الغزالي والتربية

الغزالي والتربية

تقديم

من الاسئلة التي تلقيتها في هذه الايام سؤال : هل  تتحول اراء الغزالي في التربية الى نظرية تربوية تنافس النظريات التربوية الجديدة في موضوع تربية الطفل.

وقبل الاجابة على هذا السؤال الاشكالي لا بد من تقديم توصيف موجز لاراء الغزالي في التربية.

-تعريف  التربية الإمام الغزالي:505ه

من ابرز التعاريف للتربية في التراث التربوي الإسلامي تعريف الإمام الغزالي ت505ه الذي اعتبر التربية من قسم من العلوم الشريفة النافعة في مقابلة العلوم الوضيعة التي لا تحمل أي منفعة  للإنسان في عاجلته وأجلته ،”فان المعرفة في كون بعض  العلوم اشرف من بعض يكون في ثمرتها ،فالعلم بثمرته يعرف….[1].

ومما يركز عليه الإمام الغزالي ت505ه في تأصيله وتوصيفه للتربية هو مراهنته بلغة مؤكدة على البعد القيمي والروحي في التربية وفي ضرورتها للإنسان .

فهذا الاختيار يرجع أن الإنسان يفضل عن الحيوان، وعن البهيمة  بالتربية والتعليم، والذي شد الإمام الغزالي في حديثه وتأصيله للفعل التربوي هو أن التربية هي الفارق و الفاصل بين الإنسان والحيوان، فلولا التربية والعلم” لصار الناس مثل البهائم”،[2] .

وفي توصيفه للتربية يقدم الإمام الغزالي هذه الصورة المركبة فالمربي عمله يشبه  عمل الفلاح المداوم اليومي والذي يعمل باستمرار وبدون توقف في  مزرعته هو يقلع  الشوك،و  يخرج النبات الفاسد ليحتفظ على النبات الصالح فقط..[3].

 واعتبر الإمام الغزالي التربية بأنها المدخل والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد و في صلاح المجتمع ،وهي السبيل والطريق إلى تحقيق التمدن و السعادة للإنسان ،والارتقاء بهذا الإنسان  من الحيوانية إلى الإنسانية….[4].

ومما يشدد عليه الإمام الغزالي ويدعو الإباء إلى الأخذ والالتزام به هو ضرورة المتابعة والرعاية وبالعناية بتربية الأبناء ومتابعتهم، قال الغزالي  في كتابه “أيها الولد”: “يجب عل كل مسلم أن يجري لسان ابنه على كلام طيب وألفاظ ملحة،ويحرزه من كلمات الفحش إذا ابتدأ التكلم،ويجب على المسلم امتثال أمر أستاذه إلا أن يأمر على المناهي ،فانه يخالفه،ويجب على المسلم تعظيم العلم وأهله….”.[5].

ومما يذكره  الإمام الغزالي ت505ه  في هذا السياق أن التربية هي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد و في صلاح المجتمع ،وهي السبيل إلى تحقيق التمدن ،وبلوغ السعادة للإنسان والارتقاء به من درجة  الحيوانية إلى الإنسانية….[6].

والتربية عادة ما تقترن بطلب العلم بشقيه الديني والدنيوي فأفضل العبادات هو تحصيل العلم”بل هو أفضل العبادات…”[7] وشبه الإمام الغزالي التعلم “كتعمير البيت….”[8].

ولتحقيق الربط بين العلم وثمرته ونتائجه، فقد اعتبر الإمام الغزالي العمل الجدي على تربية الأولاد فهي رعاية وولاية ومسؤولية كبرى “والأهل والولد رعية،وفضل الرعية عظيم…فمقاساة الأهل والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله…”.[9]

وهو يدعو الأب إلى  الصبر في تحمل المسؤولية التي تفرضها التربية في المحافظة على الأبناء قال في وصيته :”والصبر على العيال، مع أنه رياضة ومجاهدة، تكفل لهم، وقيام بهم، وعبادة في نفسها” [10] ، ” ويعلق على تصريحه بقوله   “ان الهارب من عياله بمنزلة العبد الهارب الآبق، لا تقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم”[11]..

من  جهة يعتبر الإمام الغزالي ت505ه الطفولة  مرحلة حاسمة وفاعلة ومؤثرة في مستقبل ومصير حياة الإنسان  قال الإمام الغزالي في هذا السياق :”وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة ،وهو قابل لكل  ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه ،فان عود الخير وعلمه نشا عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلم له مؤدب ،وان عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ،وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له….”.[12].

مراجع


[1] – فاتحة العلوم لأبي حامد الغزالي:   1/35

[2] -فاتحة العلوم للغزالي:1/22

[3] -أيها الولد للغزالي :134.

[4] — تربية الطفل عند أبي حامد الغزالي لعباس ارحيلة:126 مجلة دعوة الحق  المغربية العدد المزدوج:355-356السنة:2000.

[5] -منهاج المتعلم لأبي حامد الغزالي:80.

[6] – التربية في الإسلام للدكتور احمد فؤاد الاهواني 22-ط-2.دار المعارف القاهرة1968.

[7] -فاتحة العلوم لأبي حامد الغزالي: 28

[8] -منهاج المتعلم لأبي حامد الغزالي :68

[9] -إحياء علوم الدين للإمام الغزالي:2/38

[10] -إحياء علوم الدين:2/37

[11] :نفسه:2/82

[12] -أيها الولد للإمام الغزالي :140

101 مشاهدة
error: المحتوى محمي !!