تجربة رقمنة الدراسة عن بعد وأزمة كورونا

تجربة رقمنة الدراسة عن بعد وأزمة كورونا

تقديم

تم تعليق الدراسة بشكل فجائي أثناء العام الدراسي الفارط كل أنحاء العالم، لتجنيب التلاميذ والطلاب وكذا الجماعة التربوية خطر الوباء القاتل كورونا، حيث أغلقت المدارس والجامعات إلى إشعار آخر على أمل فتحها مجددا فور انتهاء الأزمة، ولكن الوضع ازداد سوءا وفيروس كوفيد-19 صار أكثر، انتشارا لذلك تم إيجاد خطة بديلة تتضمن جملة من التدابير العملية لحل مشكل انقطاع المتمدرسين عن التعليم، وبعدها أعيد فتح المؤسسات التربوية مجددا للسنة الدراسية 2020/ 2021 م  وبتدابير وقائية مكثفة وإجراءات صارمة، لكن سلالات جديدة من فيروس كورونا ظهرت وقرار تعليق الدراسة للسنوات القادمة أضحى واردا، لذا فاحتمالية اللجوء إلى الاستعانة بوسائل وأدوات التعليم عن بعد قائمة.

التعليم عن بعد في زمن كورونا

توقفت السنة الدراسية 2019/ 2020م عند نهاية الفصل الثاني، ولإكمال الدروس المتبقية للفصل الثالث وإنهاء البرامج التعليمية وتفادي شبح السنة البيضاء صار لزاما إيجاد بديل للدوام المدرسي، فكان التعليم عن بعد خيارا حتميا لمزاولة الدراسة.

كان أمام الأنظمة التعليمية تحد كبير للتغلب على أزمة توقيف الدراسة، وما تلحقها من تبعات سلبية يجب معالجتها وأولها سد الفجوة بين انقطاع الاهتمام بالدراسة والعودة لمتابعة الدروس.

عجز التعليم الافتراضي عن ضبط التواصل بسهولة بين المعلمين والتلاميذ وأولياء الأمور، إذ أن قرار الانتقال من التعليم بالدوام المدرسي العادي إلى التعليم عن بعد كان سريعا من غير أن تسبقه مقدمات أو فترة تحضيرية، فكيف يمكن لتلميذ يحتاج لرقابة مستمرة وتنبيهات المعلم من أجل متابعة الدرس وهو حاضر داخل القسم أن يهتم بما يتلقاه من مواد تعليمية عبر جهاز رقمي.

ولو أن بعض الدول المتقدمة مثل تركيا ألزمت التلاميذ بتسجيل الحضور أثناء الحصة التي يقدمها المعلمون عبر شبكة الأنترنت، كما أن التطبيقات المنصبة تسمح بخلق تواصل بين المدرس والتلاميذ إذ أنه يلقي الدرس وأمامه شاشة تصور كل التلاميذ وكأنه في قسم افتراضي.

لم تكن عملية التدريس على هذا النحو يسيرة ولكن بمرور الوقت والتجربة تم استدراك عدد كبير من النقائص والتعود على طريقة معينة من شأنها توفير تعليم نموذجي عن بعد.

الأرضية الرقمية للتعليم عن بعد في الدول العربية

بعض الدول لا تملك أرضية رقمية متمكنة من مسايرة المستجدات أو أن ما تحتكم عليه يبقى مجرد مشروع من غير تكنولوجيا رقمية عملية وتطبيقات محوسبة جاهزة لمواكبة البرامج وبلورتها وفق متطلبات الوضع الراهن.

وعدد من الدول العربية مازالت لحد الساعة تفتقد التحضير للتعليم عن بعد لوقت الأزمات، وظل المشروع غائبا عن برامجها حتى اصطدمت بأزمة كورونا.

فمن المفروض أن يكون وضع مخطط مدروس وتطبيقه من أجل دعم التعليم عن بعد من أولويات وزارة التربية والتعليم، فتهمتم بفتح دورات تكوينية من أجل زيادة المهارات الرقمية لدى المعلمين، وتعليم التلاميذ كيفية استغلال مزايا طريقة التعليم الجديدة عبر وسائط التكنولوجيا والإتصال، وكيفية التعامل مع المنصات الرقمية.

والأهم وضع أرضية رقمية مدروسة وذات كفاءة تعليمية وتحديث التطبيقات المثبتة، فالأولياء عادة ما يواجهون صعوبات في الحصول على كشوف نقاط أبنائهم رقميا فكيف بهم مع تجربة التعليم عن بعد.

أما عن غياب الإمكانيات والوسائل التكنولوجية، فهذا عائق أساسي يحول دون إنجاح مبادرة التعليم عن بعد، فنسبة كبيرة من التلاميذ والطلاب وحتى المعلمين لا يملكون حواسيب في منازلهم، وهناك عائلات لديها أكثر من تلميذ واحد في المدرسة.

وبالنسبة للخلل التقني في البنى التحتية للاتصالات وشبكة الإنترنت فيعد هو الآخر معوقا كبيرا أمام نجاح عملية التعليم، وعليه يجب رصد ميزانية معتبرة ومناسبة لإعداد أرضية رقمية فعالة وصيانتها، وتوفير أجهزة كمبيوتر لكل الأطراف الفاعلة في العملية التعليمية، وخاصة للأسر ذات الدخل الضعيف وفي المناطق النائية والقرى حيث تعاني أغلب السكان العوز والفاقة.

وبالنسبة للإستعانة بالقنوات التلفزيونية فقد يفيد ذلك نسبيا، لكن العملية الأكثر نجاحا هي توفير الإمكانيات وفتح منصات رقمية، وتشكيل أقسام افتراضية عملية.

مساهمة فردية للأساتذة تعزز تجربة التعليم عن بعد

يساهم عدد كبير من الأساتذة والمعلمين في الوطن العربي في تعزيز  العملية التعليمية عن بعد بكافة مواردهم وجهدهم سواء من خلال تسجيل الدروس بالصوت والصورة وعرضها على قنوات اليوتيوب مثل قناة الأستاذ الناجح، أو من خلال كتابتها وعرضها في ملخصات، مع إضافة تمارين وحلول مبسطة ونشرها على المدونات مثل موقع الأستاذ بلحوسين للرياضيات أو مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك ومنها صفحة الأستاذة لبنى معنصري لعلوم الطبيعة والحياة، أو من خلال إنشاء مجموعات على الواتساب لتلاميذهم أو مجموعات تطوعية لجميع تلاميذ الوطن، أو من خلال المواقع التعليمية مثل موقع الأساتذة و التلاميذ وهو موقع مميز وشامل فيه دروس بالشرح والتحليل وكذا تمارين لفائدة تلاميذ جميع مستويات المراحل الثلاث، ويواكب كل تطورات القطاع ويعرض مستجدات التعليم في العالم العربي، كما يعمل على دعم التعليم الرقمي والتواصل مع التلاميذ والطلاب من خلال بيئة افتراضية وتطبيقات وملفات يتم تحميلها حتى عن طريق الهواتف الذكية.

كل هؤلاء المعلمين ساهموا بشكل مباشر في رفع مستوى التلاميذ وإعانتهم في فهم الدروس، واستكمال المناهج التعليمية، وهو بحق يستحقون الدعم من قبل الجهات الوصية.

توسيع جهاز الدعم المدرسي عبر شبكة الإنترنت

باستئناف الدراسة عند بداية السنة الدراسية 2020/ 2021 م تم توسيع جهاز الدعم المدرسي عبر شبكة الإنترنت وتفعيله من خلال الأرضيات الرقمية للتعليم والتكوين عن بعد، كما أن عدد من المؤسسات التربوية فتحت أقساما خاصة لتعليم التلاميذ آلية التعامل مع الحاسوب وجدوى التعليم الرقمي، بإعطاء دروس لتعليم مبادئ الاعلام الآلي و ترسيخها بالجانب التطبيقي من خلال توفير الحواسيب والبرامج.

في عصر السرعة الوقت لم يعد يسمح بالمزيد من التماطل أو السياسات الترقيعية التي تعمل على نخر المنظومة التربوية، لذا من الضروري على وزارة التربية والتعليم أن تسارع في اتخاذ الإجراءات اللازمة بإشراك الشريك الاجتماعي واستدعاء الكفاءات بعيدا عن التفرد بالقرارات الارتجالية، فهذا مصير أجيال كاملة وبها يتعلق مصير المجتمع ككل.

372 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *