تقديم
بالبحث في أرشيف ذاكرة المسنين عن أسطورة “مختطف العرائس”، أو ما يعرف في المنطقة المغاربية بـ ” خطاف لعرايس “، تبرز العديد من الحكايات والتي إن اختلفت تفاصيلها وأسماء شخصياتها تبقى حبكتها واحدة عن جن يمتلك النساء ليلة زفافهن ليتلبس بهن ويأسرهن في عالم آخر غيبي لا يعرف أحد شيئا عنه، غير أن الإجماع يؤكد أنه عالم مخيف وموحش يبعث الرهبة في النفوس بمجرد ذكر.
ماذا تقول الأسطورة عن مختطف العرائس؟
يُزعم أن ” خطاف لعرايس ” نوع من الجن يتربص بالعروس ليلة العرس ويستحوذ عليها لتصير تحت سيطرته، فتهرب من بيت زوجها بعد زفها إليه أمتثالا لأوامر المتلبس بها، وحتى لو حاولوا إرجاعها بالقوة فإنها ما تلبث أن تهرب مجددا، وإن اعترضوا سبيلها ستدخل في نوبة غضب شديد وتبدأ بالصراخ وتحمر عيناها ثائرة، بل وتعلو وجهها زرقة تجعل مظهرها يثير الرعب والجميع يفر منها، وهذا ما تؤكده مختلف القصص التي يتداولها العامة عن عرائس لم يسعفهن الحظ وولجن باب الجنون في ليلة زفافهن.
لهذا تفرض الأسطورة على الفتيات المقبلات على الزواج عدم الاقتراب من الأماكن النجسة أو المرور بها عصرا، وعدم حضور أي وليمة شهرا قبل موعد الزفاف، كما لا يمكنها أن تحضر عرسا بعد زواجها لفترة معينة خوفا على العروس الجديدة من أذية “خطاف لعرايس” الذي عادة ما يعترض سبيل الزوجات في مواكب الزفاف لاختطاف عقولهن.
حرفة “خطاف لعرايس”
وقد ابتكر الأهالي قديما خطة للتغلب على هذه المشكلة وأوجدوا حرفة “خطاف لعرايس”، وهي حمل العروس و المشي بها إلى بيت زوجها مهما بلغت المسافة، لذا يجب على من يمتهن هذا العمل أن يكون رجلا ثقة وقوي البنية ليتمكن من نقل العرائس على اختلاف أوزانهن وأحجامهن، ويعبر بهن الدروب مهما كانت صعبة جبلية، ضيقة أو منحدرة، دون التعثر أو إسقاط العروس وإلا لن ينال أجرته وقد يفقد سمعته بين الناس فيعزل من الخدمة، ولحظة وصوله بنجاح سيحظى بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، غير أن هذا التقليد اختفى مع مرور الزمن وتطور وسائل النقل وظهور المركبات النفعية ومواكب الأعراس الحديثة.
تمثال “الإلوا” وعلاقته بأسطورة خطاف لعرايس
امتدت أسطورة “خطاف لعرايس” لأن يسمى عليها تمثال ” الإلوا” بوادي الزناتي ولاية قالمة شمال شرقي الجزائر، والذي نحته الفرنسي جوزيف ميشال بوليت عام 1862 للميلاد متأثرا بقصيدة ألفها ألفريد دو فيجني في عام 1823 عن “إلوا” أو شقيقة الملائكة، فحسب معتقداته أن “إلوا” ملاك الرحمة المولودة من دموع المسيح عليه السلام المذروفة عند وفاة صديقة “لازار” تم إغواؤها من قبل الشيطان أو كما يسمونه “لوسيفر” الذي استعطفها بدموعه، ليأخذها معه ومئن تبعته كشف لها عن حقيقته القبيحة بأنه الملاك الملعون الآثم.
مهما تنوعت الخرافات الشعبية و تعددت المعتقدات الباطلة تبقى مجرد أساطير يتناقلها الأجيال، وللدين الإسلامي نظرة واضحة في التعامل معها وهي عدم جواز الإيمان بها، فالجن قد يصيب الإنسان بالأذى ولكن ذلك لن يتأتى له لو تحصن منه، فالله سبحانه وتعالى قال: “إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ” (سورة الحج/ الآية 38)، وما أكثرها طرق التحصين سنذكرها في موضوع آخر لاحقا إن شاء الله.