نسعى من خلال هذا المقال محاولة الفهم هذا تلمس شأن بيداغوجي الذي شغل المهتمين في ميدان التربية والتكوين بالمجتمع المغربي، إنه الجدل القائم بين المقاربة بالكفايات وبيداغوجية الأهداف، وأيهما أنجع لبناء مدرسة الجودة والارتقاء.
عرف المجتمع المغربي مند أواخر الخمسينات عدة إصلاحات تربوية همت بالخصوص المناهج والطرائق البيداغوجية حيث تم الانتقال تدريجيا من الأنماط التقليدية إلى المقاربة بالكفايات مرورا بمقاربات أخرى تستمد مشروعيتها من علوم التربية وغيرها من الحقول المعرفية الأخرى. وقد شكل صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين مرحلة متقدمة في مسار الإصلاح التربوي، حيث شكل إجماع وطني حول تجديد المنظومة التربوية، وحدد التوجهات الفلسفية والأسس الثابتة لنظام التربية والتكوين، الذي يجب أن ينهض بالأفراد والمجتمع، والرقي بالبلاد إلى مستوى امتلاك ناصية العلم والتكنولوجية المتقدمة في زمن سمته الانفتاح على العالم.
المقاربات الجديدة التي اعتمدها المغرب في المنظومة التعليمية
يعرف محمد الدريج بيداغوجيا الأهداف كسلوك مرغوب فيه يتحقق لدى المتعلم نتيجة النشاط يزاوله كل من المدرس والمتعلمين وهو سلوك قابل للملاحظة وقياس وتقويم، اذن ان الهدف البيداغوجي يلعب دور كبيرا في تحديد السلوك الإنساني وتطويره، وذلك بالانتقال من التعديل العفوي الى المنظم من خلال تحديد المحتويات والطرائق والوسائل والتقنيات البيداغوجية وضبط النتائج وتقويمها.
المرتكزات الأساسية لبيداغوجيا الأهداف :
يمكن اعتبار رالف تايلور هو أول من وضع اللبنات الأولى لمقاربة الأهداف منذ 1934 وقد ارتكزت على الفلسفة البرجماتية, وهي فلسفة نفعية وعملية وأداتيه /المعرفة كأداة لتحقيق غايات نافعة/ /وتجريبية قيمة التجربة في اكتساب المعرفة/ والتطور الصناعي الذي عرفته كل من الولايات المتحدة الامريكية و أوربا, سميت هذه مرحلة العقلانية الكلاسيكية, وقد تجلت بالخصوص مع تيلور الذي دعا الى تجزيء عملية الإنتاج الى مهام صغرى وفق مبداي الفعالية والإنتاجية, وانتقل هذا المبدأ الى المؤسسة المدرسية واعتمدت بيداغوجيا الأهداف على النظرية السلوكية في التعليم, والتي ارتكزت على المظاهر الخارجية للسلوك المتعلم القابلة للقياس والملاحظة والضبط والاهتمام بالسلوكيات الإجرائية والجزئية.
المبادئ الأساسية لبيداغوجيا الأهداف:
العقلنة: هي التجاوز العفوية والارتجال الى تبني مقتضيات العقل والمنطق وذلك بانطلاق من مقدمات معينة للوصول الى نتائج معينة مع تركيز على ضبط الفكري في كل مرحلة من مراحل الإنجاز.
الأجرأة: فهي تفكك العمل الى عناصر صغيرة تحديدا اجرائيا أي تحديد المفاهيم والمهام المقصودة الشروط والظروف التي سيتم فيها الفعل معايير التقويم وإصدار الاحكام.
البرمجة: تنظيم العمل الإنجاز وفق تصور منطقي يقود الى الهدف.
أنواع الأهداف ومستوياتها:
الغايات: مضمونها يعبر عن فلسفة التربية وتوجهات السياسية التعلمية ومصدرها الأحزاب السياسية وتصاغ على شكل مبادئ وقيم عليا ورغبات وتطلعات وهي تعكس السياسة التربوية بصفة عامة.
المرامي: تعبر عن نوايا المؤسسة التربوية ونظامها التعليمي، وتصاغ على شكل اهداف والبرامج مضمونها أنماط شخصية المتعلم العقلية والوجدانية والمهارية، مصدرها المدرسون، وصيغتها عبارة عن قدرات ومهارات وتغيرات نريد احداثها واكتسابها لدى المتعلم وهي تعبر عن البرامج التعلمية والتربوية.
الهدف الخاص: يعبر عن محتوى الدرس ومصدره وهو المدرس يصاغ على شكل أفعال وانشطة يقوم بها المتعلم.
بيداغوجيا الأهداف تقتصر فقط على الاهداف الواضحة والقابلة للملاحظة والقياس والاقتصار فقط على ما يهم السلوك المتعلم.
الصياغة الاجرائية للهدف البيداغوجي:
هناك اختلاف في تحديد أسس وشكل الصياغة الإجرائية للهدف البيداغوجي حيث هناك اتجاه يركز على القدرة بها يصير الإنجاز ممكن، وهناك اتجاه اخر يعتمد على السلوك كأداء الخارجي قابل للملاحظة.
سلبيات بيداغوجيا الأهداف:
- التركيز فقط على الأهداف المعرفية والنجاح في الأداء ليس مرادفا للفهم.
- التركيز البيداغوجية الأهداف على المقاربة السلوكية تجعل منها تنحو نحو الجمود في العملية التعلمية.
- التعليم المعتمد على هذه البيداغوجيا بعين اعتبار المتعلم وحاجياته ومطالبه وتهمش كفاءات المدرس وتحد من حريته ومبادرته.
- الافراط في الأجرأة أي افقاد العملية التعليمية لأهدافها البعيدة.
- تغيب منطق المواد الدراسية وبعدها الابستمولوجي مثل مادة الاجتماعيات لابد من استحضار أهمية التاريخ والجغرافيا في تكوين الفكري والمعرفي للمتعلم والمقومات الأبستمولوجيا والديداكتيكية.
- تتعامل مع المتعلمين كمجموعة المتجانسة وتقدم تعليم جماعي بدون تنوع.
خلاصة القول ان بيداغوجيا الأهداف جعلت المتعلم عنصر سلبيا في المدرسة والمحيط الاجتماعي.
وبهذا سينتقل المغرب على اعتماد على مقاربة جديدة وهي بيداغوجيا الكفايات من خلال اصداره الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
اذن لابد من الوقوف أولا عند المصطلح الكفاية وان نقدم تعريف له والكفاية هي القدرة الشخص على تعبئة مجموعة مندمجة من المواد بهدف حل الوضعية مشكلة تنتمي الى فئة من الوضعيات.
لقد اعتمدت لجنة الاختيارات والتوجهات التربوية العامة الناظمة للتعليم والتعلم ثلاثة ابعاد للتدخل البيداغوجي، وذلك من اجل البناء وتجديد المنهاج التعليمي للمدرسة المغربية هناك بعد التربية على القيم وغاياتها وبعد التربية على الاختيار أي قدرة على اتخاذ القرار المتسم بالوعي والتصرف السليم وبعد المقاربة العمل بالكفايات.
مبررات اعتماد المقاربة بالكفايات لمواجهة المناهج الدراسية:
- ارجاع الهوية للمواد الدراسية باستحضار خصوصياتها الأبستمولوجيا.
- جعل المتعلم محور العملية التعلمية والتركيز على إنجازه القابل للملاحظة.
- التركيز على الخطوات المنهجية بدل الأهداف الجزئية المنعزلة.
- ربط المتعلم بمحيطه عبر احكام الصلة بين المعارف المدرسية والممارسات الاجتماعية والانفتاح على المحيط.
- اعتبار مفهوم الاستقلالية أحد المفاهيم المهيكلة لمدخل الكفايات من خلال دفع المتعلم باستمرار الى تفعيل مكتسباته موارد الداخلية والخارجية في حل المشكلات وتدبير الوضعيات واتخاذ قرارات.
أنواع الكفايات:
الكفايات النوعية: وهي مرتبطة بمادة دراسية معينة او مجال التربوي او مهني معين.
الكفايات المستعرضة او الممتدة: وهي الكفاية العامة لا ترتبط بمجال محدد او مادة دراسية معينة وانما يمتد توظيفها في مجالات عدة او مواد مختلفة.
اذن تتميز الكفايات النوعية على مستوى اجرأة وتنزيل بالمنهاج الدراسي بمبدأ التدرج في تنمية الكفايات والقدرات عبر المراحل التعليمية مع اعتماد مبدا التراكم القائم على دمج الكفايات المرحلة السابقة في اللاحقة.
الكفايات المهنية للمدرس: ان تكون المعرفية والتواصلية التكنولوجيا وايضا يكون مطلعا على المرجعيات النظرية، كعلم النفس الفارقي ونظرية الذكاءات المتعددة ونظريات علوم التربية كالبنائية معرفية وسوسيوبنائية، وان يكون ملما بالمرجعيات البيداغوجية المعتمدة في التدريس والديداكتيك العام انطلاقا من التخطيط والتدبير والتقويم والديداكتيك الخاصة بمادة مدرسة إضافة الى ان يكون المدرس يعرف اخلاق مهنة التعليم.
إن هذا الوضع الإشكالي الذي نعيشه اليوم بين بيداغوجية الأهداف والكفايات، يذكرنا بجدلية قديمة عرفها تدريس الفلسفة بين البيداغوجية الكانطية والهيغلية. حيث دافع كانط عن تعليم التفلسف دون التركيز على الكم المحمل بالمعلومات التاريخية، في حين رأى هيغل أنه يستحيل التفلسف بدون الإلمام بتاريخ الفلسفة.وإذا ما نظرنا إلى واقعنا الاجتماعي وواقع المتعلمين اليوم خاصة في الجانب المعرفي، قد نقول إن التدريس بالأهداف أنجع في مقابل اعتماد الكفايات، فالأولى تعتمد على المحتوى والكم كمسعى لها، أما الثانية فتركز على القدرات والمهارات والكفايات التي ينبغي أن يكتسبها المتعلم. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن للمتعلم اكتساب المهارات والكفايات دون استيعاب الإرث المعرفي وامتلاكه؟ فالأجيال السابقة كانت متمكنة من المحتوى المعرفي واللغوي)حقبة الأهداف)، أما جيل ما بعد تبنى الكفايات فغالبا ما يعاني من نقص معرفي حاد وكذا ضعف التملك اللغوي.
إن بيداغوجية الكفايات بعدما أهملت أهمية الحفظ التي تعطي للمتعلم زاد معرفي مهم يمتح منه متى شاء، أنتجت لنا تلاميذ يعرفون عن الفرق الاسبانية أكثر مما يعرفون عن ذواتهم ومقرراتهم الدراسية، ولعل الممارسين لمهنة التدريس يلمسون هذا الأمر مباشرة داخل الفصول الدراسية. وحتى لا نلقي باللوم على المقاربة بالكفايات في فشل المنظومة التربوية، نقر بأن هذه المقاربة ستعطي أكلها ونجاعتها لو توفرت الشروط الموضوعية لذلك، من قبيل التخلص من الاكتظاظ وتوفير التكوين المستمر للمدرسين كي يستوعبوا بشكل جيد مدلول الكفايات. وفي الأخير نؤكد أن هذه المحاولة ماهي إلا مساهمة بسيطة في بناء الخطاب البيداغوجي المغربي، الذي يجب أن يكون مواكبا لخطاب الإصلاح في مجال التربية والتكوين ومواكبا للتقدم التكنولوجي وللتحولات الاجتماعية والثقافية الحاصلة.
المراجع
د. عز الدين الخطابي، مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب: حوار الفلسفة والبيداغوجيا، منشورات عالم التربية، الطبعة الأولى 2002. إدريس المخلوفي، الكفايات في المنظومة التربوية بالمغرب: أسسها وحدزد نجاحها، مجلة علوم التربية العدد التاسع والستون شتنبر 2017.