تعاني كل المجتمعات وعلى اختلاف انتماءاتها من عدة مشاكل تنطوي تحت التغيرات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية وهزات المجال السياسي، ولكن أخطر مشكلة تهدد أمن العالم واستفراره هي غياب التربية وتراجع القيم الإنسانية.
ربما يتجاهل الكثيرون مدى خطورة إهمال الجانب التربوي وأثره السلبي على كل مناحي الحياة خاصة في ظل طغيان الماديات وسيطرتها على النفوس لكن هذا لن يغير حقيقة أن التربية عماد المجتمع وتساهم بشكل مباشر في تقدمه وتطوره والحفاظ على دعائمه للبقاء والاستمرارية، فتكوين شخصية الفرد بطريقة سليمة سيجعل منه عنصرا فعالا للإسهام في البناء، وهذه أهم لبنة يجب وضعها في بناء الإنسان ثم إكمال النسيج العمراني المتبقي.
وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكد أن الخلق هو الدين وحث على التحلي بالأخلاق الفاضلة وأعطى تعليمات واضحة وبسطها لإتباعها فمهمته كما قال عليه الصلاة السلام :” إنما بُعثت معلماً، إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
غير أن العالم اليوم أهمل هذا الركن الأساسي واعتبره جزئية مهملة، ومظاهر غياب التربية السليمة منتشرة في كل مكان، بدءا بالبرامج التعليمية ففي الدول الغربية وبزعم إعطاء الحقوق صارت المثلية جزءا من المقررات الدراسية، أما في الدول العربية وكمجتمعات محافظة فالبرامج لا تقف على تربية الأجيال وفق منهج سوي وغياب الاحترام وظهور سلوكيات مشينة وتداول كلمات نابية في المدارس حقيقة لا يمكن إنكارها.
في مختلف المصالح الإدارية وقطاعات العمل تبرز المعضلة الأخلاقية من فساد ورشاوى ومحسوبية وتدليس يصل حتى المتاجرة بالأرواح تصل حد الاستهانة بحياة الناس.
والعنصرية المقنعة تتسبب في قتل الأبرياء، ما موت جورج فلويد إلا دليلا واضحا على هدم صرح من صروح الإنسانية.
التربية الغائبة عن البيوت، المفقودة في الشوارع، الضائعة في أروقة المحاكم، المعدومة في السجون، المجهولة في المدارس والجامعات، المريضة في المستشفيات، الميتة في المجالس الشعبية والولائية والبرلمانية، المسحوبة في ملفات الدول، المغيبة من لوائح العالم صارت محل عداء الجميع.
محزن جدا أن يعاديها أقوام وهي من صميم عقيدتهم حتى غدت تشعر بالاغتراب في موطنها بعدما تعبت وهي توضح أنها ليست تأنقا وارتداء ملابس فاخرة، وتصفيف الشعر بتسريحات عصرية أو حتى اكتساب الشهادات ورؤوس الأموال الكثيرة.
إن استثمار التربية هو أهم استثمار على البشرية جمعاء الإعداد له لأن ذلك سيضمن حقوق الفرد وغيره كما يؤهله للعمل والتعامل في ظل عدالة اجتماعية تكافل، تماسك ووحدة، مشاركة واحترام، فالتربية السليمة تحقق التوازن الديني والدنيوي للمجتمع كلل، تصفي القلوب وتطهر الألسن وتعلمنا الترفع عن الصغائر بجد وجدية، فما أحوجنا إلى التربية..
التعليقات