الاتصال الرقمي في المؤسسات التربوية الرسمية

الاتصال الرقمي في المؤسسات التربوية الرسمية

مقدمة

إن مواكبة الاتجاهات الرقمية في القطاع التربوي صار ضرورة ملحة من أجل ضمان حسن سير العملية التربوية التعليمية فضلا عن نجاح المؤسسة التربوية في أداء المهام المنوطة بها على أكمل وجه.

ويعد الإتصال المؤسسي مسارا هاما وجب التركيز عليه في تطوير الخبرات وتوسيع المعارف و تبسيط المعلومة وتيسير المناهج والتأقلم مع متطلبات التقدم التكنولوجي بتوفير آليات التواصل الرقمي واتخاذ تدابير إشراك كل الجهات المعنية سواء داخل الؤسسة أو في محيطها الخارجي.

تعريف المؤسسة التربوية الرسمية

المؤسسة التربوية الرسمية هي كل هكيل تنظيمي ينشط في إطار القوانين والتشريعات التربوية التعليمية، ويتكفل بعملية تربية وتكوين الناشئة على مدى أجيال، حيث يوفر فضاء علميا وقيميا مناسبا لتطورات العصر وموافقا لنظم المجتمع بالحفاظ على المقومات الدينية والوطنية، والموروث الحضاري التاريخي والثقافي في ظل ظروف ملائمة للنمو العقلي والنفسي والجسدي للمتعلم.

وتختلف المؤسسات التربوية على اختلاف مستويات التعليم وسن المتعلم، إذ تبدأ بالكتاتيب أو المدارس القرآنية أو دور الحضانة التي تعتمدها الدولة وتقدم برامج تعليمية محددة، ثم المدرسة الإبتدائية، فالمتوسطة ( الإعدادية)، وأخيرا الثانوية فكل هذه المؤسسات يرتادها المتعلم حتى يحصل على تنشئة سليمة وعلوم مفيدة ومعارف نافعة تكلل بشهادات معتمدة تؤهله ليكون عنصرا فاعلا في المجتمع وتسمح له بالاندماج في الحياة العملية والحصول على حياة كريمة.

فالمؤسسة التربوية تعمل من أجل تكوين أجيال سوية فاعلة وقوية بالعلم، محصنة بالأخلاق متمكنة من إيجاد مكانة بين الأمم ولها ولاء ثابت، وكذا مواكبة للتطور الحضاري.

واليوم صار التعليم بحاجة لتطوير الأساليب التربوية واعتماد وسائل حديثة تضمن لها ممارسة نشاطها وضمان السير الحسن لعملها وتعاملاتها وحل مشاكلها وتجاوز عقباتها لتحقيق بناء متماسك ومتين، ويعد الإتصال لبنة أساسية في هذا البناء.

ماهية الاتصال الرقمي المؤسساتي

يطرح “كاتز” و “بلومر” رؤية مفادها أن الناس لا يتعاملون مع وسائل الاتصال بشكل سلبي، وإنما يتعاملون معها لإشباع حاجات وتوقعات معينة لديهم يسعون إلى تحقيقها من خلال تعرضهم لما تبثه أو تكتبه تلك الوسائل، إذ يحصل الجمهور على المنفعة قبل وأثناء وبعد التعرض لوسائل الاتصال.(1)

في حين يرى “هارولد لازويل” أن الهدف الثاني من العملية الاتصالية هو الترابط  الذي يسعى لإيجاد وتكوين رأي عام (2) ،و أسمته الدكتورة جيهان رشتي “مساعدة النظام الاجتماعي”.(3)

وعليه فإن الاتصال الفعال على اختلاف أنواعه وأشكاله ( شفهي، كتابي إلى غير ذلك من الوسائل) يعد ركيزة أساسية لكافة الأنشطة والممارسات الفردية والجماعية في شتى المجالات وعلى مستوى الهيئات الرسمية وغير الرسمية، وكذا القطاعات الخاصة أو الحكومية.

وتظهر هذه الرؤى جلية في الوسط التربوي الذي تتعدد فيه قنوات الاتصال بتعدد أشكاله، فالمعلم في السابق مثلا كان يستعمل اللغة كوسيلة اتصال أولية بالإضافة إلى الإيماءات والإيحاءات كحركة العيون للتأثير على التلميذ وجعله يوافق الرأي المطروح ويتحكم في الموقف الاتصالي في زمن محدد وظرف معين.

نظرا للثورة التكنولوجية الحديثة وتغيير المناهج، طرأت مستجدات تربوية توجب إعادة النظر في أساليب الاتصال المعتمدة في المؤسسات التعليمية في الوطن العربي وذلك بتطويرها لتواكب التحديات الجديدة وترقى بالكفاءات التربوية.

وقد أثر التطور التكنولوجي بصفة مباشرة على الاتصال وتطوير آلياته فوفر اتصالا رقميا سريعا وفعالا، لذا فالمؤسسات التربوية اليوم بحاجة لهذا النوع من الاتصال لتطوير التعليم واكتساب مهارات جديدة، ومن غير جدال يفترن الإصلاح التربوي بتحديث  إداري يدعم إدماج الرقمنة لانجاز المهام التواصلية المحفزة وتقوية الروابط واستمراريتها بين كل عناصر الأسرة التربوية على المستوى الاجتماعي، النفسي والتربوي، التعليمي والعملي.

دمج التكنولوجيات الحديثة في عملية الاتصال التربوي

يقسم الاتصال المسؤولية بين المؤسسة والأسرة التي تعد المدرسة الأولى للطفل مما يخلق شراكة هدفها  المساهمة في تنمية القدرات العلمية والتربوية للمتعلم.

وهذا لكيلا يجد المربي أو المعلم نفسه معزولا مع التلميذ في قسم مغلق في حين يمكنه الاستعانة بالمحيط من أجل المساعدة في التنشئة والتكوين ومد قنوات اتصال بينه وبين كل من له صلة بالعملية التربوية التعليمية تيسر تقسيم المسؤولية الوظيفية الشخصية والجماعية، فضلا عن توزيع الأدوار بدقة.

يمكن لكل أعضاء الأسرة التربوية التواصل ومناقشة الأفكار والتعاون بفتح  قنوات الاتصال ما بين المجتمعات الأكاديمية والمهنية والعائلية من أجل المساعدة في التنشئة الاجتماعية وتحقيق الأهداف التربوية والتعليمية والتثقيفية المتعددة.

لذا صار دمج قناة اتصال متطورة فاعلة في إنجاح عملية التواصل ضرورة، وهذه القناة تنشأ بخلق أرضية رقمية تدعم العلاقات على المستوى  الداخلي أو تلك التي تربطها بالمحيط الخارجي، وتمنح للمؤسسة صلاحيات التسيير الفعال والتنظيم والعام، بدعمها المتكامل لكل الجهات  بدءا من المستويات الإدارية التعليمية الأعلى مثل الوزارة والأكاديمية والمفتشية، ثم الإدارة المدرسية، فالأساتذة وصولا إلى التلاميذ وأوليائهم لدعم المجال التربوي التعليمي النفسي والاجتماعي وأيضا المهني.

ولأن نشاط هذه المؤسسة يعتمد أساسا على الاتصال بكل أنواعه حيث يتفاعل الأفراد والهيئات في مضامين معينة، إذ يتم نقل معلومات وتبادل أفكار عن محور محدد في ميدان مخصص يشمل جميع النشاطات المتداولة الرسمية منها كالاجتماعات والندوات والكفاءات، وغير الرسمية مثل الأحاديث والتنبيهات، فإن الاتصال الرقمي سيكون فعالا يوفر الوقت ويؤمن وصول الرسالة كاملة وباستمرار.

الاتصال داخل المؤسسة التربوية

يعاني الاتصال المدرسي في العالم العربي أزمة حقيقة بين كل المشاركين في عملية التربية والتحصيل العلمي (الوزارة، الأكاديمية، الإدارة المدرسية، المدرس، التلميذ ووليه، المجتمع المحلي)، فلم يعد الإتصال تلك العملية البسيطة التي تعرفها الدكتورة جيهان أحمد رشتي على أنها :” العملية التي يتفاعل بمقتضاها متلقي ومرسل الرسالة في مضامين معينة، وفي هذا التفاعل يتم نقل أفكار ومعلومات بين الأفراد عن قضية أو موضوع معين، فنحن حينما نتصل نحاول أن نشرك الآخرين ونشترك معهم في المعلومات والأفكار”. (4)

بل تعداه اليوم إلى عملية أوسع باعتماد طريقة المقاربة بالكفاءات وإدراج مناهج متطورة إذ ظهرت أبعاد جديدة تتعدى الاتجاه الواحد للرسالة إلى عدة اتجاهات ومنها ما هو متعاكس يستوجب استعمال وسائل حديثة لتجديد الوظائف ودعمها من خلال التكنولوجيا الرقمية التي تطبق بتقنيات عالية، وهذا يعتمد على نوع الرسالة التي يتم تصميمها حسب ما توصل إليه ” فرانك لوثر” الذي أقر أن اختيار الصياغة متوقف على العلاقة بين الفائدة المنتظرة من جهة، والجهد المبذول من جهة أخرى، وعبر عن ذلك على النحو التالي:(5)

الاتصال الرقمي في المؤسسات التربوية الرسمية 1
الاتصال الرقمي في المؤسسات التربوية الرسمية 3

فبعد تحديد الوسائل والقنوات المستخدمة في الاتصال الرقمي يجب توفير تكوين للمعلمين والعاملين، وذلك من خلال دورات تدريبية في آليات الاتصال وتقنياته لاكتساب مهارات في إجراء اتصالات وطرق الحديث والاستماع والتواصل الايجابي، وطرح الأفكار والتجاوب معها، مما سيعزز الثقة بين الإدارة والمعلمين والتلاميذ، يوفر المعلومة والتعليمات في وقتها المناسب، مع تقديم المقترحات والتوصيات وتبادل الخبرات على مستوى المؤسسة التربوية، فضلا عن دعم البعد النفسي والمعنوي والاجتماعي أي ما يعزز الروابط العملية والإنسانية على حد سواء.

وهذا ما يمكن تلخيصه في:

  1.  نقل التعليمات والتوجيهات واقتراحات الإدارة إلى المدرسين من أجل أداء مهامهم  الوظيفية.
  2. توفير المعلومة للمدرسين والتلاميذ حول مختلف الأنشطة والإجراءات.
  3. فتح باب الإرشاد والتوجيه بالشرح والتفسير للكشف عن الأخطار والعقوبات لاتخاذ قرارات سليمة.
  4. إكساب خبرات ومهارات وخلق تفاعل تعاوني عملي ودي واجتماعي بين المعلمين لتخفيف الضغوطات والقضاء على مشكلة التعصب والرغبة في الاحتفاظ بالمعلومات واحتكارها.
  5. تعزيز الثقة والمصداقية المتبادلة بتزويد الإدارة بالمعلومات والبيانات اللازمة لتوفير الإشراف الجيد والقضاء على البيروقراطية وسوء التسيير.

الاتصال الخارجي

بتفعيل الاتصال الرقمي الخارجي ينشأ تواصل نشط متوفر بشكل مستمر يساهم في التحسيس بالمسؤولية لتجنب الإهمال والضغط والتوتر والتراكمات، فلا تنحصر العملية التعليمة التربوية بين جدران المدرسة فحسب بل تتعداها للمحيط الأسري للمتعلم والمجتمع المحلي من جمعيات ومراكز ثقافية وغيرها، مما يخول للآباء متابعة أنشطة أبنائهم ومسارهم الدراسي على الدوام وحتى المشاركة والتعاون بخلق فرص للمبادرة دون الحاجة إلى التنقل إلى المدرسة يوميا كما سيفسح المجال للتفوق وتحقيق النتائج المنشودة. 

وقد يساعد التلميذ على المشاركة في التظاهرات الثقافية والمسابقات العلمية واللقاءات الهادفة والمشاريع.

فهذا الانفتاح سيربط المدرسة بالمجتمع مما سيعزز الروابط بين المحيط الداخلي والخارجي ويؤسس بيئة مناسبة للعمل.


آلية الاتصال الرقمي في المؤسسة التربوية

إن وضع آلية للاتصال الرقمي في المؤسسات التربوية يعتمد بالدرجة الأولى على إمكانياتها المادية وتوفير الوسائل فضلا عن استعداد التربويين والإداريين وجاهزيتهم لدعم التواصل ومد قنواته.

وكخطة مبدئية يمكن إتباع الخطوات التالية ثم تطويرها مستقبلا:

  • تحديد وجهات الاتصال المستهدفة.
  • إنشاء موقع للمؤسسة التربوية على الانترنت.
  • بناء شبكة تواصل  موحدة.
  • استخدام غرف الدردشة من قبل شركاء الدراسة في تبادل المعلومات النصية أو الصوتية، وإرسال الرسائل الفورية تكون مزودة بتقنية تبادل الملفات والصور مع وجود الرقابة لتوفير تواصل آمن (يمكن تفعيل مواقع التواصل الاجتماعي).
  • توفير المعلومات وآليات الاستخدام  وأدوات التعاون والتنسيق.
  • توفير دعم وصيانة دائمة ومنها تحديث مستمر للصفحة.
  • ترك مساحة للاقتراحات وإبداء مبادرات لتطوير تقنية التواصل.

وبعدها بالاستعانة بأجهزة الكمبيوتر أو الحواسيب الشخصية، الألواح الرقمية وحتى الهواتف الذكية  يمكن للإدارة والمعلمين والأولياء وحتى الطلاب والمدارس الأخرى إجراء اتصالات فيما بينهم من أماكن مختلفة، مما ّيمكنهم من تبادل المعلومات والأفكار والموارد والخبرات في وقت قياسي وعلى نطاق أوسع.

كما أن الأمر لا يقتصر على بيئات التعلم الرسمية بل يتعداه إلى البيئات الأخرى لتنشأ علاقة تشاركية واجتماعية قصد تحويل طريقة التواصل التقليدية السلبية إلى مساحة تفاعلية تعاونية نشطة بقنوات حوار وحسابات رسمية مفتوحة تسهل وتدعم نشاط الشريك الاجتماعي، وفق استراتيجيات متوافقة مع منهجية التعليم وتكون الوزارة الوصية على اضطلاع دائم.

وبهذا يمكن الوصول إلى أكبر عدد من المشاركين بشكل أسرع وأكثر شمولا يصل حتى للمنشغلين بالأعمال والملزمين بدوام كامل لا يسمح لهم بزيارة مدارس أبنائهم فيتم إدماجهم في العملية التعليمية بالتفاعل والتعاون والدعم في انجاز مختلف المهام مثل المراجعة وحل الواجبات المنزلية أي تقديم الدعم المنزلي العلمي والنفسي.

الخاتمة

إن الاتصال بكل أنواعه ومستوياته يعتبر الدم الدافق في الشرايين الحياتية للمؤسسة التربوية، حيث يرتبط نجاحها في تحقيق أهدافها بمدى تحكمها وانتهاجها لسياسة إتصالية سريعة وفعالة.

وهذا ما يحققه الاتصال الرقمي إذ ما تم تبنيه في المؤسسة داخليا وخارجيا إذ يعد حلا مثاليا لتطوير المستوى التعليمي والمساهمة في تنميته بشكل كبير وسريع في عصر السرعة، حيث تعتمد أغلب الدول المتقدمة الرقمنة في التواصل من أجل تجويد التعليم وتحقيق نتائج إيجابية.

 


المراجع

  • (1) محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، الطبعة الأولى، القاهرة، 1997، ص:99.
  • (2) محمد عبد الحميد، مرجع سبق ذكره، ص: 25.
  • (3) جيهان أحمد رشتي، الأسس العلمية لنظريات الإعلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1978، ص: 49.
  • (4) جيهان أحمد رشتي، مرجع سبق ذكره.
  • (5) محمد سيد فهمي، تكنولوجيا الاتصال في الخدمة الاجتماعية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية ،2000، ص: 89.

613 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *