إذا كان للشاي في مجالسة علية القوم طقوس معينة، فإنه بالنسبة للفقراء جزء من العيش، يلازم رفيقه الخبز خصوصا في المواسم المجدية، حيث تنتشر ثقافة «الخبز والأتـاي»، لذا من الطبيعي أن يحتفي الشعر المغربي بالخبز احتفاءه بكل موروث مادي ومعنوي أصيل، وهنا نكتفي بإيراد هذين البيتين للشاعر عبد الرحمان المجدوب يلخص فيهما بإيجاز بليغ محورية الخبز في حياة المغاربة، ومنحه الجسم الطاقة اللازمة للقيام بنشاطاته وإعانته للعبد على القيام بالطاعات وأداء العبادات، إذ يقول:
الخبز يــا الخبـــــــز والخبــز هو الإفادة
لومــا كان الخبــــز مايكون دين ولاعبادة.
وعلى هذا كان قول الصالحين: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي: مُتورِّع يصرِف قوت الطعام إلى عبادة الله.
لقد ظل احتفاء الأدب المغربي بطعام المغاربة وأكلهم متواصلا حتى اليوم، وفي أدبنا الحديث نماذج عدة نذكر من بينها «ديوان المائدة» لســعد سرحــان، وهو كتاب قارب بلغة أدبية رفيعة عددا من الأطباق المغربية، من الكسكس والمروزية والجلبانة والقوق وكعب غزال وحساء الحلزون[1].
للمغاربة تاريخ مع الخبز، وعلى اختلاف مادته الأساسية وطريقة خبزه، إما عند الخباز أو المسدود أو فرن بوجيهة أو الفراح أو فرن المسيرة أو الكانون«الخبز الحرفي» أو «الخبز الكارم»، «الخبز والدواز» سواء كان ذلك هو الدواز بالبطاطس أو الشاي، تظل هذه المادة الغذائية الحاضر الأول على كل أنواع الموائد.
فالخبز يأخد في بعض الأحيان طابع ميتافيزيقي، في الأقوال الشعبية مثل «الله يعطيك خبزة معجنوها يدين مشافوها عينين»، ومعناه رمزية الرزق الحلال الوفير مع الستر، أو يقال “خبز ربي في طبكو” وذلك للبلاهة المفرطة للشخص، وتردف بعبارة أخرى “شبعتي خبز” بمعنى أن وفرة الخبز وفيضه هو الدافع والحافز للخروج عن الطاعة والإنصياع، أو”مشا يصور طرف ديال الخبز” والقصد هو السعي للعمل والاسترزاق، ويقال “لقيت واحد الخبزة ” بمعنى الرزق الذي وهبه الله لنا، كأن الخبز هو جوهر هذه البسيطة التي نعيش فيها.
في الموروث الثقافي المغربي للخبز نظرة لها قراءة ممتعة، فهو على شاكلة قرص، كخبز المخمار أو خبز الفطير، أو التريد الملوي، المسمن. البغرير. الخبز الحرفي[2]، أو الخبز الكارم، شيار، البطبوط، حرطيطة، الحرشة، سفنج، الورقة (ورقة البسطيلة)…فالمغربي لايتصور حياته دون كسرة خبز، فالخبز مقدس ولايمكن الإستغاء عنه، وهناك مثل روسي يقول أن “الخبز أبٌ والماء أمٌ”، والأبلغ والأصدق من ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم:” ” إذا خرجتم من حج أو عمرة فتمتعوا لكي تنكلوا ، واكرموا الخبز فإن الله تعالى سخر له بركات السماء والأرض ، ولا تسندوا القصعة بالخبز ، فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع “، فهلا أكرمنا الخبز كما أكرمنا الله به؟
[1]- وعلى ذكر حساء الحلزون، جاء حزب الفتوى لشيخ الاسلام ابن تيمية فيها بأن «أكل الخبائث وأكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين. فمن أكلها مستحلا لذلك فإنه يُستتاب وإلا قُتل »،قبل أن يعزز حجته بفتوى أكثر وضوحا للإمام ابن حزم يقول فيها:«ولايحل أكل الحلزون البري ولاشيء من الحشرات كلها كالوزغ والخنافس والنمل والنحل والذباب والدبور والدود كله والقمل والبراغيت والبق والبعوض»، ثم ختم فتواه بتحريم الشافعية الصريح لهذه الدُودة، بعلة إنها مستخبثة. وكلام الله واضح في هذا الشأن. فقد حرم على عباده الخبائث بنص صريح.
[2] – في هذا الصدد نستحضر رواية الكاتب والمؤلف أحمد شكري في روايته الخبز الحافــي.