الحقيقة أنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة حول فيروس كورونا إلا الخالق، ووسط الزخم الإعلامي وما تتناقله وسائل الإعلام العربية والأجنبية من أخبار ومعلومات حول هذا الفيروس القاتل وسلالاته الجديدة وتداعياتها على مدار 24 ساعة دون انقطاع، شتت التركيز وجعل عامل الثقة بمختلف أنواع المؤسسات يتراجع.
ولعل الباحثين والمختصين في مجال الصحة لم يقدموا إجابات واضحة خاصة فيما يتعلق باللقاحات التي يرون فيها السبيل الوحيد للنجاة من هذا الوباء، ولا خيار أمامهم إلا التطعيم في حين تبرز المخاوف من الآثار الجانبية طويلة المدى خاصة أن اللقاحات المثيرة للجدل انتجت بسرعة وتم اعتمادها في حالات الطوارئ.
وعليه فالناس بحاجة إلى مزيد من المعلوملومات والشروحات التي من شأنها تعزيز قابليتهم للتطعيم، بما لا يترك المجال مفتوحا للتخمينات والاحتمالات والآثار الجانبية خاصة على المدى البعيد، ومثال ذلك جاء في بيان مشترك صادر عن الائتلاف الدولي لسلطات تنظيم الأدوية ومنظمة الصحة العالمية، في أحد الأسئلة: إلى متى سيوفر التطعيم ضد فيروس كوفيد-19 الحماية للأشخاص المحصنين؟
ج: لا نعرف حتى الآن مدة استمرار الحماية التي يوفرها أي من هذه اللقاحات، وسوف نحصل على معلومات أفضل في خلال الأشهر الإثني عشر المقبلة.
فعلى أهل الاختصاص فتح قنوات للتواصل وإعطاء أدلة علمية ونتائج بحوث أكاديمية موثوقة، فهذه أرواح بشرية لا يمكن تقديمها قربانا لتجارب سريرية أو دراسات غير مؤكدة أو حتى أغراض تجارية.
ومن جهة أخرى يجب تسمية الأشياء بمسمايتها، فكورونا ليست مجرد فيروس ممرض لأنها أبعد من ذلك فهي وباء مسلط على البشر جميعا في كل انحاء العالم، وفي ذلك روى ابن ماجة والحاكم، حَدَثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهم- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ).
فمن يمكنه القول أن هذه الظواهر والتجاوزات غير متفشية في كل أنحاء المعمورة بما فيها البلاد الإسلامية، وهل ما يحدث اليوم خلاف ما ذكر في الحديث؟.
قد يعترض البعض ويتحجج أن هناك من المؤمنين التقاة من سيصيبه هذا الوباء، فالرد ما ورد عن عائشة رضي الله عنها حيث قالت:” سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ”.
الاحتساب والصبر على المرض و الضغوطات بكل أنواعها فيه أجر عظيم، فضلا عن التوكل على الله باتخاذ الأسباب وهذا واجب، وفي الهدي النبوي قواعد هامة من شأنها حفظ الفرد والجماعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم علمنا الوقاية وتجنب الهلاك، حيث قال: ” لا يوردن ممرض على مصح”، وقال أيضا عليه السلام:” فر من المجذوم فرارك من الأسد”.
والحديثان صريحان في الابتعاد عن بؤر انتشار الأوبئة، وتفادي احتكاك المريض بالسليم وعدم مخالطته.
كما نبه لعدم نشر الوباء ونقله لأماكن أخرى، أو إلقاء النفس إلى الهلاك بالذهاب إلى المناطق الموبوءة، إذ قال عليه الصلاة والسلام:”إِذا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه”.
يقين المسلم أن هذا الوباء لا ملجأ منه إلا إلى الله، وعليه فالحل الفعلي والعملي لمواجهة هذا الفيروس المميت والخفي، المتناهي الصغر الذي يقاس بالنانومتر هو:
1- التوبة النصوح والمسارعة للإقبال على الله عز وجل، بالرجوع إلى طريق الحق، رد المظالم وإنكار المنكر المنتشر في كل مكان نهارا وليلا وصار ماشيا راكبا محمولا ومرسلا، ومن لم يقصد المنكرات تأي هي إليه طوعا وكرها، فالبلاء ينزل بالذنب ويرفع بالتوبة..
2- .التوكل على الله وعدم الجزع من قضائه ونشر الخوف والهلع، أو الاعتراض على ما كتبه جل وعلا.
3- الصلاة بإلحاح في التواضع والدعاء ، لقوله تعالى:“وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ” [سورة البقرة/ الآية: 45].
4- الذكر والدعاء والتوسل والمداومة مع على أذكار الصباح والمساء لحفظ النفس والأهل.
5- الوضوء والاغتسال ومنه الاعتناء بالنظافة، واستعمال المناديل وتغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس، وارتداء الكمامة الطبية مع المحافظة على مسافات التباعد.
وعليه يجب التعامل مع هذا الوباء باستثماره فيما يجلب النفع، وأخذ العبرة من الفراغ الروحي الذي يعاني منه غير المسلم فيمضي وقته محاصرا في بيته خائفا من كورونا ولا يجد ذكرا ولا أدعية فيصيبه القنوط، ويرى أن الموت هو النهاية في حين أن موت المسلم هو بداية جديدة، وحياته في عبادة الله سمو ومنتهى الانعتاق والحرية، أين يحيا لعبادة الله وتعمير الأرض بالتوحيد وإن مات في الوباء فذلك له شهادة، فعجبا من لاستياء لما فيه خير وأجر.
التعليقات