المحسوبية جريمة لا تجد من يحاربها

المحسوبية جريمة لا تجد من يحاربها

غير موجود، انتهى الوقت المحدد، ممنوع، القائمة مغلقة، لم تنجج في اجتياز إختبار الحصول على الوظيفة، المصب غير شاغر، كل هذه العبارات وغيرها من الجمل التي لها تفضي لمعنى واحد ” اذهب من هنا لا شيء لك عندنا”، وهو شعار المصالح الحكومية وحتى الخاصة، ليجد المواطن نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما إما الاستسلام ولو بتضييع حق أو اللجوء إلى المحسوبية.

تعريف المحسوبية

المحسوبية أو الوساطة والمحاباة هي تفضيل شخص على آخر وخصة بخدمة أو إمتيازات خاصة من باب القرابة أو تبادل مصالح شخصية ومنافع مادية ومعنوية دون الإهتمام بالمؤهلات والكفاءة.

فمن يشغل منصبا أو تكون له سلطة تخوله للتعيين أو تقديم خدمات يجعلها حكرا على خاصته من أفراد العائلة، أو من تربطه بهم علاقات ودية أو نفعية ولو لم يكونوا من مستحقيها.

انتشار المحسوبية في العالم

في كل بلدان العالم تجد المحسوبية مكانا لها وحتى في الدول المتقدمة، سواء بإعلان ذلك أو بنية مبيتة، لكنها تختلف من مجتمع لآخر وحسب درجة الإلتزام والوعي أوشراسة القانون.

هناك نسبة كبيرة ترفض مبدأ المحسوبية من خلفية دينية لأن الإسلام يحرم مثل هذه المعاملات لما لهذه الشفاعة من هضم حقوق و ظلم للغير وتفويت للمصالح بالغش والتدليس.

إلا أن استشراء ظاهرة المحسوبية وكثرة المظالم جعلت البعض لا يجد خيارا عندما توصد الأبواب في وجوههم خصوصا أمام القرارات المصيرية، والأمر من ذلك هو عدم التمكن من محاسبة المفسدين ولا ردعهم وكأنهم يملكون الحصانة خاصة في الدول التي تعرف انتشار الفساد في هياكلها الحكومية وإداراتها رغم أن أهم مواد دساتيرها تؤكد أن الإسلام دين الدولة.

وبالمقابل فالدول الغربية ولغياب الوازع الديني بها عمدت لوضع قوانين فيديرالية تحظر على موظفي الحكومة توظيف أحد أفراد عائلاتهم ولكنه مسموح ولا يعد مخالفة قانونية في القطاع الخاص مثل الولايات المتحدة الأمركية وبريطانيا حيث يواجه الموظفون الذين يمنحون أقاربهم ترقيات وعلاوات على حساب بقية الموظفين دعاوى قضائية بتهمة التمييز في العمل.

المبادئ أقوى من القانون الوضعي

يتخلى المرء عن مبادئه ولا يخشى الله وهمه الوحيد المصلحة الشخصية والماديات ولا يعترف إلا بمصداقية المحسوبية التي صارت الختم الرسمي لجميع التعاملات الإدارية والوظيفية وحتى التعليمية، وبالمقابل تهمش الكفاءات وتضعّف القدرات وتضيع الحقوق، ليجد الانسان النزيه نفسه في تيه وهو يبحث عن المعايير المناسبة ليتمكن من العيش في وطنه مثل أي مواطن شريف من غير إذلال أو تزلف.

من المفروض أن الدول الإسلامية توفر كل سبل العيش الكريم للإنسان، فحقه لمكفول شرعا بكتاب مقدس وقانونا بدستور وضعي دونما حاجة إلى محسوبية أو شفاعة، لكن ذلك يتراجع أمام غياب الوازع وتحويل الغش والتزوير إللى أنظمة مقننة، تسقط حدود الله وتظلم خلقه المستضعفين.

غدت “المحسوبية” اليوم الآمر الناهي من باب الحراسة إلى كرسي الرئاسة، والنتيجة واقع معيش مزر في ظل منظومة فاسدة متهالكة يتولى مناصبها الهامة من ليس أهلا لها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة».

error: المحتوى محمي !!