يعد العمل مكرمة للإنسان، ومهما تواضع فإن رفعته في أنه مصدر رزق يعيل صاحبه ويعينه على حفظ ماء الوجه وصون كرامة المرء من الهوان والتذلل للغير وتحمل مهانة السؤال، فأي حرفة تلبي مطلبا، وأية صناعة تسد حاجة ومهما كانت بسيطة، فذلك عطاء مشرف وخدمة قيمة تعود يعود بالنفع على المجتمع قبل صاحبها، وتحقق نجاحا حقيقيا وإن لم يظهر للعيان، قد يساعد على توفير ضروريات الحياة من أجل عيش كريم.
يسعى كثير من الناس للعمل بجد وفي ظروف قاسية، بل وتصنف مهنهم في جداول الأعمال الشاقة عمليا، أما نظريا فإنهم لا يلقون إلا نظرات الاحتقار والتقليل من شأنهم، والتصنيف في آخر سلم الأجور.
رغم أنهم يقدمون خدمات عظيمة غير أنهم يبقون على الهامش يعانون العوز والعجز أمام تكاليف المعيشة وأعباء الحياة؛ فهل ما يقدم لهم من مقابل يعادل دوما الجهود المبذولة؟.
وحري التساؤل أيضا أي إضطراب سيلحق بالبنى التحتية للمجتمع لولا هؤلاء الذين يقومون بالمهن التي يحتقرها كل من جهل مبدأ خادم القوم سيدهم؟، قد لا يكون معظمهم من حملة الشهادات العليا وخرجي الجامعات والمعاهد، وهذا قد يكون لظروف قاهرة لم تسعفهم لمواصلة التعليم بل منهم من لم يلتحق بمقاعد الدراسة أصلا، لكنهم مبدعون في مجالات عدة قد يعجز عن اقتحامها النخبة، ومع الأسف ينظر إليهم على أنهم أصحاب مهن وضيعة، إنهم الباسون الذين لم يكسلوا أبدا عن طلب الرزق الحلال لأنفسهم وكذا من يعولون، وهكذا لم يسلموا من ألسن الذين ينعتونهم ويتهكمون عليهم بوضاعة مهنهم.
التنظيف، العتالة (حمل السلع)، وغيرهما من الأعمال الصعبة التي يعاني منها أصحابها يوميا ويمتد أثرها الصحي على المدى البعيد، هي أعمال شريفة وإن لم يحظ ممتهنوها بامتيازات الرفاهية والفخامة، وما يزيدها علوا وشأنا هو علامات الرضا البادية على وجوه من يؤمنون أن ما يقومون به عمل شريف يعودهم التعفف والتكفف ويسم قلبهم بالقناعة، في حين يبقى ما يكابدونه من تحقير المجتمع لهم أكثر قسوة مما يلاقونه من عناء وتعب أثناء أدائهم لنشاطهم.
ظروف العمل قاسية جدا وظروف المعيشة أقسى، فهناك من يمضي النهار بطوله وهو ينقل السلع إلى الشاحنات أو الحاويات ويحمل أثقالا بوزن هموم الحياة، وهناك من تقوم بتصنيع الخبز المنزلي والكسكسي بكميات كبيرة في فصل الحرارة الشديدة أو مع الصيام، والبعض يمضي الليالي بعيدا عن أسرته وهو يعبد الطرقات الممتدة ليلا، وغيرها من المهام العديدة وبأجور زهيدة لا تساوي عشر ما يتم إنتاجه أو تقديمه من خدمات، لكنه الرزق المقدر على الإنسان الذي لا يمكن لأحد أن يغيره، وتبقى البركة تضاعفه من غير حد.
تحية تقدير وإكبار لكل أولئك المجدين الذين يعملون وهم رافعين شعار “بأياد نظيفة ونفوس عفيفة”، في حين أن هناك من يجنون الملايين يوميا ولكنهم لم يفكروا يوما في هذه القناعة والنزاهة، وعملهم والشرف كالخطان المتوازيان لا يلتقيان أبدا رغم ما نالوه من مكاسب وشغلوا من مناصب، وما علقوه من أوسمة لن ترفع ميزان العمل الصالح درجة، والله يرفع العمل الصالح، وإليه يصعد الكلم الطيب، فالحرص..الحرص على قول صادق كريم بحق كل مجد مجتهد يعمل بشرف.