخيال الواقعي.

أرض النار والجليد حقيقة موجودة على كوكب الأرض وليست في بلاد العجائب ولا جزيرة من جزر رحلات السندباد لأنها ببساطة دولة آيسلندا حيث ستحط الطائرة لتبدأ رحلة الاستكشاف والمتعة.

آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة 7
وصول الطائرة إلى آيسلندا

معلومات عامة حول آيسلندا

آيسلندا جزيرة كبيرة تصنف في المرتبة الثامنة عشر من حيث المساحة بين جزر العالم، تتواجد شمال المحيط الأطلسي إذ تقع على الصفيحتين الجيولوجيتين للقارتين الأوروبية و الأمريكية، تقدر مساحتها بـ 101,826 كم2

آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة 8
إلتقاء الصفيحتين الجيولوجيتين للقارتين الأوروبية و الأمريكية

كانت آيسلندا في السابق مملكة وفي 17 يونيو/ حزيران 1944م أصبحت جمهورية رسميا، عاصمتها ريكيافيك وهي أكبر مدنها، يبلغ تعداد سكانها 320,000  نسمة، لغتها الرسمية اللّغة الآيسلندية، وهي من اللغات الجرمانية الشمالية المنحدرة من الإسكندنافية القديمة، وتعتبر اللغة الانجليزية لغة رسمية ثانية، كما يجيد معظم الآيسلنديين التحدث باللغة الدنماركية.

أغلب سكان آيلسندا من أتباع الديانة المسيحية البروتستانتية، وتعد الكنيسة اللوثرية كنيسة وطنية، زيادة على وجود الإلحاد ونسبة قليلة جدا تدين بالاسلام تتمثل في الجالية الباكستانية والهندية والعربية المقيمة هناك.

رغم كون الدولة الآيسلندية من الدول المنضمة لمنطقة شنغن إلا أنها ليست عضوا في الإتحاد الأوروبي، لذلك فعملتها المحلية هي الكرونة، حيث: 1كرونة آيسلندية =  0,0064 يورو.

جيولوجيا آيسلندا والنظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي

آيسلندا أرض ساحرة بمناظرها الخلابة حيث جمعت كل مظاهر الطبيعية وبإختلافات صارخة تتعايش جنبا إلى جنب، فمع الحمم البركانية والينابيع الحارة تسكن الشلالات الباردة والبحيرات المثلجة وكتل الجليد وتمتد حولها الأراضي الخضراء المغطاة بالطحالب.

آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة 12

الحمم البركانية والسخانات

تشتهر آيسلندا كونها أكبر جزيرة بركانية في العالم ويصل عمق البراكين بها إلى أكثر من طبقتين أرضيتين بفجوات ممتلئة بالحمم البركانية والصهارة.

لهذا تتشكل السخانات والينابيع الحارة التي عادة ما تتحول إلى نافورات تنثر المياه الساخنة عاليا مع انبعاث رائحة الكبريت منها.

وكإجراء احترازي تحاط الينابيع الساخنة بحبل عازل لوضع حدود أمنية وضمان سلامة الزوار، لأن تجاوز الحد والاقتراب من المنطقة المحظورة خطر جدا يتسبب في احتراق القدمين بمجرد الولوج.

بحيرة “بلو لاغون”

على بعد 20 كم عن المطار يوجد منتجع الطاقة الحرارية الأرضية “ بحيرة بلو لاغون” أو  “البحيرة الزرقاء” الشهيرة ، وتتميز بمياه بزرقاء مبيضة ساخنة ما بين 37 و39 درجة مئوية، تحتوي على مادة السيليكا (ثنائي أكسيد السيليكون) والكبريت وبعض الأملاح الموجودة في الطبقات الجيولوجية الأرضية ومما يكسبها خصائص علاجية.

في عام 1976 أنشئ الحمام الساخن في مكان تصريف مياه محطة حرارة أرضية أنشئت  لتوليد الكهرباء.

وفي عام 1981 بدأ الناس يتهافتون  على البحيرة للراحة الأستجمام والسباحة، وطلبا للعلاج خصوصا بعد تداول خبر الشفاء من المراض الجلدية وتحديدا الصدفية

تم تأسيس شركة بلو لاغون عام 1992 لاستقبال الزوار من سكان محليين والسياح.

وقد أصدرت وزارة الصحة الإيسلندية تعليمات عن الطهارة الجسدية يجب الالتزام بها قبل النزول إلى مياه البحيرة. 

بحيرة البط

في مشهد مثير يسبح البط بكل حرية وأمان في بحيرة يتشارك نصفها المتجمد مع الزوار الذين يستمتعون بالمشي على السطح الجليدي الذي سيذوب بحلول الصيف.

الشلالات الصاخبة وظاهرة قوس المطر

هناك عدة شلالات ساحرة وجذابة تشكلت بفعل التغير المستمر للمناخ فبعد هبوب العواصف الثلجية تشرق الشمس لتوفر بيئة ملائمة لرسم معالم جديدة للمياه المتدفقة من ذوبان الجليد.

شلال ديتيفوس Dettifoss:  هو أكبر شلال في آيسلندا ويتواجد في شمال شرق البلاد.

شلال سلفوس Selfoss: تجري مياهه على ارتفاع 10 أمتار،  ثم بعد كيلومتر واحد تظهر المياة فوق شلال ديتيفوس الذي يبلغ ارتفاعه 45 مترًا وبعد ذلك تتدفق المياه على ارتفاع 27 متر في هافراجيلفسفوس عبر حديقة جوكولسارغجور الوطنية وأخيراً عبر وادي أوسبيري.

شلال سالجالاندسفوس Seljalandsfoss: هذا الشلال لديه ميزة فريدة جدا حيث يمكنك أن تمر من خلاله وتستكشف المناظر من وراء الشلال.

شلال غولفوس Gullfoss أو الشلالات الذهبية في جنوب آيسلندا وهو من أشهر الشلالات وأكثرها جذبا للزوار نظرا للمساحة الكبيرة التي يمتد عليها من علو 32 مترا، ويتكون من مستويين مما يصنع تدفق جميل للمياه ينشر ضوضاء عذبة تبعث الشعور بالقوة والارتياح في آن واحد.

عند انهمار المياه من القمة وتعامد أشعة الشمس عليه يتشكل قوس المطر بمنتهى الوضوح لامعا بألوانه الزاهية في منظر لا مثيل له في أي مكان آخر.

مغاور الكهوف الثلجية

الكهوف الجليدية في آيسلندا هي نتيجة لامتداد الأنهار إلى أعماق الكتل المتجمدة.

عندما يلتحم الجليد المزرق مع الرماد البركاني الأسود يبرز وجه آخر لما فوق الواقع المرئي في تناسق مميز لإنعكاس الألوان على الأسطح الكرستالية.

ولا يمكن التجول داخل هذه الكهوف أو كما يطلق عليها المغارات البلورية إلا في فصل الشتاء، فهناك خطر الإنهيارات صيفا.

هناك خبراء ودليل سياحي مؤهل للسير داخل هذه الكهوف، كما تبرمج رحلات سياحية على متن الطائرات العمودية (الهيليكوبتر) التي تنقلهم إلى أنفاق الجليد لرؤيتها من الجو ومن ثمة النزول للاستكشاف مغاورها والتمتع بالتكوينات الناتجة عن تجمد خيوط الماء المتدفقة من الأعلى إلى الأسفل وعبر الجدران حيث تتشكل مناظر شبكية جميلة، ونظرا لوجود فقاعات الهواء داخل الجليد تنفذ أشعة الضوء من خلالها ليظهر اللون الأزرق اللامع.

السياحة بين أحضان الطبيعة

تستقطب الطبيعية الخلابة في آيسلندا السياح الذين كثيرا ما يقصدون المضايق الغربية للتمتع بالمناظر ومشاهدة المياه النقية الجارية في الأعالي، فعبر الصحاري البركانية السوداء والتلال البرية الخضراء والينابيع الحارة والمساحات الجليدية ليمكن الوصول إلى قمة الجبل الثلجي.

ونظرا لصعوبة الوصول إلى بعض المناطق فقد تم تخصيص سيارات ذات دفع رباعي لعبور المساحات الوعرة وسط الطبيعة العذراء.

آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة 27
سيارة مستأجرة للوصول إلى المناطق الوعرة

ولمحبي الحياة البرية هناك إمكانية للتخييم وقضاء ليلة في العراء أو داخل أكواخ المبنية في المرتفعات والمجهزة لاستقبال الزوار، ومنها ما يعبر عن التقاليد المعمارية القديمة مثل منزل العشب المصمم حسب ثقافة المجتمع الأصلي.

أما لهواة الرياضة فيمكن ممارسة المشي لمسافات طويلة والجري وركوب الدراجات النارية أو التزلج على المنحدرات وحتى الاستحمام في الينابيع الساخنة وسط الهواء الطلق.

ويشكل المنتزه البري ثينغفيلير أفضل المعالم السياحية في آيسلندا لما لموقعه من أهمية تاريخية وثقافية وجيولوجيةّ، حيث يحتوي على عدد من البحيرات والشلالات وأخدود سيلفرا بأنقى مياه في العالم.

البيئة الحضارية والعمران في آيسلندا

ريكيافيك عاصمة زاوجت بين الحداثة والأصالة، وجمعت بين الطابع الريفي والحضري، أين تتصادق الآثار القديمة للحياة البدائية مع التكنولوجيا الرقمية مشكلة مدينة فريدة بثقافة عريقة مستجدة.

لوحة ملونة عنوانها شوارع ومنازل

تتزين معظم الشوارع بمنازل متباينة الألوان وبتصاميم مختلفة لأشكال هندسية متنوعة، كما تتوزع في جميع أنحاء المدينة مجموعة من المقاهي والمطاعم المجهزة والساحات العمومية المزينة.

لا يوجد ازدحام مروري ولا تلوث بيئي خانق، فالشوارع واسعة ونظيفة والأجواء هادئة تلطفها نسائم الهواء العليل وألوان الطبيعة البديعة.

ميناء المدينة

الميناء مصمم وفق تصميم حديث بمختلف التجهيزات الضرورية للزوار والمهنيين سيما منهم الصيادين والصناعيين في مجال الصيد البحري فبه مصائد للأسماك لما للصيد من أهمية في الاقتصاد المحلي.

ويعد الميناء نقطة إنطلاق في رحلات بحرية للنزهة والترفيه، إذ يمكن مشاهدة القوارب العصرية واليخوت الفخمة راسية به.

جامعة آيسلندا

جامعة آيسلندا هي جامعة بحث عامة تأسست عام 1911م، كانت في البدء مدرسة صغيرة لموظفي الخدمة المدنية وسرعان ما تحولت إلى جامعة تضم ما يقارب 200 مدرسة شريكة. يبلغ عدد الطلاب في الجامعة حوالي 3500، وبها هيئة تدريس دولية منبثقة عن 23 دولة ، وبها طلاب من جميع أنحاء العالم في مختلف التخصصات مثل العلوم والهندسة وعلوم الكمبيوتر والأعمال والقانون والطب.

نالت الجامعة عدة جوائز منها جائزة كورزويل للتميز البحثي في ​​مجال الذكاء الاصطناعي.

آيسلندا الجزيرة النابضة بالحياة بين تناقضات الطبيعة 51
جامعة ريكيافيك -الساعة العاشرة صباحا شهر شباط/فبراير-

دار الأوبرا الوطنية Harpa


بناية عصرية في غاية الجمال أعدت خصيصا لاستضافة الأحداث الخاصة بمرافقها المجهزة بأحدث الوسائل الحديثة وقاعات واسعة لاحتضان المؤتمرات والاجتماعات وكذا استضافة المعارض والتفاعلات الثقافية أخرى.

توفر دار الأبرا الوطنية Harpa هياكل تنظيمية ونصائح المختصين والخبراء لضمان نجاح فعاليات مختلف الأنشطة، مع ضمان الخدمات منها تقديم وجبات من المطبخ الآيسلندي التقليدي بطريقة مبتكرة.

المطبخ الآيسلندي

تعود جذور الثقافة الآيسلندية إلى التقاليد الإسكندنافية لشعب الفايكينغ الذي يعتمد أساسا على الاستقلالية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وهذا ما يظهر جليا في وصفات الطبخ الآيسلندي الذي يعتمد أساسا على الأسماك، لحم الضأن، والحليب ومشتقاته، وكذا الخضار الطازجة.

أهم الأطباق التقليدية تحتوي على المخلوقات البحرية التي يتم صيدها، مثل سمك القرش، السلمون، والروبيان وسمك القد.
هناك عدة طرق لحفظ الطعام في آيسلندا أشهرها التمليح حيث تمرر الأسماك داخل كمية كبيرة من الملح وتترك لتجف تحت أشعة الشمس والهواء، وعند الحاجة لاستعماله ينقع في الماء الفاتر لمدة معينة حتى يتخلص من الملوحة الزائدة ليتم طهيه وتضاف إليه الأعشاب والنكهات حسب الأذواق.

الجالية العربية في آيسلندا

تشكل الجالية العربية في آيسلندا نسبة ضئيلة ومن جنسيات مختلفة لبنانية، سورية، فلسطينية، جزائرية ومغربية، أما نسبة المسلمين فهي 0.3%، ووفقاً لمركز بيو للأبحاث الأمريكي فإن العدد الكلي للمسلمين في آيسلندا يقل عن 10 آلاف شخص.

تأسست جمعية مسلمي آيسلندا في عام 1997 علي يد سلمان تميمي و هو مهاجر فلسطيني و تم الاعتراف بها رسمياً في الـ25 من فبراير/ شباط 2010 و التي تدير مسجد بريكيافيك للسنة.

وقد تم بناء وافتتاح أول مسجد في العاصمة ريكيافيك عام 2002 وسمي بمسجد النور من قبل جمعية آيسلندا الإسلامية بعد طلبها من حكومة المدينة للحصول على إذن لبناء المسجد في عام 2000 وأداء الفروض الدينية بكل حرية.

وتعتبر مدة الصيام في آيسلندا أطول فترات للصيام في العالم، حيث تغرب الشمس عند منتصف الليل وتعود بعد ساعتين خلال الذروة بفصل الصيف، وقد وصل الإمساك عام 2018 إلي 21 ساعة و51 دقيقة.

وتتحول مساجد ريكيافيك إلى موائد إفطار خلال الشهر الفضل حيث يتجمع المسلمين من شتى أنحاء المدينة.

من بين الأماكن الشهيرة التي يجتمع المسلمون فيها مقر وقف آيسلندا الإسلامي، الذي يستخدم أيضا مسجدا يحتضن مسلمين قاطنين في البلاد منذ فترة طويلة، إلى جانب اللاجئين المتوافدين حديثا.
وقد أنشأ المسلمون عدة مرافق خاصة بهم مثل المطاعم التي تقدم وجبات توافق التقاليد العربية والنظم الإسلامية، أشهرها المطعم المغربي.

الرحلة إلى آيسلندا لاتعرف نهاية لأنها تمتد بالشوق والإثارة، تتجدد بحب المغامرة والفضول فلا يجد الملل طريقا إليها، ورغم نقل صور حية من عين المكان والوصف الدقيق للمناظر إلا أن المعاينة المباشرة لها مميزاتها الخاصة للتمعن والتدبر في صنع الواحد الأحد الذي وحد كل التناقضات من حر وبرد، نار وماء، علو وعمق في بقعة واحدة بإبداع وتصوير منقطع النظير ، فسبحانه الخالق المبدع القدير.

498 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *