مدينة الزهراء.. النابضة بالحياة
من جنوب إسبانيا تطل مدينة الزهراء الفخمة بقصورها الراقية وحدائقها الغناء النابضة بالحياة، بين الينابيع المتدفقة والمياة الجارية التي تم توصيلها من الجبال المجاورة بواسطة أنظمة هيدروليكية متطورة، رغم أن أوروبا آنذاك كانت تعتمد الطرق البدائية في التزود بالمياه إلا أن سكان الزهراء كانوا ينعمون بالرفاه والرخاء وينتفعون بكل أريحية بمجار مائية وقنوات جوفية، وفرت لهم من الماء ما يكفي لتموين المدينة وسقي أراضيها الخضراء الممتدة.
قنوات المياه وشبكات الصرف بمدينة الزهراء
بقايا طرق ومحاجر وقنوات مائية تشير أنه تم تكييف الشبكة المائية بتقنيات عصرية لا تتناسب مع الحضارات القديمة، وتوحي أن تلك الحقبة من المستقبل، لمدينة ملكية راقية تنتشر بها الحدائق في كل الجهات الأربع وتتخللها أحواض المياه الصافية، وأباريق السقي.
في أعالي المدينة تتربع القصور الفخمة مثل بيت الخليفة، منازل الأعيان، مساكن الحراس والغرف الإدارية)، في المنطقة الوسطى المساحات الخضراء بما فيها من حدائق وبساتين، وفي الجانب السفلي شيد المسجد (الجامع الرئيسي) مع بيوت العامة.
تم توصيل كل هذه المرافق والمساكن بقنوات أرضية لنقل المياه العذبة من المرتفعات الجبلية إلى السفوح، حيث حفرت الأرض إلى منسوب المياه وشُقت الطبقات الصخرية للوصول للمياه الجوفية، فكانت المياه العذبة تتوزع على المناطق الثلاث وتصل كل كائن حي، من بشر، حيوانات، ونباتات وأشجار جعلت من هذه الرقعة الجغرافية الفريدة جنة غناء حية زاهية ومزدهية طول فصول السنة.
أما أنابيب التوصيل فكانت تضمن التوزيع وإيصال الماء لمختلف الأماكن لتصب في أحواض صغيرة خزفية أو حجرية دون الحاجة للتنقل.
انصب الاهتمام على البنى التحتية للمدينة فقنوات الصرف الصحي كانت حاضرة أيضا على نطاق واسع، وامتدت لكل أرجاء المدينة، وهي مرتبطة بدور المياه (مراحيض) المجهزة في المساكن ودور العبادة، فالطهارة جزء أساسي وهام في حياة المسلمين.
استلزم الحجم الكبير للقصر الملكي وجود بنية تحتية هيدروليكية متقنة، لكن هذا النظام المعقد والدقيق تهدم تحت الردم ولم يعد له وجود.
اعتمد القصر أيضًا على نظام صرف صحي متطور لأكثر من 1800 متر من القنوات الجوفية التي تتباعد في ارتفاعاتها وتركيبها وأحجامها التي تعمل على ارتفاعات مختلفة وتقدم بنية دقيقة لعناصر متنوعة.
مناظر طبيعية وحدائق حيوانات بنظام بيئي شامل، تتوفر على خنادق مائية تعمل على ري كل ما يحيط بها، كما تستغل في تجميع المياه لاستعمالها وقت الحاجة، فضلا عن تخزينها لمواجهة الندرة وحفظها من الضياع.
كما وجدت غرف ساخنة داخل حمامات مجهزة بكل وسائل الرفاه ولوازم النظافة، تعتمد بخار الماء المنبعث من الغلاية، ومياه حارة موجهة للاستحمام، في وقت كان يفخر المجتمع الأوروبي بعدم الاستحمام، ومثال ذلك ما تنقله بعض المصادر التاريخية «إيزابيلا» ملكة قشتالة التي لم تستحم سوى مرتين في حياتها، الأولى يوم مولدها والقانية عند زواجها من الملك فرناندو الثاني، وقد عاهدت نفسها ألا تغير ملابسها أو تستحم حتى تقع مملكة غرناطة، وبالفعل سقطت وقامت هي وزوجها بتدمير كافة الحمامات الموجودة بالأندلس آنذاك.
الزخرفة العمرانية.. بناء وفن
لم يقتصر توفير المياه على الاهتمام بوضع نظام معقد من القنوات، وشبكات الصرف الصحي، بل امتد لإخراجه للعلن بحلة جميلة من خلال بناء أحواض وأباريق ودور مياه وحمامات باستخدام أجود المواد وأنفسها من رخام الغني بلاط ذهبي وفضي، وفيسفساء ملونة.
كانت العناصر الطبيعية من أشجار ونباتات وأزهار أولى الرسومات الملهمة للفنانين من أجل إبداع جداريات زخرفية فريدة، تم إضافة أشكال هندسية متداخلة عليها بمساحات متوازنة وأبعاد مضبوطة.
لم تختلف الجدران عن الأرضيات والأسقف فجميعها كانت مزينة بالصور أو النقوش المذهبة، وفسيفساء زاهية تتألف من الخرزِ أو غيره، كالحجارة الصغيرة المتنوعة، ومصقولة الوجه يميزها اللمعان.
عمائر مزخرفة في غاية الروعة والإبداع، شكلت جزءا من الفنون الخالدة في الحضارة الإسلامية بكل ما تحمله من جمالية ونضارة بقيت شاهدة على التطور والرقي بكل المقاييس الحضارية.