سوسيولوجيا الهجرة الأستاذ اشهبار

 

سوسيولوجيا الهجرة الأستاذ اشهبار 1

  • تسعى سوسيولوجيا الهجرة إلى بلورة

    نظرية معيّنة. أي بناء مفاهيمي منظّم يسمح بتشخيص المحدّدات والحوافز المتحكّمة في كل حركة هجرية، لتفسير مراحلها والتنبّؤ بنتائجها.  فكل نظرية هجرية عليها أن تستجيب لشرطين أساسيين هما:


  • أولا، تفسير لماذا يهاجر الناس، أي الأسباب. في هذا الإطار تسلّط الضوء على وجهة نظر الأفراد لتحدّد الدواعي والحوافز التي تؤدّي إلى بلورة قرار الهجرة أوّلا، أو تتسلّح بنظرية كلّية لتحدّد العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع بالأفراد إمّا إلى الهجرة أو البقاء في أماكنهم.


  •  ثانيا، تبيّن إلى أي حدّ تحقّق الهجرة أهدافها، أي الآثار. في هذا الإطار نشير إلى أنّ سوسيولوجيا الهجرة في الفترة الرّاهنة لا تتغيّى بلورة نظرية كبرى، بل اقتراح تنظير متوسّط المدى. بلغة أخرى، فالبحث السوسيولوجي حول الهجرة يشتغل على محورين:


  • المحور الأول هو المتعلّق بعوامل الهجرة، سيرورتها ونماذجها. ثمّ الطريقة التي يُدمج بها المهاجرون في دول الاستقبال وفي انعكاساتها عليهم وعلى السكان الأصليين. وبالتالي فهي تحلّل أو تحاول تحليل ديناميتين مختلفتين:


  • أ‌. الطريقة التي تساهم بها البنيات الاجتماعية، المؤسسات والعلاقات في خلق فعل الهجرة

  •                    وفي التّأثير على الشروط التي تتمّ فيها.


  •  ب‌.الطريقة أو الكيفية التي تؤثّر بها الهجرة في البنيات الاجتماعية، المؤسسات والعلاقات السائدة في الأماكن المعنيّة بالهجرة، بما في ذلك مناطق الانطلاق، العبور، والوصول.


  •   فسوسيولوجيا الهجرة تميّز بين إشكاليتين:

  •  إشكالية الوفود: التي تركّز على أسباب الهجرة، التنقّل، سلوك دول الانطلاق ودول الاستقبال.


  • إشكالية الإقامة :  تركّز على ما نسمّيه بالاندماج، أي تثاقف المهاجرين (الاحتكاك الثقافي)، الحصول على وضعية اجتماعية واقتصادية وسياسية في المجال الوطني الجديد.


  • في هذا الإطار فالهجرات تغطّي وضعيات جدّ مختلفة، يمكن تحديدها انطلاقا من ثلاثة معايير أساسية هي:


  • 1.المجالات التي يتمّ المرور بها. أي تحديد المجالات الهجرية المزدوجة أو المتعدّدة الأقطاب.


  • 2.المدّة الزمنية. فنتحدّث عن العمّال الموسميين أو الهجرة المؤقّتة.


  • 3.الأسباب. هناك هجرات قسرية: لجوء سياسي، لجوء إنساني. هجرات إرادية: هجرة أدمغة، هجرات عفوية أو منظّمة: الهجرة السكّانية، هجرة العمل.


  • يعتبر علماء الاجتماع ظاهرة الهجرة ظاهرة اجتماعية كلية. فهي في نفس الوقت ظاهرة ديموغرافية، جغرافية، تاريخية، اجتماعية، اقتصادية، نفسية..الخ، وبالتالي، فكل علم من العلوم يتناولها انطلاقا من وجهة نظره الخاصة. مثلا، فالديموغرافيا التي تعتبر أول علم اهتم بالهجرة إلى جانب الجغرافيا البشرية تقوم بعملية الإحصاء الوصفي لقياس حجم الهجرة. أمّا عالم الاقتصاد وعالم الجغرافيا، فيحللان كل من منظوره الخاص، خصائص مكان الانطلاق ومكان الوصول. أمّا عالم الاجتماع، فيسعى عادة إلى عزل الدوافع غير الاقتصادية للهجرة، ويعمل على موضعتها في سياق الكل الاجتماعي الذي تندرج فيه. فهي ظاهرة اجتماعية كلية، لأنها تهمّ المجتمع برمته، وبجميع مؤسساته الإدارية، القانونية، الاقتصادية، الإعلامية والفكرية.


  • لا زالت سوسيولوجيا الهجرة موزّعة بين اهتمامين. الاهتمام الأول يهمّ التيمات الكلاسيكية للسوسيولوجيا، مثل نزاع بين الفرد والمجتمع، سلوك الأفراد داخل الجماعة، والعلاقات بين البنية الاجتماعية و بين الفعل الاجتماعي. وفي هذا الإطار، فالمقولات التحليلية المفتاح تتضمّن المؤسسات، الطبقات الاجتماعية، التنظيمات الاجتماعية، الاندماج، الأنوميا، التضامن، النظام والصراع الاجتماعي، أو تتجاوز التيمات الكلاسيكية، لتشتغل على مقولات حديثة جدّا تتضمن مفهوم النوع، الإثنية، الهوية، الشبكات، الإدماج الاجتماعي و الإقصاء الاجتماعي، الرأسمال الاجتماعي.


  • تسعى المقاربة السوسيولوجية للهجرة، إلى تجاوز المقاربة الأخلاقية والتقنية. يقول عبد المالك الصياد: ” عندما يتعلّق الأمر بالهجرة، من الصعب الفصل بين الأخلاق والسياسة. فالكائن غير السياسي، لأنه لا ينتمي للوطن الذي هو المهاجر، هو من جهة التعبير الجلي عن الطابع السياسي المحض للهجرة ( رغم أن هذا لا يُعترف به )، ومن جهة أخرى المثال الباراديغمي لطبيعة المواضيع التي نريد اختزال كليتها في قضية أخلاقية محضة. فالطريقة الفعّالة لضرب الهجرة لضمان السيطرة المطلقة عليها، هي نزع الطابع السياسي عنها، في حين أن الطريقة المثلى لنزع الطابع السياسي عن مشكلة اجتماعية معيّنة، هو إضفاء الطابع التقني عليها، أو الزج بها في حقل الأخلاق. “.


  • فجوهر الهجرة في نظر علم الاجتماع هو سياسي، أي يرتبط بكيفيات وأشكال توزيع السلطة والنفوذ الاجتماعي، أي توزيع المواقع والوظائف والأدوار والاستفادة المادية والمعنوية، لأنّه يسائل الدولة بمرتكزاتها، بهياكلها، بامتداداتها، بتناقضاتها، بصراعاتها، بحاجاتها ومكوّناتها المتميّزة. بلغة أخرى، فسوسيولوجيا الهجرة تسائل الشروط السوسيوتاريخية لتشكّل الدولة، أو لنَقُل، تسائل المشروع المجتمعي والحضاري للدولة القومية، أو الدولة الوطنية الحاضنة للهجرة.


  • من بين التّيمات الأساسية التي تشتغل عليها سوسيولوجيا الهجرة، نجد المدّ الهجري والعولمة، التعدّد الثقافي، المواطنة، التمييز والعرقية، البناء الهوياتي والأقليات الإثنية، الصدام الثقافي، العلاقة بين دول الشمال ودول الجنوب، العلاقة بالآخر، أشكال ونماذج الاندماج. الانكفاء الجماعاتي، التثاقف …

  • 242 مشاهدة