ما هو السبب المباشر للعنوسة في الجزائر؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، فالظاهرة متشعبة الأسباب حسب معايير الاجتماعية ومقاييس متفاوتة تقتضي الإحاطة الشاملة والدراسة الدقيقة للقضاء عليها أو معالجتها ولو نسبيا
فنتيجة لعدة عوامل متشابكة أضحت للعنوسة تحقق أرقاما خيالية في بلاد لها كل المقومات لتكوين أسر متعاونة متكاملة و مثالية.
لتكن البداية بما بعد الاستقلال، أين عرفت الجزائر أزمة النهوض من جديد، و ذاك ليس بالأمر حيث أصبحت المرأة الجزائرية تكتشف رويدا رويدا منذ ستينيات القرن الماضي أن الرجل الجزائري يتلخص في شخصية الممثل عثمان عريوات بدوره البارز في فيلم رجل وامرأتان، ونتيجة سياسة التجهيل والاحتلال الذي لم يخلق أجواء ملائمة لتحسين نظرة الأفراد نحو الأسرة.
وتليها فترة عصيبة ولكنها حماسية تتسم بظهور الوعي لدى الشباب وتحديدا في الثمانينات حيث الانتفاض ضد الاشتراكية التي بدورها كانت تعمل على تحطيم الدافع للزواج والاستقرار، ثم جاء مطلع التسعينيات وهنا فقط حدثت المعجزة، حيث تكاثف المجتمع المدني للقضاء على العنوسة، وانهالت طلبات الزواح بالرغم من المشاكل التي يتخبط بها المجتمع اقتصاديا وسياسيا.
فقد ظهرت بوادر روح التجديد وأمل الخروج من الحزب الواحد اتجاه التعددية التي علقو عليها آمالا عدة، إلا أنها لم تحل المشكلة، بل ما ان تغيرت الاوضاع السياسية وتوشحت العشرية بالسواد، بدأ موج التراجع الكبير في نسبة تكوين الأسر، خلفت الحرب الأهلية ثكالى من أرامل وأيتام وأحدثت شرخا كبيرا بين الرجل و المرأة.
و أزمة ثقة و العديد من المفاهيم الغربية الدخيلة التي ساهمت في جعل السيدات يعتقدن أن ولوج سوق العمل و السباق نحو التعليم العالي، هو سلاح المرأة الذي تحارب به جهل و تخلف المتطرفين و المتشددين و كذا الذكورييين! فتغيرت المعادلة و أصبح الرجل الجزائري لا يرقى لمستوى تطلعات الجزائريات ذوات الشهادات العليا والمناصب المرموقة، وحتى أن بعض الزيجات انتهت بطلاق تعسفي شعاره الخلع، و هذا الأخير يشهد أرقاما مهولة فبمعدل زواج واحد خمس حالات طلاق، وهذا أخطر من العنوسة نفسها.
و تأتي بعد ذلك أزمة الألفينات بما فيها اليوم، وهي أزمة القرن في قوانين الأسرة المجحفة في حق الزوجين، كيف لا؟ وقد شهدت التعديلات في هذا الباب الكثير من التناقضات مما أثار موجة احتجاجات عارمة، مفارقات صارخة تدعمها نصوص قانونية، وتطبيقها على أرض الواقع ضرب من الجدل والخبل، وكأن الأسرة ليست نواة المجتمع و بذرة خلاصه و عنوان فلاحه.
واتسمت بالانحلال الخلقي والفساد المستشري المتزامن مع انتشار الوسائط الاجتماعية، وهي القطرة التي أفاضت الكأس، حيث أثارت النسويات حفيظة كل امرأة بالتعامل مع الرجل بندية أو بتعال..
وأصبح للرجل الجزائري خياران لا ثالث لهما إما العزوف التام عن الزواج، أو العيش تحت تهديدات زوجة متمردة على سنين القهر المتراكمة في ذاكرتها الجماعية حول ذكورية الرجل الجزائري وسطوته وكلاهما لم يراع الضوابط الشرعية التي قسمت الأدوار وحددت الواجبات والحقوق وجعلت العلاقة تكاملية شعارها المودة والرحمة.
وبصريح العبارة، هناك فرق شاسع وواسع بين ما يريده الزوج الجزائري وما تطمح إليه الآنسة الجزائرية التي تريد أن تجعل من الزواج وسيلة لتحقيق أحلامها، وما من شأنه أن يعلي سقف توقعاتها، وبين بساطة ما يحتاج إليه الرجل العربي في الجزائر من رعاية و احتواء و اهتمام وخدمة.
اما عن ثقافة التعدد فحدث به ولا حرج، فهو لا يحل مشكلة العنوسة إلا عند المشارقة، لأنه ببساطة مشكل و تهديد للأمن القومي لدى المرأة، وقد تتقبله ذوات الجناح المكسور كرها لا طوعا، بعد أن تلطخ باتهامات النسويات بأنه أظلم ما قد تتعرض له المرأة في حياتها بالرغم من أن الرجل الجزايري المعاصر قد يختلف عن عثمان عريوات المتقمص للدور في ‘همال الزوجة الأولى وأولادها ببراعة، إلا أن التعدد في نظرهن للأسف ظلم و قهر، وحتى الرجل الجزائري ليس متمكنا من انجاح التعدد من جهته لأن انجاحه يستوجب استعداد كلا الطرفين، وتقبل كلا العائلتين، وتوفير ما من شأنه تحقيق التكافؤ والاكتفاء، وإلا فسيساء فهمه من البداية، و يصبح الجاني بريئا و البريئ ملاما والحاجة عوزا.
وعليه فالعنوسة تكاثف لجميع أفراد المجتمع، تلاحم و اصرار و تشجيع قد تجاوز أزمات عديدة في المجتمع لكننا لن نحلها بالعناد بل بالتنازل من أجل المصلحة العامة.
وكم آلمني حينما سمعت أحد الوزراء في آسيا يدعو المراة المتعلمة لتكوين أسرة لأنه يعول عليها لتنشئة أفراد صالحين ومثقفين، على عكس النساء الأميات، وهنا تنشأ الصورة النمطية الصحيحة عن فكرة الزواج بأنه اختيار لأحسن شريكين متكافئين في الذكاء والتعليم لضمان مستقبل الأمة، وليس مقتصرا على النساء ذوات القدرات المحدودة اللواتي يجدن الطبخ و أعمال المنزل، ويبقى مجتمعنا مع الأسف ينظر إلى الزوجة الماكثة بالبيت بدونية وفوقية حتى لو كانت تحمل شهادات عليا ومتمكنة في كل المجالات بما يفوق المرأة العاملة البتي قد لا يتعدى مستواها التعليم المتوسط ولكنها سكرتيرة مثيرة.
فالمرأة الماكثة بالبيت تحمل رضيعها في يدها و لا تخرج به في سيارتها لتضعه في دور حضانة، ولا تملك جدولا دوريا في صالات التجميل والحلاقة، كيف لها ان تربي ابنتها مستقبلا؟ هل ستتقبل اخفاقها مرة أخرى، أم أنها تربي جيلا متمردا على الأسرة دون شعور منها بأنها أمل الأمة و الحجر الصغير الذي إن أزيح عن الطريق احتقارا قد تحدث حواد ث سير كارثية ويصير مطبة للتعثر وقد يبحث عنه من أهمله ولكنه لن يجده.