تقديم
الغذاء الصحي ضرورة لسلامة الإنسان جسديا وعقليا، وقد كان للتشريع الإسلامي الدور الأهم في تحديد نوعية الأطعمة التي يسمح بتناولها وتعود بالنفع وتبعد الضرر.
ومهما تنوعت المصادر العلمية والبحوث الأكاديمية يبقى كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام أولى وأهم مصادر التعامل مع التساؤلات والمعوِّقَات في جميع مناحي الحياة، فالآيات القرآنية كثيرة ومنها ما يبن نوعية الأغذية وتحديد طريقة التعامل مع ما يطعم وما ينبذ، فقد قال سبحانه وتعالى:” يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (سورة المائدة الآية4).
وقد تفشت في هذا العصر الأوبئة وكثرت الأمراض وانتشرت على نطاق واسع وما فيروس كورونا المستجد إلا نتيجة تفريط الإنسان وتجاوزه إلى المحظور باستباحة تناول كل شيء من غير ضوابط حتى ما يستخبثه الطبع، ويستقبحه العقل وتنفر منه النفس.
تصنيف الأطعمة بين الحلال والحرام
الغذاء مطلب أساسي لا يمكن الاستغناء عنه لإمداد الجسم بما يحتاجه من طاقة وقوة ونمو لذا فقد أولى الإسلام عناية خاصة ببناء الإنسان ليكون قويا فكريا وجسمانيا.
الأصل في الأطعمة الإباحة إلا ما حرم منها، وعلى اختلاف أنواعها تفصيل وتحليل.
1-اللّحوم
أحلَّ الله اللُّحوم النَّافعة الطيِّبة ومنها بهيمة الأنعام إذ يجوز أكلها مثل الإبل، الماعز، والبقر والضأن وغيره.
وكان تحريمه على الأصناف التالية:
- الحيوانات البرية: وتشمل كل حيوان مفترس له ناب من السباع كالأسود والنمور، والكلاب والقطط وغيرها، فعن أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِّي رَضِيَ اللهُ عَنْه “أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.”
الحمير والبغال، فعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الخَيْلَ وَالبغَالَ وَالحَمِيرَ فَنَهَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ البغَالِ وَالحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الخَيْلِ. “
كما نهى الشرع عن تناول الجلاّلة وهي الحيوان الذي خالط أكثر أكله النجاسات، حتى ولو كان أكل لحمه حلال مثل الجمال والخرفان أو الدجاج فيتغير ريحها ويصير لحمها نتنا.
الحيوانات السُّمِّيَّة وهي ما كانت تحمل سمًّا في جسمها كالأفاعي، والسحالي والعقارب.
الحيوانات المستقذرة ومنها ما تعافه النفس كالفأر والجرد، وكذا ما يقتات على القاذورات فهو نجس مثل الخنزير.
- الطيور : ومنها الجوارح وهو كل طير له مخلب يصيد به مثل النسور والصقور، والعقاب، والبازي.
والطيور التي تأكل الجيف والمستقذرات كالخفافش، والغربان.
وقد ورد عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:” خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ”.
- الحشرات: وهي كائنات حيّة صغيرة منها ما يمشي أو يدب على الأرض وما يزحف وما يطير وهو محرم أكلها عموما ويباح منها ما لم يكن خبيثا وضارا مثل الجراد.
- أما الرخويات كالحلزونات فيجوز أكلها ما لم تكن سامَّة او مستقذرة.
- الحيوانات البحرية: يسمح بأكل الأسماك والمخلوقات البحرية كلها ما ثبت خلوها من السموم والضرر لقوله تعالى:”أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِّ” (المائدة- الآية 96).
2- النباتات
وهو كل ما تنبت الأرض، فيجوز أكل الخضروات والفواكه والحبوب وغيرها من الأعشاب والحشائش إلا ما كان ساما أو مسكرا ومخدرا مثل الخشخاش والقات والتبغ، ومنها ما يصنع فيصير أقراصا أو حقنا وكله محرم للأكل إلا التداوي.
وما يستخرج منها من عناصر غذائية مباح مثل زيت الزيتون وزيت دوار الشمس.
3- المشروبات
كل الشراب مباح ومهما كان مصدره من الطبيعة كالماء أو الحيوان مثل الألبان ومشتقاتها كـالأجبان، أو ما تصنعه الحشرات ومنه العسل وهو مفيد جدا وقد قال فيه عز وجل :”يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (النحل- الآية 69)، أو ما يستخلص من عصر الخضروات والفواكه والأعشاب ويستثى من الشراب ما كان خبيثا أو نجسا، مسكرا أو مخدرا أو ساما وملوثا وما تعافه الأنفس كالدم.
ضوابط اللّحم الحلال
اللحم من مصدر حيواني وللحصول عليه يجب إزهاق روحه وذلك وفق عدة طرق منها الممنوع ومنها المشروع.
1-أنواع الميتة
هناك أنواعٌ من الميتة لا يجوز أكلها ومنها المنخنقة وهي التي خنِقت بحبلٍ أو بيد ونحوه حتى الموت، والمترديَّة وهي التي سقطت من علو مثل الجبل آو سطح مرتفع فماتت.
النطيحة ويقصد بها التي تناطحت مع شاة أخرى فماتت نتيجة النَّطح، والموقوذة أي البهيمة التي ماتت من جراء الضرب، وما أكل السبع وهي البهائم التي أصابت منها السباع بافتراس وصيد فقضت عليها.
وقد دل على هذه الأحوال قوله سبحانه وتعالى:” حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (المائدة- الآية 3).
2- تعريف التذكية
لا يجوز أكل لحم الحيوانات المباحة إلا إذا ذبحت وفق الطريقة الشرعية وهذا ما يسمى بالتذكية وهي عبارة عن قطع المريء وهو مجرى الطعام، والحلقوم أي الحلق ومجرى النفس، والودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم، وهذا يكون في ذبح الغنم والبقر والطير.
ويمكن النحر بالطعن في اللّبة وهي حفرة أسفل العنق وتستعمل هذه الطريقة لتذكية الإبل.
أما العقر فهو جرح الحيوان الوحشي المباح صيده وكذا المستأنس الذي يصعب نحره ليضعف ومتى ما تمكن الإنسان منه ذبحه.
أما صيد البحر فيجوز أكله من غير تذكية فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّة صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ: “هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ.”
3- شروط التذكية
لكي تكون التذكية جائزة يجب أن تتوفر الشروط التالية:
- أن يكون المذَّكِّي بالغا عاقلا مسلما، أو من أهل الكتاب (نصراني أو يهودي) لقوله سبحانه عزّ وجل :” الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ” (المائدة- الآية 5).
- لزوم أن تكون أداة الذبح حادة لتسهيل وتسريع العملية، وهذا من الرفق بالحيوان وعدم تعذيبه.
- أن يذكر المُذَّكِّي اسم الله تعالى عند التذكية لأنه خالق البهائم ومن أباح الانتفاع بها، لقوله لقوله سبحانه: “وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ” ( الأنعام- الآية 121)، ومن السّنة أستقبال القبلة عند الذبح.
الحكمة من التقنين الغذائي
حرص الإسلام على أن يكون عيش الإنسان كريما في وسط نظيف خال من الأوبئة لذا فما حرم الله من شيء إلا لحكمة تدفع الضرر المادي والمعنوي أيضا وليس عبثا، وكذا الحال مع التغذية المضبوطة شرعا فلها الأثر الحسن في تكوين النفسية والبنية الجسدية، وهذا ما لا يحظى به غير المسلم سواء ممن يكون نباتيا ويمنع نفسه من اللّحوم وميزاتها أو من يستبيح أكل كل شيء فإن ذلك يسبب ضررا وخللا في بناء النفس والجسد البشري.
وعليه فالقانون الإسلامي في تحديد الغذاء شمولي متوازن وعادل يضمن الجودة والسلامة للفرد والمجتمع.
التعليقات