أَيْمَنُ والأَبْرَاجُ

أَيْمَنُ والأَبْرَاجُ

القصة الرابعة عشرة من سلسلة قصصية للكاتب شاكر صبري، رسوم دينا ابراهيم، تنشر حصريا على موقع معين المعرفة. (جميع الحقوق محفوظة ويمنع نسخ القصص ونشرها على مواقع أخرى أو طباعتها).

كانَ أَيْمَنُ  مُحِبَّا للْقِراءَةِ والاطِّلاعِ , وكانَ يتطلع دائِماً لِمَعْرِفَةِ الجَديدِ في عِلْمِ  الفَلَكِ والأَرْصادِ الجَوِّيَةِ ,  وكانَ شَغوفاً بِمَعْرِفَةِ النُّجُومِ  والكَواكِبِ  ومَعْرِفَةِ أَخْبارِها ….

وكان والده يعمل  هو الآخر في مجال الفلك .

    ولمَّا رأَي  والِدُهُ  أنَّهُ  مُتْهَمٌّ  بِعِلْمِ الفَلَكِ ,  اشْتَرَي لهُ مِنْظاراً قَيِّماً .

كانَ أَيْمَنُ يأخُذُ مِنْظارَهُ لِيَرَي الأَماكِنَ البَعيدَةَ نَهارَاً ويَرَي السَّماءَ وما فيها منْ نُجومٍ  لَيْلاً  , فَكانَ يَري النُّجومَ علَي صورَةٍ أَكْبَرَ منْ ما تراهُ العَيْنُ  العادِيَّةِ ..

كانَ دائِماً ما يتَحَدَّثُ معَ والِدِهِ ويَسْأَلُهُ عنْ النُّجومِ والكَواكِبِ وآَخِرِ أَخْبارِها , ولِهَذَا فَقَدْ كانَ والِدُهُ يَشْتَري لَهُ دائِماً المَجَلَّاتِ الخاصَّةِ  بالنُّجومِ كُلَّ شَهْرٍ ….

وذاتَ يَوْمٍ رأَي أَيْمَنُ مَجْموعَةً منْ الكَواكِبِ متُجَمِّعَةً في شَكْلٍ جَميلٍ  بَعْضُها يُشْبِهُ  الدَّلْوَ , وبَعْضُها يُشْبِهُ الجَدْي , وأَسْرَعَ علَي الفَوْرِ , وسَأَلَ   والدَهُ عنْ هَذِهِ الكَوَاكِبِ …    .

 أَخَذَ والِدُهُ المِنْظارَ ونَظَرَ فيهِ ,  فَقَالَ له :  إنَّ هَذِهِ المَجْموعَةَ منْ الكَوَاكِبِ تَتَجَمَّعُ علَي شَكْلٍ يَظْهَرُ لَنا علَي وَجْهِ الأَرْضِ أَنَّهُ شَكْلُ جَدْيٍ أوْ  دَلْوٍ أوْ قَوْسٍ أوْ أيِّ شَكْلٍ آَخَرَ ,  وهذه الكَواكِبُ  تَبْدو للْعَيْنِ هَكَذَا  لأَنَّها بَعيدَةٌ جِدَّاً عنَّا , و هِيَ تَظْهَرُ  لِسُكَّانِ  كَوْكَبِ الأَرْضِ  لِمٌدَّةِ شَهْرٍ في العامِ , وتُسَمَّي بالأَبْراجِ , وعَدَدُها  اثْنَتَا عَشَرَ بٌرْجاً , ثمَّ تَظْهَرُ مَجْموعَةٌ  أُخْرَي ,  وهَكَذا .. قالَ أَيْمَنُ : ولَكِنَّني أَسْمَعُ بأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الأَبْراجِ علَي حَظِّهِمْ , فَقَالَ والِدُهُ : هَذِهِ الأَبْراجُ تَحْدُثُ عَلَيْها تَغَيُّراتٌ  يَوْمِيَّةٌ فَيظُنُّ بَعْضُ المُنَجِّمينَ المُهْتَمينَ بِهَذِهِ العُلُومِ بِأَنَّها تُؤَثِّرُ علَي الأَفْرادِ الذِّينَ وُلِدوا في الشَّهْرِ الذِّي تَظْهَرُ فيهِ هَذِهِ المَجْمُوعَةُ لَنا في السَّماءِ…وقدْ قالَ  النَّبي صلَّي اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ  ” كَذَبَ المُنَجِّمونَ ولَوْ صَدَقوا  ” لأنَّ الذِّي  يُقَدِّرُ لَنا الأُمورَ جَميعاً هُوَ اللهُ  سُبْحانَهُ  وتَعالَي .

نَظَرَ  أَيْمَنُ مَرَّةً  أُخْرَي بالمِنْظارِ .. فَوَجَدَ نُجوماً كَثيرَةً  تَظْهَرُ في السَّماءِ 

فَسَأَلَ والِدَهُ   عنها ….

فقالَ لَهُ  : إنَّها نجُومٌ كَثيرةٌ جِدَّاً  ,  نَحْنُ نَظُنُّ أنَّها قَريبَةٌ مِنَّا  , ولَكِنَّها بَعيدةٌ جِدَّاً عنْ الأَرْضْ ولِهَذَا نَراها صَغيرَةً

قالَ أَيْمَنُ : ما فائِدَةُ النُّجومِ يا أَبي  ؟

قالَ الأَبُ : هيَ زيَنةٌ  في السَّماءِ  , و كانَ النَّاسُ قَديماً يَهْتَدونَ بِها في الظَّلامِ  أَثْناءَ اللَّيْلِ حَيْثُ لا توجَدُ مَصابِيحُ ولا علاماتٍ يَهْتَدونَ بِها ,   وأَيْضاً كانَتْ هَذِهِ النُّجُومُ علاماتٍ يَسْتَدِلُّونَ بِها علَي الشُّهورِ والأَيَّامِ ,  ورُبَّما  علَي بَعْضِ الأَماكِنِ ..

  أَيْضَاً  كانَ هُناكَ بَعْضُ الجُهَّالِ الذِّينَ عَبَدوها منْ دونِ اللهِ ولَكِنَّ النُّجومَ لا تُثْمِنُ ولا تُغْني منْ جوعٍ  , إنَّها لا تَدُلُّ علَي الغَيْبِ ولا تُفيدُ منْ يعَبْدُها  بَشِيْءٍ  .

ثمَّ قالَ لهُ والِدُه :كَفَاكَ يا بُنَيَّ بَحْثاً أَكْثَرَ منْ اللازِمِ , دَعِ التَّفْكيرَ في هَذِهِ الأُمورِ  الآَنَ  , وانْتَبِهْ لِمُذَاكَرَتِكَ ودُرُوسِكَ حتِّي  لا تَتَكَدَّسَ الأَفْكارُ في رَأْسِكَ , وحتَّي لا تَشْعُرَ بالمَلَلِ وحَتَّي  لا تَنْشَغِلْ بِها أَكْثَرَ منْ اللَّازِمِ وساعَتَها سَتَنْسَي دِراسَتَكَ واجْتِهادَكَ وهُمَا أَهَمُّ  شَيْءٍ في حَيَاتِكَ الآَنَ ,  أَمَّا بَحْثَكَ هَذَا فاجْعَلْهُ  في وَقْتِ الفَراغِ فَقَطْ …  

واتَّفَقَ مَعَهُ والِدُهُ أنْ يَجْعَلَ شُهُورَ الإِجازَةِ الدِّراسِيَّةِ للمِنْظارِ  والتَرْفيهِ ,  واسْتَمَّرَ أَيْمَنُ علَي هذَا المِنْوالِ طُوالَ دِراسَتِهِ .

   وتَمَرُّ الأَعْوامُ  لِيُصْبِحَ أَيْمَنُ دُكْتوراً في كُلِّيَةِ العُلومِ بِقِسْمِ الفَلَكِ   .

ويُحَقِّقٌ نَجاحاً مُبْهِراً في هَذَا المَجالِ,  ويَتَذَكّرُ  نَصائِحَ والِدِهِ الذِّي تُوُفِّيَ   بَعْدَ حُصولِهِ مَباشَرَةً علَي جائِزَةِ نوبِلَ في العُلومِ

 وفي حَفْلِ تَكْريمِهِ  ذَكَرَ  الدُكْتورُ أَيْمَنُ  أنَّ  أَوَّلَ منْ دَفَعَهُ إلَي حُبِّ هَذا المَجَالِ هُوَ  والِدُهُ الذِّي  وَضَعَ  قَدَمَيْهِ علَي أَوَّلِ خُطْوَةٍ في طَريقِ هَذَا العِلْمِ

وكانَ قُدْوَتَهُ الأُولي …..

404 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *