إن تغيُر موقف الحكومات لن يغير موقف الشعوب، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني مرفوض يأي شكل من الأشكال كان، والتنازلات التي تقدمها الجهات الرسمية وما يعقبها من التزامات لا تلزم أبدا الأمة بقبول الاعتراف بالمحتل الغاصب، والرضا عن تدنيسه لأراض إسلامية طاهرة والاعتداء على مقدساتها.
الصراع لن ينتهي بتوقيع اتفاقيات للسلام وأخرى للتطبيع، فما غرد به دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق عام 2020م يظل مجرد تصريح مغلوط لن يكتمل تحقيقه، أين هو السلام الذي ينشده بقوله :” اختراق ضخم اليوم، اتفاقية سلام تاريخية بين صديقتينا العظيمتين، إسرائيل والإمارات العربية المتحدة”، وأغلبية الإمارتيين يرفضون التطبيع جملة وتفصيلا.
الحكومة الإماراتية أعلنت خروجها عن كل النظم القومية وعدم اكتراثها لثوابت الأمة ووقوفها إلى جانب المحتل علنا، بعد مصر التي أعلنت ولاءها لبني صهيون عام 1979م، والأردن عام 1994م، لتلتحق المغرب بالركب كتحقيق لنبوءة مستشار ترامب للأمن القومي روبرت أوبراين حيث قال:” نعتقد أنه توجد دول أخرى مستعدة لخطوة من هذا النوع”، ولكنه لم يكن توقعا إنما قرار أمريكي تنفذه الحكومات العربية حرفيا.
فبمجرد الإعلان عن اتفاق التطبيع بين المغرب والكيان المحتل، رفض الشارع المغربي هذا القرار، ورأووا فيه تزكية لجيش مجرم عاث في أرض فلسطين فسادا، كما أن هذا الولاء يناقض العقيدة الإسلامية، ولا يمثل المبادئ النضالية للمغاربة وإيمانهم بالقضية الفلسطينية.
أما عن شراء ذمم بعض مدعين الانتماء للنخبة فهي موضة العصر، حيث جاء تبريرهم لهذه الخيانة العظمى أن ولاة الأمور أدرى بمصلحة البلد، وأن قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني قرار الشجاع للتعايش مع تغيرات الحاضر، إنما هو تخاريف من لا ضمير ولا ملة ولا اعتقاد لهم، من يبيعون المبادئ والقيم بأبخس الأثمان وحيثما مالت المصلحة مالوا، وأمثال هؤلاء لن يجدوا لهم مكانا مشرفا في هذا العالم ولا موضعا آمنا يؤويهم في العالم الآخر.
ليس غريبا أن يقف المطبعون وعباد المصالح الشخصية صفا واحدا، مدعيين حب نشر السلام، لعله سلام من النوعية التي تعد في سجون ومعتقلات بني صهيون وأحياء فلسطين العتيقة، و حي الشيخ جراح شاهد حي بوثائق إثبات.
إنه العار الذي سيلحق الحكومات العربية الخائنة التي أثبتت عمالتها للغرب الصهيوصليبي وعرضت خدماتها المادية والمعنوية من أول يوم للاحتلال الفلسطيني مرورا بالأفغان والعراق ومالي غيرها من الدول الإسلامية المضطهدة، والتخفي وراء مواقف السعي قدما لتهدئة الأوضاع بالتحركات السياسية والمساعي الدبلوماسية، وتقديم مساعدات إنسانية وإقامة مخيمات للاجئين للتخفيف من خسائر الحرب التي يدعمونها بكل السبل.
إن تثبيت القدم اليهودية في المغرب بزعم الموروث الثقافي والاجتماعي لليهود لهو طعنة في خاصرة الأمة الإسلامية، فأكذوبة الهوية اليهودية الهجينة تسعى للتحور والتمدد والاستيلاء على الأراضي لتحقيق خرافة “حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل” عن طريق التهجير والإبادة.
لم يعد من العجب إعلان المغرب تطبيعه قدما مع الكيان الصهيوني بعد معرفة أن أندريه أزولاي اليهودي قد عين مستشارا ملكيا لعقود، ليشكل قاعدة سياسية يتغلغل منها إلى داخل مؤسسات الدولة سواء كانت عسكرية، دينية وغيرها، بدعوى التعاون في مجالات العلم والتطور، وقد صدق المتنبي حين قال:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظُنن أن الليث يبتسمُ.
أراضي فلسطين المحتلة تئن تحت وطأة الاحتلال الغاشم، والألم يمتد ويزداد شدة يوما بعد آخر، فإن كان جرح الأمة الإسلامية الدامي بفعل صهيوني صليبي، فإن نزيفه بأيادي أنظمة فاشلة آثمة تواطأت ووقعت شهادة وفاة العزة العربية، ولكن الشعوب الثائرة أبدا لن تموت ما يجمعها أقوى من أن يندثر أو يتغير إنها عقيدة التوحيد التي من شأنها تغيير المعالم وحتى العالم، ومن لديه أدنى شك فليسأل التاريخ.