رَوْعَة الصِّيام وعظمة ليلة القدر

رَوْعَة الصِّيام وعظمة ليلة القدر

تقديم

 فرض الله علي عباده المسلمين   الصيام  طاعة وعبادة لله سبحانه وتعالي حيث قال تعالي وما خلقت الجن الإنس إلا ليعبدون ”   وقال عن فرض الصيام ”  يا أيها الذين امنوا كتب عليكم  الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” سورة البقرة  , واختتم الله الآية بقوله لعلكم تتقون ”  أي أن الصيام يدفع الإنسان إلي التقوي وقوله لعل يعني أنه  ربما كان هناك من لا يؤثر فيه الصيام أولا  يؤدي نتيجة طيبة وهي التقوي ولكن الصيام نفسه عامل كبير من عوامل تقوية النفس والروح رغية وأملا أن تزيد في تقواها .

مدة الصيام

الصوم  ركن من أركان الإسلام فرضه الله علي المسلمين في السنة الثانية من الهجرة وكل تشريعات الله نزلت علي عبده ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم في ميقاتها المناسب لم ينزل في مكة ولم يزل الإسلام يعاني من الاضطهاد والبطش ولكن نزل الأامر المباشر من السماء بعد أن استقر النبي صلي الله عليه وسلم في المدينة

والصيام المفروض علي المسلمين كما قال تعالي ”  شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن  هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان ” ,  فالصوم المفروض هو شهر  رمضان فقط، وما عدا ذلك فهو تطوع ونافلة .

الحكمة من الصوم

للصيام فوائد  جمة  علي الإنسان منها ما يتعلق  بصلته بمولاه  ومنها ما يتعلق بدنياه

أولا ما يتعلق بمولاه أيضا تفوق الحصر فكما قلنا سابقا  قوله تعالي  ” لعلكم تتقون ”  أي أن الصيام يدفع الإنسان إلى التقوى، وهي غاية  ودرجة كبيرة من درجات الإيمان .

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ”  قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه ”  متفق عليه .

هذه عبادة خفية بينك وبين الله  فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخَلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها ”  رواه البخاري  , وكما وضح الحديث أنك تراقب الله في كل فترات صيامك فيساعدك علي الرجوع إلي الله ويقوي إيمانك بالله كما انك تضحي  من اجل الله وهذا ما يزيد من درجة قربك من  الله ورضا الله عنك .   وقد قال تعالي ” إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب ” فجزاء الصيام لا يعلمه إلا الله فهو خارج حدود المكافآت الأخري  فالله قد جعل للمسلم الحسنة بعشر أمثالها اما الصيام فكما وضح فإنه تركه حسابا مفتوحا بينه وبين العبد  حبا وتقديرا وتعظيما لجزاء الصوم والصبر .

فوائد الصيام للعبد

  • للصيام أجرٌ كبير من الله ولكن له دور كبير وعظيم في تقوية إرادة الإنسان وتعويده علي الصبر و زيادة عزيمته في كل أمر يقوم  به في أمور حياته .
  • يرفع من   درجة قربه من الله  فتأدية الطاعة للع والصبر من أجل الله  يقوي صلتك بالله أكثر ويجعلكم تتعود الرجوع إليه في كل أمورك.
  • الجوع  والعطش يجعل   المعدة والامعاء فارغة وهو ما بساعد علي صفاء النفس أكثر ويقظة القلب وخاصة مع المقاومة للجوع والعطش.
  • يرقق قلب الإنسان علي الفقراء والمساكين فحين يجوع الإنسان ويجرب قسوة الجوع والعطش ينظر إلي من لا يجد قوتا ولا طعاما كيف يعاني ويتألم لعل  الصائم يصوم بإرادته ولكن الفقير لا يجد   رغما عنه فتتراحم القلوب وتتعاطف وهي غاية عليا   للدين الإسلامي.
  • يبعد الإنسان عن  ما يغضب الله فقد روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” رواه البخاري.

أثر الصيام على صحة الإنسان

للصيام فوائد  جمة علي صحة الإنسان، وقد اكتشف العلم الحديث أن للصيام فوائد متعددة تعود بالنفع على صحة الصائم، ومن أهم هذه الفوائد التى اكتشفها العلم الحديث، المساعدة فى تحسين كفاءة الأجهزة الحيوية، حيث وجد الباحثون أن الصيام يساهم بشكل ملحوظ فى وضع حموضته بالشكل الطبيعى وهذا ما يؤكد أن الصيام يخفف ويمنع الحموضة الزائدة، والتى تكون سبباً رئيساً فى حدوث قرحة المعدة.

كما يعالج الصيام عدداً من الأمراض الناتجة عن السمنة، كمرض تصلب الشرايين، وضغط الدورة الدموية الطرفية، ويساعد على منع تكون الحصى فى الجهاز البولي فيحسن وظائف الكبد المختلفة ويقى الصيام الجسم من تكون حصوات الكلى، إذ يرفع معدل الصوديوم فى الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم، كما أن زيادة مادة البولينا فى البول، تساعد فى عدم ترسب أملاح البول، التى تكون حصوات المسالك البولية.

ويقى الصيام الجسم من أخطار السموم المتراكمة فى خلاياه، وبين أنسجته، من جراء تناول الأطعمة، وخاصة الأغذية المحفوظة والمصنعة منها وتناول الأدوية واستنشاق الهواء الملوث بهذه السموم. ويخفف الصيام من أعراض وعلامات فشل القلب، وذلك لأن الصيام يقلل من شرب السوائل ويقلل من تناول الأغذية، إضافة إلى إذابة الدهون من الأوعية الدموية يحسن من عمل القلب وبالتالى يقلل من أعراض مرض القلب عند المصابين به.

ويقوم بدور كبير  للتخلص من السمنة ولكن شرط أن يصاحبه اعتدال فى كمية الطعام المستهلكة وقت الإفطار.

ويساعد الصوم على كبح جماح النفس وتربيتها بترك بعض العادات السيئة وخاصة عندما يضطر المدخن لترك التدخين ولو مؤقتا على أمل تركه نهائيا، وكذلك عادة شرب القهوة والشاى بكثرة، وقد أثبتت دراسات عديدة انخفاض نسبة الجريمة بوضوح فى البلاد الإسلامية خلال شهر رمضان.

ويهدئ الصيام ثورة الغريزة الجنسية وخصوصاً عند الشباب، وبذلك يقى الجسم من الاضرابات النفسية والجسمية، والانحرافات السلوكية، وقد وجد أن الإكثار من الصوم مع الاعتدال فى الطعام والشراب، يساعد فى تثبيط غرائزه المتأججة، وذلك تحقيقاً للإعجاز فى حديث النبى  صلى الله عليه وسلم ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.  أي وقاية وحماية .

والصيام يجدد الشباب ويزيد حيوية فشهر رمضان فرصة حقيقية لتجديد الشباب وزيادة حيوية الخلايا وذلك لأن الصوم يؤدى إلى تأثيرين مهمين وهما أثناء استهلاك الجسم للمواد المتراكمة منه أثناء فترة الصيام فإن من بين هذه المواد المتراكمة الدهون المتراكمة والملتصقة بجدران الأوعية الدموية فيؤدى ذلك إلى إذابتها تماما، كما يذيب الماء الثلج، وبالتالى زيادة تدفق الدم خلال هذه الأوعية وزيادة نسبة الأكسجين والغذاء الواصل إلى الخلايا عبر هذا الدم، وبالتالى تزداد حيوية وعمل الخلايا، لذلك نرى أن الشخص الذى يحافظ على الصيام تقل إصابته بمرض تصلب الشرايين وتتأخر عنده علامات الشيخوخة .

وقد ثبت بالدليل العلمى القاطع أن الصيام ليس له أى تأثير سلبى على الأداء العضلى وتحمل المجهود البدنى، بل بالعكس أظهر الإعجاز العلمى لقوله تعالي “وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” سورة “البقرة : 184” إن درجة تحمل المجهود البدنى وبالتالى كفاءة الأداء العضلى قد ازداد بنسبة 200% عند 30% من أفراد التجربة، و7% عند 40% منهم، وتحسنت سرعة دقات القلب بمقدار 9%، كما تحسنت درجة الشعور بإرهاق الساقين بمقدار11%، وهذا يبطل المفهوم الشائع عند كثير من الناس من أن الصيام يضعف المجهود البدنى، ويؤثر على النشاط فيقضون معظم النهار فى النوم والكسل .

كما يخفض الصوم نسبة السكر فى الدم إلى أدنى معدلاتها، ويعطى غدة البنكرياس فرصة للراحة، والتى تفرز الأنسولين الذى يحول السكر إلى مواد نشوية ودهنية تخزن فى الأنسجة ، فإذا زاد الطعام عن كمية الأنسولين المفروزة فإن البنكرياس يصاب بالإرهاق والإعياء، ثم يعجز عن القيام بوظيفته، فيتراكم السكر فى الدم وتزيد معدلاته بالتدريج حتى يظهر مرض السكر. وقد أقيمـت دور للعلاج فى شتى أنحاء العالم لعلاج مرضى السكر باتباع نظام الصيام لفترة تزيد من “عشر: عشرين” ساعة ودون أية عقاقير كيميائية، ثم يتناول المريض وجبات خفيفـة جدا، وذلك لمدة أربعة أسابيع متوالية. وقد جاء هذا الأسلوب بنتائج مبهرة فى علاج مرضى السكر.

ضبط الكوليسترول في الدم : يساعد مرضى الكوليسترول على الشفاء، والسبب في ذلك أن الصائم يتمتع بنفسية جيدة، وبحالة من السكينة والطمأنينة، وهو ما يساعد على تنظيم عمل أجهزة الجسم، ويجعلها أكثر قدرة على علاج أي خلل في وظائفها. كما أن الصيام يعمل على خفض نسبة الكولسترول الضار في الدم، وذلك نتيجة احتراق جزء من الشحوم المخزونة بالجسم أثناء فترة الصيام.

علاج حصوات الكلى : يساعد الصيام على علاج حصوات الكلوية؛ ففي أثناء الصيام يزيد تركيز الأملاح مثل الصوديوم، والبوتاسيوم، وينقص الكالسيوم مع استهلاك الشحوم، وبالتالي يمنع الترسبات الكلسية المسببة لتكون الحصى.

علاج الأمراض الجلدية : يفيد الصيام في علاج الكثير من الأمراض الجلدية، حيث يساعد على الشفاء من المضاعفات التي تصاحب حساسية الجلد والإكزيما، والتهاب الجلد، كما أن الصيام يقلل من البقع الدهنية الموجودة على البشرة، مما يزيد من صفاء البشرة خاصة في المنطقة حول العينين.

النفحات الربانية في شهر رمضان

الشيطان عدو الإنسان الأكبر يجري مجري الدم من العروق، والسحرة يستغلون مردة الجن، والجن الكافر في إفساد حياة الإنسان وربما تدمير صحته وهلاكه،  وكذا في صده عن العبادة أو تعلقه بالغواية والفتن.

  السحر يصعب على الإنسان بقدرته الشخصية أن يقاومه إلا بعوامل فاعلة كقراءة القرآن ومساعدة من يقومون بفك السحر بالرقية الشرعية، وقد جعل الله في شهر  رمضان نفحات وبركات لا تحصى، منها  تقييد مردة الجن والشياطين وكف أذاهم عن الخلق، وكما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ” إذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ”  متفقٌ عَلَيْهِ.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فلم يُفْتَحْ منها بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فلم يُغْلَقْ منها بَابٌ ”  الحديث ، رواه الترمذي وابن ماجه  وحسَّنه الألباني.

وهذا ما يطهر القلب والبدن سواء ويساعد الإنسان علي العبادة ونقاء النفس ومقاومة السحر أو المس الشيطاني لمن قد أصابه أذى، أي بركة وعظمة هذه تلك التي تجدها في شهر رمضان المبارك .

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

فأي خير يناله الإنسان ود ظفر بأن يغفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

فمن خسر رمضان فقد خسر الخير الكثير.

ولهذا  فقد يسر الله  للعباد كل وسائل  النقاء والراحة النفسية وراحة البدن ليعيشوا شهرا آمنين  من وساوس الشيطان وفتنه وإغوائه  ويساعدهم علي خلاص غيرهم أيضا لتصفوا النفوس وتتحاب وتتقارب و تخلو من كثير من شيطانيتها بالعبادة والصبر وبزوال مردة الشياطين  ولا يبقي   إلا نزعات النفس التي  ربما ذابت بين كل هذا

وعن ابنِ عباسٍ -رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قالَ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ” متفقٌ عَلَيْهِ.

وقال النبي : الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر[4] خرجه الإمام مسلم في صحيحه.

فضل العشر الأواخر من رمضان

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَى اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ المِئْزَرَ” متفقٌ عَلَيْهِ , وعنها أنها  قالت ”  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره  ».  وفي صحيح مسلم أنها قالت ”   ما أعلمه صلي الله عليه وسلم قام ليلة حتي الصباح ” أي كان لا يغالي في العبادة ولا يفرط فيها   

والمعني أن النبي صلي الله عليه  وسلم كان يعتكف في  العشر الأواخر من رمضان  تقربا إلي الله تعالي وتعظيما لبركتها وعظمتها  كما أنَّ فيها ليلة مباركة خير من الف شهر وهي ليلة القدر .

وقد أقسم الله تعالي بالعشر الأواخر من رمضان فقال ” والفجر وليالٍ عشرٍ ”  وذلك لعظمتها وأهمية العبادة فيها.

وقد جعل الله العشر الاوخر  فيها البركات والنفحات وذلك لأن الصائم يكون خلال المدة السابقة قد تحلي وتخلي عن أمراض قلبه ودينه وصفت نفسه وقد صام عشرين يوما من رمضان فيزيد نقاؤه وصفاؤه.

عظمة ليلة القدر

والمقصود بها الليلة وليس اليوم كله، والليلة تبدأ من وقت آذان المغرب وتنتهي بوقت آذان الفجر .

ليلة القدر ليلةٌ مُبارَكة وسبَبِ تَسمِيَتِها بليلةِ القَدرِ عِدَّةُ أقوالٍ  أهمها: أنَّها سُمِّيَتْ بلَيلةِ القَدرِ، مِنَ القَدْرِ وهو الشَّرفُ، وقيل: لأنَّه يُقَدَّرُ فيها ما يكون في تلك السَّنَة. وقيل: لأنَّ للقيامِ فيها قدْرًا عظيمًا. ينظر: ((المغني)) لابن قدامة.

فيها أنزل الله القرآن  قالي تعالي ” إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ  ”   الدخان: 3.

العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ  قال تعالي ” إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ”  سورة القدر فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ.

 يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ من أقدار لعباده قال تعالى”  فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ” الدخان: 4-5 .

– ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ:قال تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ القدر: 4   , فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.

و ليلةُ القَدرِ سَلامٌ ، قال تعالى: “سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” القدر: 5

من أعظم المنح التي منحها الله لعباده في هذه الحياة هي ليلة القدر وهي ليلة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان.

أخفاها الله عن عباده  وذلك ليجتهدوا ويترقبوا رحمةَ الله، وأيضا  حتي  لا يغتر أحدٌ  بعبادته  لله ويظن أنه قد حاز خير الدنيا والآخرة  فمن قبل في ليلة القدر فلن يحتاج بعد ذلك إلي خير يفعله بقية حياته .

وقد  قال صلي الله عليه وسلم ” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “

  وحقا هي كفيلة بدخول أي إنسان يقبله الله فيها الجنة، فمن غفر له ما تقدم من ذنبه فماذا يحتاج بعد ذل سوى الإقبال على الله والسير في طريقه.

ولكن الله يهيِّيءُ من يقبلُه لِفِعْلِ الطَّاعاتِ وعمل الخيرات وينقِّي قَلْبَهُ فيكون مؤهلا لذلك , فليس القبول هو أن ينال الفرد إجازة  الوصول ويفعل ما يشاء بعدها

وهل ليلة القدر ليلةُ إجابة الدعاء ؟  والجواب أنها لم تنل عظمتها من كونها ليلة قبول الدعاء ولكنها ليلة قبول  رب السماء وليلة التحلي والتجلي لله علي عباده وليلة الفضل والوصل بين الله وعباده .

ولكن  لا مانع أن تكون ليلة قبول الدعاء وقد منح الله كل هذه المحن والبركات لعباده  أفلا يتقبل دعواتهم فيما يخص دنياهم ؟ 

وإن كانت هناك اوقات وبركات يمنحها الله لعباده في كل الأيام ومنها وقت السحر . فعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: إِنَّ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ، قَالَ: يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ .

العبادة في ليلة القدرة

عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ” قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي “

عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ” تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ  ” 

عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى  ”    .

عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ،  أنَّ رجالًا مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُرُوا ليلةَ القَدْرِ في المنامِ في السَّبعِ الأواخِرِ ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أرى رُؤيَاكم قد تواطَأَتْ في السَّبعِ الأواخِرِ، فمن كان مُتَحَرِّيَها فلْيتحَرَّها في السَّبعِ الأواخِرِ 

عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال:  رأى رجلٌ أنَّ ليلةَ القَدْرِ ليلةَ سَبعٍ وعشرينَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرى رُؤياكم في العَشْرِ الأواخِرِ، فاطلُبوها في الوِترِ منها 

عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ” أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ثمَّ أُنْسِيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، قال: فمُطِرْنَا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ، فصلَّى بنا رسولُ الله، فانصرَفَ، وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّينِ على جَبهَتِه وأنفِه .

عن أبي ذر قال: ” كنت أسأل الناس عنها  يعني ليلة القدر  فقلت: يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر؟ أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: بل هي في رمضان. قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة . قلت: في أي رمضان هي؟ قال: التمسوها في العشر الأول والعشر الأواخر. قلت: في أي العشرين هي؟ قال: في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها، ثم حدث رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله أقسمت بحقي لما أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته، وقال: التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها” . أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم.

علامات ليلة القدر

عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ”  أخبَرَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها تطلُعُ يومَئذٍ لا شُعاعَ لها

يطلع القمر في ليلتها مثل شقّ جفنة، أي كنصف القصعة”  (رواه مسلم).

 وروي عن عبد الله بن عباس  أنها يكون الجوّ فيها معتدلاً، لا حارّاً شديد الحرارة ولا بارداً شديد البرودة ,  رُوِي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: «ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ ”  الألباني , صحيح الجامع  

لا يرى الناس فيها الشهب التي ترسل على الشياطين.

أما ما يقال من عدم نُباح الكلاب وتحول الماء المالح إلي عذب وظهور صورة الكعبة المشرفة  وغيره فهذه  علامات مختلقة ليس لها أصل من الصحة كما ورد عن الإمام الطبري .

وحتي لو رأي احد امورا خارقة في العشر الأاواخر فربما كانت تجليات  إلهية او بركات ونفحات لا دخل لها بليلة القدر .

نزول الملائكة أفواجًا في ليلة القدر، وتكون أكثر من الحصى على الأرض، فقد قال الله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ  »، ورُوِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «وإن الملائكةَ تلك الليلةَ أَكْثَرُ في الأرضِ من عَدَدِ الحَصَى”

 يري الكثيرون  أنها ليلة السابع والعشرين وذلك الأشهر والأظهر عند المالكيّة أنّ ليلة القدر ليلة السّابع والعشرين، وبهذا يقول الحنابلة، فقد صرّح البهوتي بأنّ أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصًا، وقال الطّحطاوي: ذهب الأكثر إلى أنّ ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين، وهو قول ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من الصّحابة رضي الله عنهم .

ولكن  كل هذه اجتهادات  واختلافات حتي  لا يصل الناس إلي   موعدها الحقيقي  ولا يركن الناس إلي رأي واحد

وهذه حكمة الله تعالي  تعظيما  وإجلالا لهذه الليلة المباركة

والأمر يسير فليجتهد الناس جميعا في ليالي العشر فالفترة وجيزة لمن أراد  نيل القبول والرضا من الله سبحانه وتعالي.


أهم  المراجع

  1. كتاب الله تعالى
  2. السنة النبوية الشريفة
  3. https://www.youm7.com/story/2011/8/2/%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%89-%D9%8A%D8%AB%D8%A8%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%89-%D9%84%D9%80%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%89-%D8%B5%D9%88%D9%85%D9%88%D8%A7-%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D9%88%D8%A7/466484

413 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *