عوامل مادية واجتماعية أم أزمة أخلاقية وراء الظاهرة؟
فئة من الأطفال يتوزعون أمام كل الأبواب إلا بوابات المدارس التي غيروا مسارهم عنها نحو أماكن تضمن لهم التحصيل الوفير غير التحصيلين العلمي و التربوي لأن ما يبحثون عنه مجرد ماديات ملموسة لاغير.
يسعون بجد لكسب المال بعدما أجادوا أساليب الاستجداء من تباك وانكسار وإظهار العاهات والغبن، كما أبدعوا في سرد قصص فصولها بؤس وشقاء تثير بالفعل الشفقة فهي من تلقين أساتذة في علم الاحتيال تجردوا من ضمائرهم وتنازلوا عن مشاعر الأبوة والأمومة والإنسانية بدعوى العوامل الاقتصادية والاجتماعية ولكن الحقيقة أنها أزمة أخلاقية أعمق، جعلت ظاهرة امتهان الصغار في عمليات التسول تستفحل لينجم عنها المزيد من هضم الحقوق والاستغلال وما يصحبه من تحرش واعتداء من قبل أناس عديمي الضمير والأخلاق، لا يقيمون اعتبارا لوازع ولا يلقون بالا لرادع وهم على شاكلة من يدفع فلذات كبده للتسول بقسوة وجفاء.
التسول حرفة عائلية
يمكن تمييزهم بسهولة عن باقي الأطفال فملابسهم الرثة وشعورهم المغبرة بطاقة هوية لهم، تخولهم للتقدم من أي شخص وطلب المال مع ترديد بعض العبارات التي حفظوها عن ظهر قلب فمن منهم لا يقول “يرحم الوالدين، أعطوني صداقة، ساعدوني أنا جائع، ساعدوني الرحمة على الوالدين”، وإذ ما حاول أحد الاستفسار منهم عن السبب الذي جعلهم يصلون لهذه الحالة، سيبدعون في سرد إحدى القصتين أولاهما أبي ميت وأمي مريضة، والأخرى أمي ميتة وزوجة أبي قاسية تحرمني من الطعام وتعاملني بازدراء، وغالبا يكون ما يتناقلونه ضربا من الخيال، لأنهم بأب وأم اختاروا لهم مهنة التسول كرها، وأجبروهم على حمل كيس الصدقات عوض المحفظة، ولكي يضمنوا نجاحهم عادة ما يتتبعونهم من بعيد بعد توجيههم لأماكن استراتيجية ممتازة، توفر نظرة استشرافية لاعتراض طريق المارة، وضمان عدم إفلات الزبون أي المتصدق، ومنهم من يعتمد هذه الإجراءات لأسباب أمنية وضمان سلامتهم، لأن الخطر يبقى دوما يحدق بهم إن لم يكن من قبل مطاردات الشرطة أو طرد الملاك لهم، فسيكون من جهة أطماع المنحرفين والشواذ.
التحرش والاعتداءات
أشخاص بالغين وغرباء كثيرا ما يقتربون من هؤلاء الصغار لأنهم فريسة سهاة المنال، ويحاولون إغراءهم بالمال لأنهم بحاجة إليه، ويتم استدراجهم للنيل منهم ولا تمييز للجنس، فالبنات والصبيان يتعرضون للعنف والتحرش الجنسي على حد سواء، وكم من متسول صغير يجدونه متألما في مكان منزو بعدما يتعرض للاغتصاب، وقلما يسعف أحدهم الحظ لينفذ بجلده.
بعض الضحايا تسلب أرواحهم الفتية ليظل الناجون في حالة جسدية ونفسية صعبة، لا يجدون من يضمد جراحهم وكل من حولهم استغلالي ولا يهتم إلى بالمردود المادي.
عدد الأطفال المتسولين في تزايد
نظرا لكثرة عدد المتسولين، حث التساؤل إن كان كل هؤلاء المتسولين محتاجين أم أنهم لا يعدون أن يكونوا مجرد محتالين يعتدون على حق من يحتاج الصدقة فعليا، إذ أنهم تفننوا في تقمص أدوار البائسين لاستعطاف المحسنين الذين عادة ما يؤثر فيهم مظهر طفل صغير رث الثياب ضعيف الجسد أو به تشوه، بل هناك من يؤكد أنه يتم استئجار الأطفال لاستعمالهم كإكسسوارات تزيد حلة التسول فعالية، وهذا حسب مميزاتهم من صغر سن وتشوهات خلقية أو إصابات بليغة، كإحدى المتسولات التي تجلس أمامها طفلا يضع ضمادات على طول الساقين بعدما ظهر عليها أثر الإفرازات التي تخرج من الحروق وليس ذلك بتمويه بل هو حقيقة، فكيف لأم أن تعرضطفلها لتلك الحروق الخطيرة هل بفعل فاعل أم أنه مجرد حادث؟،ولكن الغريب أن الأمر استمر شهورا، فهل تهاونت هذه الأم في علاجه وإن لم يكن فهو بحاجة للراحة والبقاء في ظروف حسنة للشفاء ولكن أمه تحججت أنها محتاجة ولا تجد أين تتركه كما أنه سيشفى بمرور الوقت وهي تجهل أن ذلك قد يؤدي لبتر ساقيه أم أن ذلك هو المقصود، فولد بلا ساقين يعد منجم ذهب في عالم التسول، وهذا ما يثير شبهة إن كانت بالفعل أمه.
مجمعات التسول
بعض مدن الصفيح وليست كلها فهناك أناس فقراء حقا دفقعت بهم الظروف للسكن في هذه الأماكن أما بعض قاطني هذه الأحياء القصديرية أو كما يطلق عليها “حزم الشر” وجدوا فيها ملجئا آمنا، إذ تعد أكبر مجمعات المتسولين الذين يغزون الشوارع والأحياء ولا يردعهم حر الشمس ولا قر البرد بحثا عن الاسترزاق الأسهل والذي لا يحتاج للجهد بقدر ما يحتاج للحيلة والتباكي، حتى صارت هذه الحرفة تقليدا عائليا، بل أنهم ولا يقبلون أي غريب بينهم فهم ينحدرون من أصل واحد واشتهروا بالتسول والعرافة، كما أنهم يعيشون بقوانينهم الخاصة وأطفالهم لا يلتحقون بالمدارس لأن الشوارع تحتضنهم النهار بطوله لجمع المصروف، رغم أنهم غير محتاجين فمنهم من يمتلك رؤوس أغنام وسيارات ولكنهم اعتادوا حياة التسول وأعمال الشعوذة من قراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل من قبل من يعرفن بالقزانات (المنجمات)، ولا يتوقفن عن الطواف طول اليوم مع أطفالهن.
ظاهرها شحاذة وباطنها سرقة
المكان الذي نشأ به ويأوي إليه هؤلاء الأطفال يفتقد للقيم الأخلاقية والأسس التربوية، لذا لا يمكن انتظار تكوينهم لأي شخصية سوية أو اكتسابهم لسلوكات سليمة ولن يكونوا أبدا مثالا للولد المهذب الأمين ،فلا عجب إذ ما كانت السرقة حرفة إضافية لهم، لذا فأصحاب المحلات في المساحات التجارية والسلع في الأسواق لا ينفكون عن طرد الأطفال الذين يحومون حولهم طلبا لبعض المال، وهم في الحقيقة ينتظرون الفرصة لحمل ما خف وزنه والهرب به، ومن الأسواق انتقلوا للبيوت وصاروا يطرقون الأبواب بحثا عن الصدقات ومن ثمة الإيقاع بصحاب البيت والتلاعب بمشاعره لسرقته.
صار الناس يخشون فتح الأبواب لكل متسول، ولكن ذلك لم يحد من عزمهم لأنهم وجدوا الحل لهذه المعضلة حيث صار ينقسم المتسولون الصغار إلى فريقين الأول يدعي أنهم بائعي ملابس ليفتح لهم الباب ويبدؤون في عرض الثياب ليلتحق بهم الفريق الثاني ويطلبون الصدقة، وتتحول الطفولة إلى كتلة من المتناقضات تجمع بين البراءة ،المكر ،الخداع والاستيلاء على ممتلكات الآخرين بفعل عدة عوامل أهمها عدم وجود قوانين فعالة تحمي هؤلاء الصغار الذين شاءت الأقدار أن لا يهتم بهم أولياؤهم بقدر اهتمامهم بالمال ولا يفكرون بمستقبلهم ونشأتهم كأفراد صالحين يخدمونهم بصدق قبل أن يخدموا غيرهم، ولكن كيف سيربي أولئك المحتالون أطفالا وهم لا يعرفون طريقا للقيم الخلقية ولا يخشون العقاب الإلهي ولا يخافون القانون الوضعي بعدما اهلوا عن إنسانيتهم وحادوا عن النوازع البشرية، أو ليس فاقد الشيء لا يعطيه؟.
حماية الأطفال من التسول
الفقـر والحاجـة من أهم أسـباب انتـشار ظـاهرة التسول عموما، لكن تسول الأطفال عادة ما يكون استغلالا للبراءة، أو حتى نتيجة لمشاكل أسرية وعوامل اجتماعية، لذا من الضروري معرفة الدوافع للحد من استفحال الظاهرة.
تحمل المسؤولية من قبل معيل الطفل ضرورة، وعلى المجتمع أيضا المساهمة في تقديم يد العون للأسر الفقيرة، وكفالة الأيتام وعدم تركهم في الشوارع.
سن قوانين لتجريم امتهان التسول وإجبار الأطفال عليه ولو من قبل ذويهم.
فتح مراكز للتكوين واستقبال الأطفال الذين لم يتمكنوا من مزاولة الدراسة، وإلحاق الذين مازالوا في سن التمدرس بمقاعد الدراسة وتوفير لوازم التعليم والمعيشة لهم.
ضرورة الدعم الحكومي بفتح مراكز لرعاية تلك الفئة من الأطفال ومحاولة إعادة إدماجهم في المجتمع، وجعلهم عناصر فاعلة فيه.