ظواهر نفسية في شعر مفدي زكرياء

ظواهر نفسية في شعر مفدي زكرياء
لماذا يشحذ همتك شاعر من زمن فات؟! يختلج مشاعرك بحرفه ويلفك بمراميه و كأنه يعاصرك أو يشاطرك الفكر والانتماء، وأحيانا يؤلمك حد البكاء، هذا لأن الشاعر غاية الشاعر بعيدة كل البعد عن مقصد خاص وانتصار للنفس، إذ لم يكن ينافس الشعراء أو يبحث عن العطايا، بل كان ينفجر احساسا و غضبا و ثورة نصرة لقضية عادلة…
حيث يتميز الشعر الثوري الحماسي عن الألوان الشعرية الأخرى بأنه ذو رسالة نبيلة، ولم أعهد للأمانة شاعرا مفعما بالحماسة الثورية كالشاعر مفدي زكرياء – رحمة الله عليه- فبالرغم من كونه شاعرا محليا إلا أن شهرته تخطت حدود الجزائر بملامسة جزائرية كل فرد جزائري وتعدته لترجمة نخوة وإباء كل حر شريف ثائر، وكأن شعره اختبار لجينات الأحرار، فيزيد حسنا الجماعي بقدر قوة كل بيت من أبياته، ما يزيد من تعميق أبعاد شعره لتتجاوز المكان والزمان.
ثم يأتي ذلك الصوت الجهوري الصداح الذي يصاحب الالقاء، سيما أن مفدي يمتصب ليقدم عرضا فصيحا صحيحا، وسط جو مهيب يوحي بعظمة الموقف النابع من أصول عربية من عمق رحم جزائري، نعم عكس إلقاؤه المعادلة، فاصبحت لكنته الجزائرية تضيف قوة للغة العربية ورونقا.
إن الصورة النمطية عن كل شاعر تكون مرتبطة بالأحاسيس المرهفة و الهدوء و الثقل و الرصانة.. إلا أن مفدي زكريا كان يضيف إلى كل هذا صلابته و صرامته، ليثبت أنه ذاك الرجل المحترم الذي إن التقتيه في الطريق تخاله وزيرا أو حكوميا نافذا، فالرجل لم يكن مجرد شاعر بل كان مجاهدا صنديدا، ولن يصعب عليه حمل السلاح، والصعود للجبال، بل كان صلبا جلدا قويا لدرجة أن كلمة منه تشحذ همم الرجال وتحطم آمال الأعداء  بعدما تمرغ عطرستهم بشموخ وأنفة فقد كان يتحدث باللغة التي حاربتها فرنسا، و بالحماسة التي أطفأتها سنين الاحتلال، وبالثقة التي منحها إياه الله، فلم يكن في يديه سوى دماء و جريدة و تشحذ روحه عقيدة………
إن الجزائر في الغرام وتونسًا والمغرب الأقصى خلقن سواءَ
نحن  العروبة والشمال بلادنا وبـه  نـعـيش أعزة كرماء
أرض  مطهرة تضمّ ضلوعها مُـهـجًـا هناك زكية ودماء
بدم الصحابة قد تعطّر ظهرها قِـدْمًا،  وآوى بطنُها الشهدَاءَ
وتـعانقت  فيها البنود خوافقًا حـمـراء  تحمل للأنام رفاء
شـعـب  أغـرّ وأمة عربية مـا إن تـطـيق مذلة وشقاء
نستخلص من سيرة النبلاء أنه لا فناء لشاعر و لا لمفكر ولا لعالم، وحقيقة البقاء أنه قد تزول أجسادنا وتبقى آثارنا، ليس من السهل أن يظهر مفدي جديد، لأنه ابن الاصلاح و الثورة، و ابن الشدة و الحرب،………ترى هل لشاعر آخر يصف لنا حال الوطن في حالة السلم؟!!! أم أنها ستكون تخاريف شاعر في زمن تخاذلت فيه الهمم !….
بقلم،: أمال بن النوي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!