المصطلح التربوي

المصطلح التربوي

مفاهيم ومصطلحات أولية

انطلاقا من هذا المبدأ وهو  أن من أهم الطرق المؤدية إلى العلم معرفة اصطلاحات أهله، و أن المصطلح  هو اللبنة الأولى في تحصيل العلم وفي اكتساب المعرفة.

ما يعني  بصريح العبارة  أن المصطلحات لاسيما تلك المصطلحات التي تنتمي إلى العلوم الإنسانية  أو إلى العلوم  الحقة، هي أداة مهمة وعنصرا أساسيا للدخول إلى المعرفة، من أجل اكتساب  وتحصيل الحقائق العلمية ،إذ يتعذر الولوج إلى العلوم بدون التمكن أو بدون  المعرفة بمصطلحات تلك العلوم،ولان قوة العلم  وحضوره واستمرارية  تحدده في لغته المفاهيمية والمصطلحية .

ومن ثم فان تحديد المفاهيم والمصطلحات يعد خيارا  منهجيا ،واحد  مستلزمات البحث العلمي ،باعتبار أن لكل علم لغته الخاصة به ،وله مصطلحاته الكاشفة له، و أن تحديد المفاهيم هو بوابة العلم ،وهو من احد مداخل  المعرفة، وهو السبيل إلى تحصيل تلك المعرفة و اكتسابها .

فلا سبيل إلى معرفة حقائق الأشياء المحمولة في علومها إلا بالأخذ بمفاهيمها وبلغتها المصطلحية.

المصطلح في علوم التربية

انطلاقا من أن الوضوح والبيان من شانه أن يخلق اكبر مساحة واسعة من الفهم الواسع، ومن التواصل المشترك بين الباحثين والمتدخلين في التربية،و ييسر لهم  التفاهم   والتقاسم  في  أهم القضايا والإشكالات المتعلقة التربية وبعلومها.

ولعل هذا البعد المعرفي والابستمولوجي المحمول في المصطلح ،وهذه الأهمية التي نالها المصطلح في علوم التربية هي التي  دفعت بالأستاذ احمد اوزي [1]إلى القول والتصريح  بأنه:”لا تستقيم علوم التربية ولا تغدو معارفها واضحة لذا متلقيها بدون وضوح مصلحاتها ومفاهيمها …”.[2]

ومما يزيد من أهمية تحديد المفاهيم في علوم التربية هو انتماء تلك المصطلحات  وارتباط مرجعياتها و  مفاهيمها   بالعلوم الإنسانية. علما أن هذا الحقل المعرفي المحدد في علوم التربية ظل لأمد بعيد يعيش تحت أحضان ووصاية العلوم الإنسانية.

  فالناظر في مسار العلوم الإنسانية وفي بحوثها ورغم تمايز هذه العلوم بموضوعها وبمناهجها وبلغتها المصطلحية ، يلاحظ  بان هذه العلوم قاربت  واستحضرت عددا من القضايا  ذات الصلة المباشرة بالتربية ، لا سيما ما تعلق بالبحوث والدراسات المنتمية إلى علم النفس التربوي ،وعلم الاجتماع التربوي  ….

اذ إن العلوم الإنسانية راكمت كثيرا من البحوث والدراسات الإجرائية والتطبيقية التي تتصل بقضايا التربية والتعليم ، بحيث أصبح حقل التربية والتعليم  حقلا جامعا   للمقاربات المتعددة  و للتخصصات العلمية المتنوعة.

 هذا المعطى  المشار إليه هو الذي يفسر لنا على أن كثيرا من المفاهيم  المستعملة و المتداولة  في علوم  التربية  عادة ما يكتنفها الالتباس ويعترضها الخفاء أحيانا  ،لأنها عبارة عن مفاهيم عابرة ومهاجرة  من تخصصاتها الأصلية  التي نشأت وتأسست  فيها وهي العلوم الإنسانية ، وانتقلت   إلى تخصصات اخرى وهي علوم التربية في إطار تقارب المعارف وتبادل الأدوار بين العلوم والمعارف.

ما يعني  أن عددا من المصطلحات و المفاهيم التربوية رحلت وهجرت  مجالها المعرفي الأصلي  التي نشأت وتأصلت فيه  وهي العلوم  الإنسانية   لتنتقل وتعبر  وتستقر في مجال غير مجالها واعني  علوم التربية.

يعني هذا الإشكال المعرفي للباحث والمتابع  والمشتغل على الظاهرة التربوية في جميع أبعادها ومستوياتها، هو أن يكون متابعا ومنفتحا على أهم  العلوم المتداخلة مع التربية والفاعلة في جميع مجالاتها ومكوناتها وفضاءاتها. 

فالإشكال المفاهيمي في علوم التربية مرده إلى الامتداد التاريخي الطويل الذي مرت منه علوم التربية من جهة ، و تداخلها مع عدد كبير من العلوم التي ساهمت في تشكل هذا العلم  الجديد المسمى بعلوم التربية من جهة أخرى.

وهذا  الانتقال والعبور للعلوم الإنسانية إلى مباحث التربية هو ما أكده الدكتور   محمد جسوس*[3] عندما قال :” لا توجد علوم تربوية،و إنما توجد علوم إنسانية تشتغل على المجالات والقضايا  التي لها صلة وقرابة بمجال  التربية.

المرجع في المفاهيم والمصطلحات التربوية

يتحدد المصطلح في كونه  اللفظ”أو الرمز اللغوي الذي يستخدم للدلالة على المفهوم علمي أو عملي أو فني أو أي عمل ذي طبيعة خاصة…”.[4]

وبعبارة أكثر دقة المصطلح هو كلمة أو مجموع كلمات تتجاوز دلالتها المعجمية واللفظية التي حملتها في اللغة ، لتأخذ مفهوما  مغايرا وخاصا تبعا للحقل المعرفي التي اختارت التواجد فيه.[5]

 من أهم المعاجم المؤلفة في علوم التربية والتي قاربت المفاهيم التربوية الأكثر تداولا واستعمالا:

-1-المعجم الموسوعي لعلوم التربية. من تأليف  الدكتور  أحمد أوزي تاريخ النشر:2006
وهو من إصدار مجلة علوم التربية طبع بمطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.

قال في المقدمة:” إن هدفنا من هذا الكتاب هو الاستجابة  لحظة أنية للباحثين والطلبة الراغبين في طلب العلوم ،وهذا المعجم تتمحور مفاهيمه حول أهم المفاهيم المتداولة الشائعة في علوم التربية وما يرتبط بها  من أدوات ومناهج علمية بحثية”.[6].

فهو معجم  يسعى إلى تحقيق القدر الكافي من الفهم المشترك  واللغة الخاصة في مجال علوم التربية لان المفاهيم الحاضرة فيه أكثرها متداول في علوم التربية…”. [7].

استنتاج

إن المدخل المفهومي في أي تخصص علمي أو معرفي يعد مدخلا مهما ومقدمة أساسية  للولوج إلى ضبط المفاهيم المستعملة والمتداولة في ذلك التخصص ،لان مفاتيح العلوم ومقدماتها هي مصطلحاتها  ومفاهيمها . 

وهو  ما يؤكد  بأن البحث في  المصطلح عامة والاشتغال على المصطلح التربوي بشكل خاص يشكل أداة للدخول والولوج إلى معرفة الحقائق التي تنتمي إلى مجال علوم التربية.

ومما يزيد من أهمية المصطلح التربوي للباحث في لتربية هو ترسخ القناعة بتداخل تقارب العلوم الإنسانية مع علوم التربية.

 فالتأثير المباشر والكبير الذي تمارسه العلوم الإنسانية على الممارسات التربوية  يشكل مسلمة لا ينبغي إنكارها أو تجاهلها.

فعلم النفس التربوي  يحسد مدى التأثير المتبادل بين التخصصين  ،فهو يحضر بقوة وبتأثير فاعل ووازن في علوم التربية في الفترة المعاصرة.

وهو  ما يجعل المقاربة المصطلحية للمفاهيم التربوية والبيداغوجية ضرورة منهجية  خاصة للمشتغل والممارس والباحث في علوم التربية بصفة عامة.


المراجع:

[1] –باحث وخبير تربوي مغربي من هيئة التدريس بكلية علوم التربية   بالرباط-المغرب-.له عدة دراسات  وبحوث تدور في مجملها على  قضائيا التربية والتعليم.يدير مجلة علوم التربية .وهي محلة فصلية تصدر في المغرب  بانتظام. بحيث صدر منها أزيد من سبعين عددا.من إصداراته الأخيرة،:- المعجم الموسوعي لعلوم التربية – وهو من إصدارات مجلة علوم التربية السنة:2015.

[2] -المعجم الموسوعي الجديد  لعلوم التربية  لأحمد اوزي:5.

[3] -باحث مغربي معاصر  يبحث في السسيولوجيا له مؤلفات عديد في قضايا التربية والتعليم منها :المسالة التربوية في المغرب.

[4] -دراسات في علم المصطلح العربي لعبد الصبور شاهين:-4-مجلة القافلة مجلد:32العدد:-1-السنة 1983.

[5] -مدخل إلى  فلسفة العلوم لمحمد عابد الجابري:1/88.

[6] – المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية لأحمد ازوي:6.منشورات مجلة علوم التربية: 2006.

[7]-مدخل إلى  فلسفة العلوم لمحمد عابد الجابري:1/88.

476 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *