موضوع عن مشروع المؤسسة في المغرب، يعرض المفهوم، المبادئ والأسس، من إعداد: رشيدة المخلوفي و فاطمة المير.
تمهيد
يكتسي مجال التربية والتكوين أهمية كبرى، حيث يعتبر ثاني قضية بعد قضية الوحدة الوطنية في البلد، لذا يحظى بعناية بالغة من قبل وزارة التربية الوطنية التي شرعت في تنفيذ خطة شاملة للإصلاح تعتمد اللامركزية واللاتركيز كخيار استراتيجي يجعل المؤسسة التعليمية نقطة ارتكاز المنظومة التربوية، ودعامة أساسية من دعامات بناء المشروع المجتمعي المغربي، وأحد أهم العوامل الرئيسية في إنجاح المشاريع التنموية التي انخرطت فيها بلادنا منذ الألفية الثالثة.
من هذا المنطلق تم اعتماد مشروع المؤسسة كإطار منهجي وآلية عملية لترجمة الإصلاحات التربوية وتفعيلها داخل المؤسسات التعليمية، وذلك من خلال قيام المؤسسة وشركائها بأدوار فاعلة تتجاوز تنفيذ البرامج والإجراءات الوزارية إلى الاجتهاد في إغنائها وربطها بالحاجات المحلية للإصلاح في تناغم تام مع التوجهات والأهداف الوطنية للإصلاح.
وقد عملت الوزارة منذ تسعينيات القرن الماضي على التبني التدريجي لمشروع المؤسسة من خلال التجريب المحدود المؤطر من طرف برامج التعاون الدولي والتطبيق التدريجي في المؤسسات التعليمية إلى أن وصلت اليوم إلى مرحلة ترصيد جميع التجارب الماضية وما راكمته المنظومة من مبادرات متعددة في هذا المجال.
وجذير بالذكر أن مشروع المؤسسة قد مر بمجموعة من المراحل والمحطات التي أطرتها قوانين مرجعية وتنظيمية حددت مفهومه، أسسه ومبادئه.
المحور الأول
مفهوم مشروع المؤسسة
من أجل تحديد مفهوم مشروع المؤسسة يجب عرض التعريفات الأولية للمصطلحات.
مفهوم المشروع والمؤسسة لغة واصطلاحا
أولا: المشروع لغة واصطلاحا
المشروع (Projet) لغة: جمع مشروعات ومشاريع، حضر مشروعا جديدا: ما يحضر ويقدم في صورة ما أو خطة تنظيمية ليدرس ويقرر في أفق تنفيذه، أما اصطلاحا فهو نشاط تستخدم فيه موارد معينة وتنفق من أجله الأموال للحصول على منافع متوقعة خلال فترة زمنية معينة وقد يكون المشروع زراعيا أو صناعيا أو سياحيا أو تربويا وقد يكون مشروعا كبيرا أو صغيرا أو متوسطا وقد يكون مركزيا، جهويا أو محليا.
ثانيا: المؤسسة لغة واصطلاحا
المؤسسة لغة جمع مؤسسات، من أسس يؤسس ونقول أسس البناء أي وضع له قاعدة وجعل له أساسا. واصطلاحا فهي منشأة تؤسس لغرض معين أو منفعة عامة ولديها من الموارد ما تمارس فيه هذه المنفعة، معتمدة في عملها كل الآليات الناجعة لتحقيق أهدافها بما في ذلك التقنيات الحديثة مثل الاتصال الرقمي.
نستخلص من خلال تطرقنا لمفهومي المشروع والمؤسسة كل على حدة بأن المقصود من مشروع المؤسسة اصطلاحا أنه عبارة عن خطة معينة توضع لتجويد الخدمات التي تقدمها المؤسسة.
مفهوم مشروع المؤسسة حسب المرجعيات الرسمية والفقهية.
أولا: مشروع المؤسسة حسب المرجعيات الرسمية
بداية سنتطرق لمفهوم مشروع المؤسسة حسب الترتيب الكرونولوجي الذي جاءت به المرجعيات الرسمية:
- مشروع المؤسسة حسب المذكرة رقم 09\121: هو ” الإطار المنهجي والآلية العملية الضرورية لتنظيم وتفعيل مختلف الإجراءات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة العملية التعليمية التعلمية وأجرأة الإصلاحات التربوية داخل كل مؤسسة”
- مشروع المؤسسة حسب الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة ” آليات القيادة وآليات التفعيل لسنة 2011: هو” عبارة عن آلية للتدبير الشامل والمندمج للمؤسسة التعليمية بمختلف عملياتها ومن خلال جميع مكوناتها البشرية ومواردها المالية والمادية “.
- مشروع المؤسسة حسب المذكرة رقم 14\159: هو “إطار منهجي وآلية عملية ضرورية لتنزيل وأجرأه البرامج والمشاريع التربوية داخل كل مؤسسة تعليمية، وتنظيم وتفعيل مختلف الإجراءات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعلمات لفائدة التلميذات والتلاميذ مع مراعاة الخصوصيات والرهانات المحلية”.
- مشروع المؤسسة حسب القانون الاطار51.17: هو “الإطار العملي المنهجي الموجه لمجهودات جميع الفاعلين التربويين والشركاء باعتباره الآلية العملية الضرورية لتنظيم وتفعيل مختلف العمليات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعلمات لجميع المتعلمين، والأداة الأساسية لأجرأة السياسات التربوية داخل كل مؤسسة للتربية والتعليم والتكوين الهادفة إلى إصلاحها مع مراعاة خصوصياتها ومتطلبات انفتاحها على محيطها”
- مشروع المؤسسة من خلال المذكرة الوزارية رقم 20\39: هو “أداة أساسية لأجرأة الأنماط التربوية داخل كل مؤسسة تعليمية واستثماره كآلية لتجسيد العمل التشاركي والممنهج من أجل توجيه جهود مختلف الفاعلين والمتدخلين على مستوى المؤسسة التعليمية نحو التطبيق الفعال والناجع للأنماط التربوية وضمان تكافأ الفرص بين مختلف المتعلمات والمتعلمين”.
للإشارة فهذه المذكرة تعتبر من أبرز المستجدات الاستثنائية المتعلقة بالتدابير الاحترازية لجائحة كورونا والمتعلقة بالأنماط التربوية المعتمدة.
ثانيا: مشروع المؤسسة حسب المرجعيات الفقهية
يعتبر مشروع المؤسسة حسب الكاتب “الحسن اللحية” “إطارا ومقاربة وآلية، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والحاجات المحلية للمؤسسة وروادها، ويتشكل من مجموعة من العمليات المرتبطة والمتناسقة والمتكاملة، والمتمحورة حول هدف أو عدة أهداف، والتي يراد بها تحسين فعالية المؤسسة ونجاعة خدماتها والرفع من جودتها”.
في حين يعرفه الكاتب “عبد اللطيف الفارابي” بأنه “خطة أو برنامج متوسط المدى يتألف من أعمال وأنشطة قصدية ذات طبيعة تربوية وبيداغوجية، يشارك في بلورتها وإعدادها وإنجازها وتقويمها مجموعة من الفاعلين المنتمين إلى المؤسسة التعليمية، وفاعلين لهم اهتمام بالتربية تربطهم بالمؤسسة علاقة شراكة، ويتوخى مشروع المؤسسة بالأساس الرفع من إنتاجية المؤسسة وتحسين شروط العمل داخلها، والرفع من مردوديتها التعليمية، ودمجها في محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.
وأما “آلان بوفيي” فينطلق في تعريفه للمشروع من السؤال التالي:” لماذا مشروع المؤسسة؟ إن التوقف عند المقاربة بالمشروع يعود بالأساس إلى الاهتمام بالعمل الجماعي وبالغايات ومعنى عمل المؤسسة: إلى أين نريد أن نسير جميعا؟ إنها المحاولة للحصول على فكرة واضحة لتوجه المؤسسة وعن سياستها وعن قيمتها المشتركة وأخلاقها”.
ويرى “موريس نيفو” من جانبه أن مشروع المؤسسة “يوضح لماذا نشتغل يوميا، أو بشكل عام إن العمل بالمشروع من قبل المؤسسة هو وضع غاية لوظيفية النسق ان على شكل أهداف أو مشروع “.
وبصفة عامة فمشروع المؤسسة هو تقنية حديثة لتحسين التسيير ومعالجة مشاكل المؤسسة، وذلك بوضع استراتيجية لتحقيق أهداف حددتها كل مؤسسة لنفسها وفقا للأهداف الوطنية والنصوص التشريعية الجاري بها العمل من جهة ولخصوصيتها الجغرافية والحضرية ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة ثانية، بحيث يكون التلميذ فيها محور كل الانشغالات ومحل كل الجهود، قصد تحقيق أفضل مردود ممكن، بمشاركة ومساهمة كل أفراد الجماعة التربوية ومختلف المتعاملين مع المؤسسة.
المحور الثاني
مبادئ وأسس مشروع المؤسسة
مبادئ مشروع المؤسسة
كل مشروع وكيفما كان نوعه يتضمن مجموعة من المبادئ التي تحكمه والتي تعتبر مرجعا أساسيا لتحقيق الأهداف والغايات المتوخاة منه ومشروع المؤسسة بدوره له مبادئه الخاصة وهي كالتالي:
- المؤسسة التعليمية هي النواة الأساسية لمنظومة التربية والتكوين لذا ينبغي أن تشكل حاجاتها منطلقا لأي تخطيط تربوي كما عليها أن تلتزم بتطبيق السياسة التعليمية الوطنية وهو ما يفرض على مشروع المؤسسة أن يكون من جهة الآلية التي تجسد توجهات الوزارة ومن جهة أخرى المرتكز الأساسي الذي يساهم في تحديد إستراتيجيتها المستقبلية.
- لكل مؤسسة تعليمية خصوصياتها التي ينبغي أن تنعكس في مشروع المؤسسة من خلال فتح المجال للإبداع والتفكير في حلول جديدة للإشكالات المطروحة.
- مهما اختلفت الوسائل والأهداف المرحلية فإن الغاية المشتركة لجميع مشاريع المؤسسة هي التحسين المستمر لجودة التعلمات لجميع المتعلمين والمتعلمات ونجاح أي مشروع يبقى رهينا بمدى تحقيق هذه الغاية.
- يعتبر مشروع المؤسسة آلية التدبير الشامل والمندمج للمؤسسة التعليمية من خلال اعتماد مقاربة نسقية تتجاوز النظرة التجزيئية للمتشكل إلى نظرة شمولية تجعل المتعلم المحور الأساسي لجميع العمليات التي تجري بالمؤسسة التعليمية خصوصا وبباقي مكونات المنظومة عموما.
- إن مشروع المؤسسة التزام مشترك بين المؤسسة التعليمية التي تلتزم بتحقيق الأهداف المسطرة فيه وبين النيابة الإقليمية (المديرية الإقليمية حاليا) التي تلتزم بتوفير الشروط الضرورية لتحقيق تلك الأهداف ومواكبة المؤسسة لتجاوز الصعوبات الممكنة في جو من المسؤولية المشتركة.
- إن المدرسة شأن مجتمعي يشارك الفاعلون التربويون والشركاء في تدبيره من خلال البلورة الجماعية لمشروع المؤسسة.
- مشروع المؤسسة هو استشراف للمستقبل القريب يقدم حلولا للإشكالات القائمة من خلال الاتفاق الجماعي على رؤية مستقبلية تطل على ما بعد انتهاء سلك تعليمي (3 سنوات على الأقل) يتم التخطيط لتفعيلها من خلال وضع مخطط استراتيجي تنبثق عنه مخططات عمل سنوية.
من خلال تطرقنا لهذه المبادئ فإنا نلحظ أن لمشروع المؤسسة مرجعية مبدئية صلبة ترتكز في الدرجة الأولى على جعل المتعلم محور العملية التعليمية التعلمية وهدفها الأول والأخير وذلك ببناء مؤسسة ذات فضاء تربوي حقيقي واعتماد مقاربة تشاركية تسهم في تفتح المؤسسة على محيطها الاقتصادي.
أسس ومرتكزات مشروع المؤسسة
باعتبار المؤسسة التعليمية فضاء للتربية والتعليم، ومكان لبناء شخصية المتعلم (ة) في جميع أبعادها النفسية والفكرية والاجتماعية والحس-حركية. ينبغي أن تقوم كل مخططاتها على مرتكزات لهذا المبتغى، ينبغي أن يرتكز مشروع المؤسسة كمخطط من مخططات المؤسسة على أسس.
في هذه الفقرة سنقوم بعرض مجموعة من المرتكزات الأساسية التي يقوم عليه مشروع المؤسسة. منها مرتكزات عامة تندرج في إطار التوجهات الكبرى لوزارة التربية الوطنية والمحددة في الميثاق الوطني لتربية والتكوين وكذا البرنامج الاستعجالي وأخرى خاصة والتي أعلنت عنها المذكرة الوزارية رقم 125 المتعلقة بالاستراتيجية الوطنية لتعميم مشروع المؤسسة.
أولا: الأسس العامة
- اعتماد اللامركزية واللاتركيز كخيار استراتيجي يجعل المؤسسة التعليمية نقطة ارتكاز المنظومة التربوية.
- إرساء المقاربة التشاركية والشمولية للشأن التربوي وإدماج منهجية العمل بالمشروع.
- اعتماد مبدأ التعاقد والتدبير بالنتائج.
- اعتماد أدوات التدبير الاستراتيجي للشأن التربوي.
- التنسيق بين مختلف المتدخلين والفاعلين وتحديد مهامهم وتوزيع مسؤولياتهم.
- تبني سياسة القرب للاستجابة لمختلف حاجات المؤسسة.
- جعل مصلحة المتعلمة والمتعلم المنطلق والمنتهى.
ثانيا: الأسس الخاصة
- الشمولية: تغطية جميع مشاريع البرنامج الاستعجالي التي تعني المؤسسة التعليمية بشكل مباشر (الدعم البيداغوجي، الأنشطة الموازية، المكتبات المدرسية، الانفتاح على المحيط، التكوين المستمر……)
- التكامل والانسجام: استحضار التمفصلات بين مشاريع البرنامج الاستعجالي، بالإضافة إلى إمكانيات التدخل بالنسبة للعاملين بالمؤسسة وكذا الفاعلين الآخرين من خارجها (مفتشين، ومصالح إدارية إقليمية وجهوية، وشركاء).
- الوظيفية: اعتماده أنشطة ملائمة وقابلة للإنجاز وقادرة على تحسين المؤشرات والرفع من المردودية التربوية للمؤسسة.
- الانفتاح: مد جسور التواصل والتعاون بين العاملين داخل المؤسسة من جهة وبين هذه الأخيرة وباقي الشركاء والفاعلين الخارجيين والمؤسسات المنتمية لنفس الحوض المدرسي أو المنطقة التربوية.
- التشارك: تجاوز التدبير الفردي للمشروع وترسيخ المقاربة التشاركية (تقاسم الأدوار والمسؤوليات) في جميع مراحل مشروع المؤسسة بين العاملين بالمؤسسة في إطار تفعيل مجالس المؤسسة، مع إشراك فعلي للمتعلمين والانفتاح على فاعلين آخرين من خارج المؤسسة.
- الدينامية: قابلية المشروع للإغناء والتطوير أو الاستغناء عن بعض آليات تنفيذه بناء على المستجدات الحاصلة.
- التوثيق: إعداد تقارير وبطاقات تقنية حول مختلف مراحل المشروع بهدف ترصيد التجارب واستثمارها وتقاسمها.
إضافة إلى ما سبق ومن خلال ما تطرقنا إليه سالفا في المحور المتعلق بمفهوم مشروع المؤسسة يمكن إضافة بعض الأسس من قبيل:
- الخصوصية: لكل مؤسسة مشروعها الخاص مبني على مقاسها الخاص.
- الواقعية: بناء المشروع انطلاقا من الموجود مع تقييم موضوعي للإمكانيات المادية والبشرية.
- المنهجية المحكمة: إعداد خطة محكمة تقوم على منهجية التدرج مع تحديد الأولويات والمسؤوليات.
خاتمة
في محاولة منا لتأطير مشروع المؤسسة من حيث المفهوم و المبادئ وكذا الأسس و المرتكزات نستنتج أن مشروع المؤسسة هو آلية من الآليات الأساسية لتفعيل الحياة المدرسية، و دعامة من دعامات التجديد التربوي، إذ أنه فلسفة تتوخى الرفع من مستوى التعليم والتحصيل لدى المتعلمين و المتعلمات، و السمو بجودة علاقات المؤسسة التربوية بمحيطها السوسيواقتصادي من خلال انخراط كل الفاعلين سواء من داخل الفضاء المدرسي أو من خارجه، في بلورة مشاريع منسجمة مع حاجيات المتعلمين و المتعلمات و المؤسسة وملائمة لانتظارات المجتمع المدني المحلي و الوطني، كما أنه آلية جد فعالة للسمو بالمقاربة التشاركية التي تساهم بدورها في توسيع الرؤى المستقبلية وتنويع مجالات التدخل.
هنا يمكن طرح السؤال التالي: إلى أي حد يصل تدخل الملحق التربوي في مشروع للمؤسسة؟ أو بصيغة أخرى أين يكمن دور الملحق التربوي في بلورة مشروع المؤسسة؟.
التعليقات
التعليقات مغلقة