مقال فلسفي إنطلاقا من قولة فلسفية:
المحتويات
تمهيد:
“ليس الغير مستعصيا عن المعرفة”
الغير ذات إنسانية هي عبارة عن وحدة تجريبية خاصة ومنفردة ومستقلة فهو ليس موضوعا كباقي الموضوعات ،إنه جدار سميك يصعب تجاوزه ،ومعرفته تظل من القضايا التي أثارت جدا لا واسعا في تاريخ الفلسفة، فهي تتأرجح بين الإمكان والإستحالة ،وهذا بالظبط ماتعالجه القولة التي بين أيدينا ،مما يجعلنا نطرح أسئلة إشكالية مهمة نجملها فيما يلي :ما الغير؟وما المعرفة؟هل معرفة الغير ممكنة؟كيف تتم معرفة الغير؟هل بٱعتباره ذات أم موضوع ؟ما هي حدود هذه المعرفة؟
التحليل(الأطروحة،شرح المفاهيم”الغير،المعرفة”حجاج):
تنبني القولة على أطروحة مفادها أن الغير ليس صعب أو مستحيل المعرفة بل إن معرفته ممكنة فهو مجال معرفة واضحة ،فعلى اعتبار أن المعرفة هي فعل الفكر الذي يخترق موضوع معرفته فإن معرفتي بالغير هي معرفة قادرة على اختراق أعماقه فهو الأنا الذي ليس أنا المخالف والمطابق لي إنه بعبارة أخرى أنا آخر مثلي .
(الحجاج)
إن صاحب القولة يؤكد أن معرفة الغير غير مستعصية بمعنى أنها ممكنة ،فالغير ليس شئ من الأشياء ،نظرته ليست بنظرة جامدة ،له حركات التي لها بعد ذاتي ،فالإنسان ليس كالحيوان بل هو مجموع من الإنفعالات التي تعبر عن ذاته، كما أنه ليس موضوع متعالى وبالتالي يمكن التقرب إليه وبهذا التعرف عليه عن طريق التواصل معه ليس باعتباره موضوعا بل كأنا آخر وذلك بإخراجه من عزلته وصمته وانغلاقه حول ذاته كي ينفتح على الآخرين ،لكن هذه المعرفة تبقى محدودة وتقريبية ،حيث لا يمكن الحكم على الآخرين بالرجوع إلى ذواتنا ،فأنا أشعر بالحرارة هذا لايعني أن الآخرين لهم نفس الشعور ،وبالتالي ما يمكن معرفته عن الغير هو الجانب الذي يظهره لنا .
إقرأ أيضا:أهم المفاهيم الفلسفية في مجزوءة الوضع البشريالمناقشة(قيمة الأطروحة+مواقف فلسفية)
يتضح مما سبق أن معرفة الغير ممكنة بالنفاد إلى أعماقه والتواصل معه لكن هل يمكن اعتبار هذا التصور كحل لإشكال معرفة الغير؟في هذا السياق نجد مالبرانش يعتبر أن معرفة الغير هي معرفة تخمينية افتراضية لا تقوم على اليقين مادامت معرضة للخطأ ومرتبطة بالأحاسيس كما أنها تقوم على مماثلة الأنا بالغير عبر ماكونته الذات من معرفة عن نفسها بواسطة الإحساسات وهذا لا يمكن إلا أن يفضي الى معرفة غير يقينية بالغير وهذا راجع في نظر مالبرانش إلى كون إحساسات ومشاعر الأنا لا تمثل إحساسات ومشاعر الغير لكننا نجد نوع من المماثلة بينهما فيما يتعلق بالتفكير لذلك نجده يقول “في تفكيري نوعا من المماثلة بتفكير الغير وذلك لأن العقل هو القاسم المشترك بيننا”لكن الأمر لا يغدو كما هو عليه فيما يتعلق بالإحساس فالأنا تكون مخطئة إذا ماحاولت إسقاط أحاسيسها وعواطفها على الغير فإن هذا سيكون بعيدا عن الصواب ،في خلاف مالبرانش نجد ميرلوبونتي ذهب في كتاب ظاهرتية الإدراك(فينو مينولوجيا الإدراك)إلى نقد تصور سارتر للغير الذي ينفيه ويحوله إلى موضوع مؤكدا على مفهوم (التعاطف مع الغير)ذلك لأن الغير وعي لا أستطيع معرفته إلا إذا اعتبرته مثل ذاتي إنه يحس ويفكر ويتعرق تماما كما أفعل في ظروف مماثلة ولا يحدث هذا إلا من خلال التواصل مع الغير والتعاطف معه، إذن حسب ميرلوبونتي معرفة الغير ممكنة وتستطيع الأنا معرفته بالنفاذ إلى أعماقه والتواصل معه.
إقرأ أيضا:منهجية تكسير البنية أو الحداثة وتجديد الرؤيةتركيب(خاتمة”خلاصة +سؤال مفتوح”).
من خلال ما سبق يتضح أننا إزاء موقفين متعارضين الأول يحيل إلى أن معرفة الغير ممكنة عن طريق التواصل معه وإخراجه من صمته وهو نفس موقف مرلوبونتي في خلاف هذا التصور تبلور تصور آخر يرى أن معرفة الغير هي تخمينية وتقريبية وتبقى مرتبطة بمجال الإدراك الحسي و هذا ماجاء به مالبرانش.و لا زال هذا الموضوع يثير جدالا كبيرا في تاريخ الفلسفة ،والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هناإذا كانت معرفتي بالغير هي معرفة ممكنة،هل يمكنني ربط علاقة معه؟وعلى أي أساس يمكن أن تنبني هذه العلاقة؟
المصدر صفحة الثانية باكلوريا علوم”فلسفة وانجليزية”