تقديم
احتوت سورة الكهف مجموعة من القصص القرآنية العجيبة والتي تدل على قدرة الله تعالى، وما يلاقيه الإنسان من فتن، وهي تتناول الإيمان، المال، خلق آدم وعصيان إبليس، العلم، القوة والسلطان، والإفساد في الأرض، وكلها بمقاصد عظيمة.
قصة أصحاب الكهف
أصحاب الكهف هم مجموعة من الفتيان آمنوا بالله تعالى وخوفا على أنفسهم والإفتتان في دينهم لجأوا إلى كهف للإختباء به من بطش الحاكم الظالم بختنصر، وبقوا لأكثر من ثلاثة قرون نائمين في جوف الكهف ومعهم كلبهم، وقد رعاهم الله عز وجل حتى لا تشيخ أجسادهم وتفنى، إذ أنه جل وعلا أوقف نمو خلاياهم وفي ذلك إعجاز لرباني لقدرة الخالق ، وقد جعل الشمس تميل عنهم كي لا تحرقهم، والهواء يصلهم، ولما استيقظوا ظنوا أنهم بقوا لمدة يسيرة،ولم يدركوا حقيقة وضعهم، فأرسلوا أحدهم بالدراهم التي كانت معهم لشراء بعض الطعام من مدينتهم، وأن يحتاط في ذهابه، حتى لا يلاحقهم الظلمة ويفتنوهم عن دينهم، لكن أراد الله أن يعلم الناس بأمرهم ويخرجوا من الكهف وتقر أعينهم برؤية الناس موحدين، وآثروا أن يتوفاهم الله فدعوه فاستجاب لهم، واختلف الناس في أمرهم وقرروا بناء مسجد على المكان الذي دفنوا فيه.
قصة صاحب الجنتين
القصة القانية عن رجلين أحدهما مؤمن قليل ذات اليد ،والآخر كافر لكنه غني.
أعجب الكافر بما عنده من رزق وصار متكبرا معتزا بنفسه وماله، وتوهم أن ماله لن يفنى أبدا، ولكن الرجل المؤمن كان يذكره بالله تعالى، وحثه على شُكر الرزاق الذي وهبه هذه النعم، فرفض الكافر دعوة صاحبه المؤمن، فكان جواب المؤمن في قوله تعالى: (أَكَفَرتَ بِالَّذي خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلًا*لـكِنّا هُوَ اللَّـهُ رَبّي وَلا أُشرِكُ بِرَبّي أَحَدًا)، فجاء عقاب الله تعالى بإهلاك المزرعتين (الجنتين)، فندم بعد ذلك على عدم استجابته لدعوة صاحبه المؤمن وأدرك أنه لا يملك شيئا من أمر الله.
فعل الإنسان أن لا يغتر بما يملك من مال أو سلطان أو قوة، أو ولد وعليه دائما أن يرجع الفضل إلى الله تعالى، والواجب على المؤمن في مثل تلك المواقف أن يكون ثابتًا على دينه، عالمًا أنّ الذي خلقه الله، وأنّ مصيره إليه، فلا ينخدع بالمظهرية الجوفاء، ويقوم بحق النعمة التي بين يديه بالشكر وصالح الأعمال من إحسان وصدقة.
قصة آدم وإبليس
حينما خلق الله تعالى سيدنا آدم -عليه السلام- بدأت نار الحسد تحرق إبليس وعندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم سجود تشريف لا عبادة، تكبر إبليس وأبى فكان عقابه أن أخرج من الجنة، فكان العداء الأبدي بين آدم وذريته وإبليس وجنده.
إذ قال الله تعالى: (وَإِذ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِياءَ مِن دوني وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلًا*ما أَشهَدتُهُم خَلقَ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلا خَلقَ أَنفُسِهِم وَما كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلّينَ عَضُدًا).
وحذّر الله تعالى بني آدم من اتّباع أوامر الشيطان وسلوك طريقه وهو الذي تكبّر ورفض أمر الله له بالسجود لآدم -عليه السلام- تشريفًا وتكريمًا له، ثم أوضح جل وعلا الله قدرته وحده في خلق السماوات والأرض.
قصة موسى مع الخضر عليهما السلام
من أروع القصص قصة سيدنا موسى -عليه السلام- مع سيدنا الخضر -عليه السلام- وقد ورد في السنة الشريفة ما يذكر القصة تفصيلا فعن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ .
فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:
« قَامَ مُوسَى النَّبِىُّ خَطِيبًا فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ (وفي رواية أخرى للبخاري: ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ، وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ وَلَّى، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَىْ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِى الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لا).
(وفي رواية مسلم: بَيْنَمَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِى قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَّامُ اللَّهِ: نَعْمَاؤُهُ وَبَلاَؤُهُ ) ، فَسُئِلَ: أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟
فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ.
فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ .
قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ؟
فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِى مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهْوَ ثَمَّ (وفي رواية أخرى للبخاري: خُذْ نُونًا مَيِّتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِى مِكْتَلٍ ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لاَ أُكَلِّفُكَ إِلاَّ أَنْ تُخْبِرَنِى بِحَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ ، قَالَ: مَا كَلَّفْتَ كَثِيرًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ) يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ).
(وفي رواية مسلم: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ).
فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِى مِكْتَلٍ ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا ، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَبًا ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا.
(وفي رواية البخاري الأخرى: فَبَيْنَمَا هُوَ فِى ظِلِّ صَخْرَةٍ فِى مَكَانٍ ثَرْيَانَ ، إِذْ تَضَرَّبَ الْحُوتُ ، وَمُوسَى نَائِمٌ ، فَقَالَ فَتَاهُ لاَ أُوقِظُهُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ نَسِىَ أَنْ يُخْبِرَهُ ، وَتَضَرَّبَ الْحُوتُ ، حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ حَتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِى حَجَرٍ).
فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا ، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أُمِرَ بِهِ .
فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ(وفي رواية مسلم: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا).
قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ، (وفي رواية مسلم: فَأَرَاهُ مَكَانَ الْحُوتِ قَالَ: هَا هُنَا وُصِفَ لِى ، قَالَ: فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ مُسَجًّى ثَوْبًا مُسْتَلْقِيًا) فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ – أَوْ قَالَ: تَسَجَّى بِثَوْبِهِ – (في رواية البخاري الأخرى: فَوَجَدَا خَضِرًا عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كَبِدِ الْبَحْرِ – قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ – مُسَجًّى بِثَوْبِهِ قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ ، وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ) فَسَلَّمَ مُوسَى .
فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ.
فَقَالَ: أَنَا مُوسَى .
فَقَالَ: مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ؟
قَالَ: نَعَمْ .
قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا؟
(في رواية البخاري الأخرى: قَالَ أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ ، وَأَنَّ الْوَحْىَ يَأْتِيكَ).
قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ، يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ .
(وفي رواية مسلم: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ، شَىْءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَنْ أَفْعَلَهُ إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ).
قَالَ: سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا.
(في رواية مسلم: قَالَ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْأَلْنِى عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا).
فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِى الْبَحْرِ .
فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى ! مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِى الْبَحْرِ ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ .
(وفي رواية البخاري الأخرى: حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى أَهْلِ هَذَا السَّاحِلِ الآخَرِ عَرَفُوهُ ، فَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ لاَ نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ ، فَخَرَقَهَا وَوَتَدَ فِيهَا وَتِدًا ).
فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا.
قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا.
قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ ، فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا .
فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ .
(في رواية مسلم: فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَعْرَةً مُنْكَرَةً).
فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ.
قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا؟ – قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَوْكَدُ – .
(في رواية مسلم: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ: « رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى لَوْلاَ أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ.
قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّى عُذْرًا ، وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ).
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ .
قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ .
فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا .
(في رواية مسلم: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِى الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا).
قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ » .
(في رواية مسلم: قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ. قَالَ: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِى يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ ، وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ).
قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – : « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ».
(رواه البخاري: 122 ، 4449 ،مسلم: 6315، والترمذي: 3149 ).
والخلاصة أن موسى -عليه السلام علم أن هناك رجلًا من عباد الله في مجمع البحرين آتاه الله من العلم فأراد لقاءه، فوفقه الله لمراده، وأمره أن يأخذ معه حوتًا ومتى ما فقده وجد الرجل وهو سيدنا الخضر -عليه السلام-.
انطلق موسى ويوشع بن نون- عليهما السلام، ولقي موسى -عليه السلام- الخضر فطلب منه أن يصحبه ليتعلم منه، فرد عليه الخضر بأنه لن يكون صبورا على ما سيعاينه في حال صحبته، وعلق موسى -عليه السلام- صبره على مشيئة الله تعالى.
واشترط الخضر على موسى ألّا يسأله عن شيءٍ حتى يفسره هو من تلقاء نفسه، فلما انطلقا أحدث الخضر -عليه السلام- ثقبا في السفينة التي ركبوها، فاعترض موسى -عليه السلام- على فعله، وحين وصلا إلى الساحل قتل الخضر -عليه السلام- غلامًا، فاستغرب موسى الأمر واستنكره، فذكّره الخضر -عليه السلام- بأنّه أخبره من البداية بأنّه لن يصبر على ما سيحدث، فوعده موسى -عليه السلام- بأن يلتزم بالشرط، وبعد ذلك وصلا إلى قريةٍ وطلبا من أهلها الطعام فرفضوا، ووجدا في القرية جدارًا سينهار فأصلحه الخضر -عليه السلام-، فأخبره موسى -عليه السلام- أنه من الواجب تلقي مقابل على هذا العمل وشراء الطعام، فكان هذا التدخل هو نهاية اللقاء.
وقبل الفراق أخبره الخضر -عليه السلام- بالغاية من وراء كل فعل أقدم عليه، ولو كان ظاهره مخالفا فإن خلفه حكمة، فخرق السفينة لأنّها ملك لمساكين وهي وسيلة رزقهم، وكان هناك ملك ظالم يستولي على جميع السفن الجديدة التي لاعيب فيها وبهذا الفعل ستسلم من الحجز والاستيلاء عليها، أما الغلام فقتله حتى لا يعذب والداه، لأنه سيكون كافرًا لو كبر وأبواه مؤمنين فسيعذبهما بكفره، والجدار الذي رممه فهو ليتيمين مازالا صغيرين وتحته كنز مدفون، فأقامه ليخفي الكنز لحين يكبرا ويستخرجاه للانتفاع به، وأخبر الخضر -عليه السلام موسى -عليه السلام- أنّ كل ما صدر منه من أفعال كان بأمر من الله تعالى وليس من تلقاء نفسه.
قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج
قصة ذي القرنين هي القصة الخامسة من القصص الواردة في سورة الكهف، وذو القرنين ملك مكنه الله تعالى في الأرض، وكان ذا سلطان وقوة، وصل ملكه إلى موضع غروب الشمس ورآها بأُم عينه، ولم يكن بينه وبين الشمس إلا الماء، ووجد عندها قوما كافرين، فخيّره الله بين تعذيبهم والإحسان إليهم، فقال: (قُلنا يا ذَا القَرنَينِ إِمّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمّا أَن تَتَّخِذَ فيهِم حُسنًا).
فجعلهم ذو القرنين زمرتين، زمرة الكافرين منهم فينالون عقوبته في الدنيا والآخرة، وزمرة المؤمنين منهم فيحسن إليهم ويكرمهم في الدنيا ويمون لهم الثواب في الآخرة، ثمّ أراد ذو القرنين العودة إلى موضع شروق الشمس، فوجد هناك قوما لم يكن بينهم وبين الشمس حائل.
ثم سار شمالا فوجد سدين قد أُقيما بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ووجد من دون السدين قوما لا يفهمون قوله، ومع ذلك فقد منحه الله القدرة على أن يفهم ما يتكلمون به، فاشتكوا إليه من فساد يأجوج ومأجوج، وطلبوا منه أن يُقيم حاجزا بينهم على أن يعينوه ويدفعوا له الأجر، فأقام لهم سدًّا منيعا ولم يأخذ أجرا، وبعدها شكر الله على فضله وعطاياه التي لا نفاذ لها.