القدوة المزيفة

القدوة المزيفة

نورالدين النبهاني

انتهى رمضان و انتهى معه مسلسل لمكتوب ، وبعد متابعة كافة حلقاته اصبح من حقنا تقييمه و التعليق عليه .

نجاح المسلسل استمد قوته من تقليد الدراما التركية و اعترفت كاتبة السيناريو في إحدى الاستجوابات أن مرجعيتها في الكتابة كانت الرواية التركية و الجمهور المغربي تعود على هذا النمط من الدراما لكثرة مشاهدته للمسلسلات التركية .

لكن المؤسف و المؤلم هو المقارنة المجحفة التي وُضِعَتْ بين الاستاذ و الشيخة ، ورسالة المسلسل هي نقل القدوة من الاستاذ الى الشيخة، وتحويل الشيخة من وصمة عار الى مصدر افتخار .

فالشيخة انجبت فتاة و ربتها احسن تربية و علمتها أحسن تعليم حتى تخرجت من الجامعة و هي تحمل شهادات جامعية و ثقافة وأناقة  و ادبا  ، في حين ظهرت ابنة الاستاذ في الحلقة 23  ..فتاة عاطلة..جاهلة ، لا تساير العصر ويتجلى في ملابسها التقليدية و في طريقة كلامها مع وضع المنديل على رأسها  ، حامل في الشهور الاولى من زواجها ، ذات تربية سيئة لانها لا تحترم زوجها وتتلاسن معه بكلام ناب وشريرة بطبعها ، انطوائية في تعاملها ، تقبل بأول رجل يطرق بابها ، و كأنها قادمة من اسرة منحلة او مفككة،  وكأن والدها لم يحسن تعليمها ، و لا تربيتها ،  و الأسوأ أن يوسف سائق الطاكسي يستعر من مصاهرة الاستاذ و يقول بالحرف في نفس المشهد ( هاهما اولادي جدهم استاذ آش ربحت ..انهار و ماطل واحنا امناكرين ابحال شي كورتية فالقامرة )ولم تجب ابنة الاستاذ و لم تدافع عن والدها لسبب بسيط أن كاتبة السيناريولم تكتب لها  جملا تدافع بها ،في حين ما اكثر الجمل الرنانة التي دافعت بها  الشيخة عن نفسها .

يوحي  المسلسل للمتفرج ان  الاستاذ الذي لم يحسن تربية  ابنته لن يستطيع ان يريي ابناء الشعب او يعلمهم ، وبناء على كل هذا لا يصلح ان يكون قدوة في مجتمعنا .

الشيخة مربية فاضلة ، الاستاذ مربي فاشل غير قادر على تربية ابنته تربية حسنة و  تعليمها تعليما جيدا ، يؤهلها لتكون موظفة مثل هند ابنة الشيخة .هذه هي الرسالة الاولى التي يحملها المسلسل بين طياته .

لكن الواقع الذي نعيشه عكس ذلك تماما ، وسنذكر بعض النتائج التي تكشف بالملموس بان الاستاذ مربي فاضل وناجح ونتائج ابنائه اكبر دليل على ذلك .

الذي حصلت على جائزة الكتاب العربي خلال هذه السنه  ابنة استاذ .

التي حصلت على الجائزة الاولى في القراءة على مستوى العالم العربي قبل ثلاث سنوات والدها استاذ و والدتها أستاذة إنها الطفلة مريم امجون الكل يعرفها .

اغلب الحاصلين على الجوائز في تجويد القرآن أبناء لفقهاء و علماء فقه و أساتذة .

المائة الاولى من الحاصلين على اعلى معدلات الباكالوريا لسنة 2019 ، 47% منهم كانوا ابناء الاساتذة، و  احصائيات و لوائح  مؤسسة محمد السادس للتربية والتعليم تؤكد  النتائج المشرفة لابناء اسرة  التعليم.

ولو طفت مثلا بين المعاهد العليا و الاقسام التحضيرية و المدرسة الحسنية و غيرها ستجد ان عدد ابناء الاساتذة يتواجد بقوة وباعداد كبيرة في هذه المراكز .

لكن لم نسمع يوما ان ابنة شيخة حصلت على الرتبة الاولى في تجويد القرآن او في مسابقة للقراءة اوفي تاليف الكتب او احتلال المراكز الاولى في نتائج الباكالوريا .

فكيف نعتبر الشيخة قدوة و ننزعها عن الاستاذ ، الذي ظهرت  ابنته في الحلقة 23 ظهرت في ثوان  كانت كافية لضربه في الصميم .

حين سأل الشيخ ياسين العمري الحاضرين :

(واش فدربكم كاينة شيخة )،،أجابه الجميع بلا بمعنى اي واحد يخجل أن تكون أمه شيخة لكن الكل سيفخر ان تكون والدته استاذة ..اي واحد سيخجل ان يصرح بان والده شيخ يعزف الكمان مع الشيخات ، لكنه سيتفتخر وهو يصرح ان والده استاذ .

نحن هنا لا نحقر من اي مهنة ، و لكن لا نقبل تحقير الاستاذ ، ووضع مقارنة مجحفة بين ابنة الشيخة و ابنة الاستاذ، و بين تربية الشيخة و تربية الاستاذ .

مسلسلات مثل هذه مهما كانت ناجحة تظل رخيصة في نظر المواطن الصالح الغيور على بلده  ، لانها تضرب بكل وقاحة القيم و الاخلاق وقد شاهدنا الطامة الكبرى  في الحلقة الاخيرة من المسلسل انتهى : 

– بانتصار الشر على الخير ، و انتصار الشيخة على الورثة ، والحصول على نصيب الاسد من الارث بغير وجه حق .

 خلط الانساب باقحام رضيع مجهول الهوية.. من الشارع على أساس أنه ابن عمر ،بتخطيط من الشيخة. .

– التطبيع مع الخيانة..الكل يخون الكل ..هند تخون زوجها ..المهدي يخون عمه ..حميد يخون  سليمة و سلسة الخيانة تتواصل مع الاحداث  .

 – تشجيع الام العازبة (ثورية ) وهي تدافع  عن عشيقها وعن حملها ولا ندري إن كان حميد سيفي بوعده و يتزوج بها أم لا ؟..

هذا المسلسل الرمضاني رصدت له ميزانية قدرت ب 11 مليون درهم كما صرحت بذلك كاتبة السيناريو في حوار اجرته معها أسبوعية ” الايام “

صحيح المسلسل حقق متعة و حقق فرجة لمتتبعيه لكنه كان يحمل بين طياته رسائل مشفرة  تبعثر المفاهيم وتضرب القيم .

ملحوظة…

 حتى الشيخة جميلة قدوة باخلاصها و وفائها لصديقتها الشيخة حليمة بالدخول الى السجن بدلا عنها في زمن قل فيه الوفاء و الصداقة الحقيقية ، هذه الصفات التي كانت منعدمة في العلاقة بين باقي شخصيات المسلسل ، بمعنى ان الوفاء و الصدق و الإخلاص لن تجده إلا في عالم الشيخات فقط.

ولله الامر من قبل ومن بعد 

121 مشاهدة
error: المحتوى محمي !!