بين ثنايا الزمان والمكان تظل الذكرى حية لتعيد لحظات سعادة وصدق عشناها معا، ذكريات لا تسمح بهيجان الأحزان، وتخفف وطأة ألم الفراق، فحتى لو غيبت الأجساد فما زالت الأرواح ها هنا بشذاها وسحرها تنير دروب التائهين وتقاسمنا لذة الخلوات.
عاد رمضان ليحمل معه روحانيات الزمن الماضي مع الراحلين عن دنيانا، فعلى السرير سجادة أبي -رحمة الله عليه-، وهنالك على رفوف المكتبة كتب أخي -طيب الله ثراه-، وفي نبرات صوت أمي المثقل بالحنين والشوق حكاية عن الوفاء والعشرة الطيبة أستعيد معها ذكريات لا تموت.
أبحث بثقة عن موضع مبهج للدعاء لمن غابوا بعدما حضروا معنا رمضانات سابقة، وغدت مقاعدهم اليوم شاغرة حول مائدة الإفطار، وانقطعت تسابيحهم في هجيع الليل، لكن عملهم لم ينقطع.
ودعنا أحبابا بحرقة لكن الرضى كان لنا العزاء، واليقين قوة لمسايرة سنة الحياة وتقبل فراق بلا إياب، ويطول الرحيل على أمل اللقاء حيث سيحلو في عالم أرحب وأبهى بإذن الرحمن ليلتم الشمل للأبد، وتستحيل الذكرى من شهر رمضان إلى لألاء السراج السرمدي.
فاللهم ارحم من لا يصوم معنا في نهار رمضان، ولا يقوم ليله، ولا يشهد أذان الفجر من المسجد الذي اعتاد ارتياده وحث الخطى سعيا لتلبيه النداء رغبا ورهبا.
اللهم اغفر لمن ملك قلبا رحبا وثغرا باسما ولم يبخل على من حوله لا بالماديات ولا المعنويات، فغذى الأجساد والأرواح بسخاء وعطاء حتى لم يعد يجد الشعور بالامتنان موضعا يسعه.
اللهم ارحم أبي وأخي واغفر لهما ولجميع موتى المسلمين، رحم الله عبدا قال آمين.