التعدد اللغوي بأبعاد متعددة

التعدد اللغوي بأبعاد متعددة
  1. تقديم
  2. المقاربات البيداغوجية للتعدد اللغوي
  3. استنتاج و تركيب

تقديم

لقد سبق الذكر أنه وعلى الرغم من كل هذه الأهمية التي تحظى بها اللغة العربية في بناء التعلمات أو في تكوين المعارف وبناء شخصية المتعلم، فهي مازالت في الوسط والمحيط المدرسي  تعيش عدة مشاكل وتمر بعدة إكراهات على مستوى التعليم والتدريس، وهي الإكراهات التي كشفت عنها كثير من تقارير المجلس الأعلى للتعليم، وعززتها البحوث التربوية والتدخلية  الميدانية المنجزة في هذا  الموضوع  بالجامعات المغربية أو في مراكز التربية والتكوين…..

وهذا الاهتمام الواسع باللغة العربية تدريسا وتعليما  ومتابعة يعود إلى كون اللغة العربية هي الأداة الناقلة للمعارف والصانعة للمهارات والخبرات   للمتعلم .

إضافة إلى اتصاف اللغة العربية بعدد من الخصائص الأسلوبية والدلالية والتركيبية والصرفية ،مما يجعلها ميسرة وسهلة  للراغبين والمقبلين على تعلمها….

-المقاربات البيداغوجية للتعدد اللغوي

بالمقابل تباينت المواقف واختلفت  الرؤى الفلسفية وتعارضت الاختيارات اللسانية و التوجهات البيداغوجية في مقاربة  التعدد اللغوي  الحاضر في المنهاج التعليمي المغربي الجديد ،إلى درجة  يمكن القول إن المواقف  من  التعدد  اللغوي وصلت  إلى درجة  الاختلاف و التباين  والتقاطع بين اللسانين والبيداغوجيين والمتدخلين  مباشرة في الشأن التعليمي….

ومن متعلقات هذا الإشكال وأثاره على متعلمي اللغة العربية في القسم الابتدائي هو وجود مواقف متباينة ومتضاربة  من هذا الإشكال.

-الموقف الأول

هذا الاتجاه يتحفظ  أصحابه من إدخال اللغة الثانية في التدريس في سن مبكرة لا سيما في الأقسام الأولية والابتدائية ،لما لهذا الادخال  من العواقب  الوخيمة على شخصية المتعلم بصفة عامة ، فنحن  أمام إشكالية لغوية معقدة ومركبة بسبب تموقع المتعلم  بين اللغة الفصيحة و لغة التخاطب اليومي أي بين اللغة التي يتعلمها واللغة التي يتخاطب بها ويتواصل بها سواء  في البيت أو في الشارع،مما يرهق منجزه اللغوي ويؤثره على تواصليته  وأنشطته اللغوية في الفصل الدراسي…

ما يلزمه الأخذ بلغة واحدة في السنوات الأولى من التعليم

وهذا الاختيار تبناه الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري وفريقه اللساني، وشرحه بشكل مفصل في كتيب يحمل عنوان : اللغة والبيئة…

 بموازاة مع هذا يصرح أصحاب هذا الاتجاه بأن التعدد اللغوي يشكل عائقا ثقيلا ، وعبئا كبيرا على المتعلم ،فهو يحد من تنمية القدرات اللغوية ، و المكتسبات التواصلية لمتعلم اللغة العربية  بصفة عامة [1].

والسند التربوي والبيداغوجي الذي استند عليه أصحاب هذا الاختيار هو أن الازدواجية اللغوية في التعليم لها تأثير سلبي  غير مرغوب فيها على المتعلم ،بالتالي  ينبغي تفادي إدخال اللغة الثانية في وقت مبكر في التعليم الولي والابتدائي.

 مرجعهم في هذا الاختيار وسندهم في هذا التوجه أن  لكل لغة قواعد خاصة صوتية تركيبية دلالية  وثقافية  إضافة إلى  القواعد الاجتماعية الثقافية الخاصة بكل لغة .[2]

فهذا التعدد اللغوي التي يعيشه  المتعلم المغربي هو المسؤول  عن التعثر والتراجع والاخفاق اللغوي  في مكتسباته   ، إذ أصبح المنجز اللغوي  والإنشائي والتعبيري للمتعلم  المغربي محل استغراب مريب  وشك مستمر ، وسببا في إدانة المنظومة التعليمية، والحكم عليها غيابيا بالفشل  الذر يع،  والإخفاق الكبير….[3].

ويمكن إجمال هذا الموقف في أن  أي تعليم لغوي متعدد ينبغي أن يقوم أولا على تمكين المتعلم من اكتساب اللغة الوطنية الرسمية في سن مبكرة أولا  تلافيا لأثر للازدواجية اللغوية على النمو اللغوي والمعرفي عند المتعلمين ،مع الشروع في  تعليم اللغات الحية في سن لاحقة ومتأخرة …

ما يعني انه لا يتم الشر وع في تعلم اللغة الثانية إلا بعد “أن يكون هذا المتعلم قد تعرف على  لغته وهويته وفكر في ثقافة مجتمعه بصفة عامة..”.[4].

مع الاعتماد والمراهنة على الانغماس اللغوي،فإذا اكتمل نظام اللغة في ذهنه ،أمكنه أن يتعلم  اللغة الأجنبية بشرط  أن تتوفر الوسائل  المساعدة  والمعينة على  التعليم…[5].

ومن ابرز هذه الوسائل والأدوات المساعدة على تعلم اللغة الثانية اعتماد المقاربة التواصلية التي تعتمد على التواصل الشفهوي لتنمية الرصيد المعجمي واللغوي  لمتعلم اللغات بشكل عام.

-الموقف الثاني

هذا الموقف يمثله عدد من اللسانين ويرون أن التعدد اللغوي لا يشكل عبئا على المتعلم …

و أن التعدد اللغوي يشكل غنى ثقافيا لا شك فيه بالنسبة لأي مجتمع، لان اللغة تعكس الحياة بجميع تفاصيلها ،وتكشف عن عقائد المجتمع وتقاليده والقيم التي يحملها والعلاقات والتفاعلات التي يعيشها ويمر منها…

 فهم يعتبرون  الازدواجية او التعدد اللغوي  ظاهرة طبيعية تعيشها جميع المجتمعات ،و لا تؤثر سلبا على تعلم الفصحى…

فاللغة تحتوي على إمكانات متعددة للتعبير والتواصل  والتبليغ، فهي لا تشكل عائقا أمام  المتعلم في التعلم والاكتساب والتحصيل .

فالتعدد اللغوي يحقق بالنسبة إلى الفرد أفاقا أوسع في التصور و التمثل ،مما يجعل  اللغة الواحدة  عاجزة عن تحقيقه والوصول إليه…

وهذا الاتجاه  راهن عليه أستاذنا   الباحث احمد اوزي[6]  عندما قال بصريح العبارة:” فبالمقابل تباينت  المواقف واختلفت   الرؤى الفلسفية وتعارضت الاختيارات اللسانية و التوجهات البيداغوجية في مقاربة هذا التعدد اللغوي إلى درجة  يمكن القول إن المواقف  من   التعدد  اللغوي وصلت  إلى درجة  الاختلاف و التباين  والتقاطع بين اللسانين والبيداغوجيين…

لكن التوجه اليوم التي تسير فيه البحوث   التربوية واللسانية  تؤكد انه بإمكان المتعلم  أن يكتسب أكثر من لغة  في مرحلة الطفولة ،وان نظرية التزاحم اللغوي  لم تعد مسايرة للتحولات التي تشهدها الساحة العلمية  و البحث العلمي في العلوم السيكولوجية واللسانية …[7].

كما اعتمد أصحاب هذا الاتجاه على ما جاءت به   نظرية اللسانيات المعرفية التي أكدت أن  الفرد يتعلم في الصغر أكثر من لغة كلما تقدّم في العمر، قلّتْ قدرتُهُ على تعلّم اللّغة واكتسابها انطلاقا من نظرية   Less is more أي الأقل هو الأكثر….

وللتخفيف من حدة هذا الإشكال يجب الانطلاق من لغة الطفل  من حيث هي خطوة بيداغوجية أولية  في  طريق  تعليم  اللغة العربية التي هي لغة  التدريس.[8]

استنتاج وتركيب

إن الجواب على هذا الإشكال التربوي المتعلق بالتعدد اللغوي رهين بالاطلاع على المستجدات و البحوث التربوية التطبيقية ونتائج   البحوث التي أتت بها  اللسانيات لاسيما ما تعلق باللسانيات  التعليمية التي اشتغلت على هذا الموضوع ،واتت  بنتائج جديدة في هذا الموضوع..


[1]-اللغة بين الاكتساب والتعلم لعباس الصوري:9 ضمن أعمال ندوة تعليم اللغات تعليم اللغات كلية الآداب مكناس 2002.

[2] –ظاهرة التعدد للغوي ومضاعفاته في المحيط لمجتمعي   لمبارك ربيع مجلة المدرسة المغربية    العدد:-3-السنة:2011.

[3] -التعثر اللغوي عند المتعلم المغربي    لمحمد بنعمر23.مجلة أبحاث اللبنانية العدد11-السنة2011.

[4] -مقدمة ا لدكتور الفاسي الفهري :لندوة تعلم اللغة العربية والتعليم المتعدد منشورات معهد الدراسات والأبحاث والتعريب الرباط المغرب 2002.

[5] –اكتساب اللغة العربية والتعلم اللغوي المتعدد  لعبد القدر الفاسي الفهري -مجلة أبحاث لسانية المجلد-4-العدد:1-2السنة:1999.يوم

[6] -باحث وخبير تربوي مغربي من هيئة التدريس بكلية علوم التربية   بالرباط-المغرب-.له عدة دراسات  وبحوث تدور في مجملها على  قضائيا التربية والتعليم.يدير مجلة علوم التربية .وهي محلة فصلية تصدر في المغرب  بانتظام. بحيث صدر منها 80عددا.من إصداراته الأخيرة،:- المعجم الموسوعي لعلوم التربية – وهومن إصدارات مجلة علوم التربية *

[7] .اكراهات تدرس اللغة العربية للغالي احرشاو:11

[8] – مداخلة الدكتور احمد اوزي في  :المؤتمر الدولي البحث التربوي وتجديد المناهج التعليمية  في المدرسة العليا للاساتذة فاس 17/12/2017 

631 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *