القصة التاسعة عشر من سلسلة قصصية للكاتب شاكر صبري، رسوم عنايات الجلايلي تنشر حصريا على موقع معين المعرفة. (جميع الحقوق محفوظة ويمنع نسخ القصص ونشرها على مواقع أخرى أو طباعتها).
وجَدَ الفَأْرُ فَرْفورُ نَفْسَهُ قدْ وُلِدَ وَتَرعْرَعَ وَسَطَ مَخْزَنٍ مَليءٍ بالغِلالِ , كانَ المَخْزَنُ كَبيراً جِدَّاً .
تربَّي فيهِ معَ عَدَدٍ كَبيرٍ منْ إَخْوَتِهِ , لمْ يَشْعُروا يَوْماً بالجوعِ ولا بالحِرْمانِ , كانوا يَخْرُجونَ لِلْنُزْهَةِ فَقَطْ ثمَّ يَعودونَ إلَي مَوْطِنِهمْ هَذَا المَخْزَنِ الشاهِقِ المَليءِ بالخَيْراتِ .
وقدْ ظَهَرتْ آَثارُ الراحَةِ وتَوَفُّرِ الغِذاءِ الطَيِّبِ علَي جِسْمِ فَرْفورَ الذي امْتَلَأ حَيَوِيَّةً ونَشَاطاً.

ودَخَلَ صاحِبُ المَخْزَنِ المَخْزَنَ ذاتَ مَرَّةٍ فَوَجَدَ الفِئْرانَ تَدْخُلُ منْ البابِ الخَلْفي الذي كانَ مَفْتوحاً فَقَامَ علَي الفَوْرِ بإغْلاقِهِ .
فحالَ ذَلكَ بينَ حُصولِ فَرْفورَ وإِخْوَتِهِ علَي الكَثيرِ منْ الحُبوبِ ولَمْ يَعُدْ أَمامَهمْ إلاَّ الفُتاتُ الذي يُمْكِنُ أنْ يَسُدَّ رَمَقَهُمْ , منْ ما اضْطَّرَ بَعْضَ إِخْوَتِهِ إلَي البَحْثِ عنْ مَكَانٍ آَخَرَ ليترُكوا فُرْصَةً لفَرْفورَ أنْ يَسْتَمْتِعَ بالمَكانِ والخَيْرِ المَوْجودِ فيهِ .
كانَ يوجَدُ ثقْبٌ صَغيرٌ في البابِ اسْتَطاعوا جاهِدينَ أنْ يَخْرُجوا منْ هَذا الثُقْبِ تارِكينَ المَكانَ لإِخْوانِهمْ , فالطَّعامُ قَليلٌ
عَلِمَ صاحِبُ المَخْزَنِ بَعْدَ ذَلِكَ أنَّهُ لمْ تَزَلْ هُنَاكَ فئِرْانٌ داخِلَ المَخْزَنِ , فَقَامَ بِنَقْلِ كُلِّ الحُبوبِ منْ المَخْزَنِ إلَي مَخْزَنٍ آَخَرَ يَخْلو منْ الفِئْرانِ , منْ ما جعل كُلَّ إِخْوَةِ فَرْفورَ يخرجونَ منْ المَكانِ هَرَباً منْ الجوعِ فَلَمْ يَعُدْ أَمامَهمْ إلَّا ما تَناثَرَ علَي الأَرْضِ , وهذَا لنْ يَكْفي طَعَامَ واحِدٍ منهمْ لِعِدَّةِ أَيَّامٍ .
لمْ يَكْتَفِ صاحِبُ المَخْزَنِ بِذَلكَ بلْ قامَ بإِغْلاقِ المَخْزَنِ إغْلاقاً كامِلاً وسَدَّ كُلَّ الثَغَراتِ المَوْجودَةِ فيهِ .
لمْ يجدْ فَرْفورُ وَسيلَةً لِلْخروجِ فَقَدْ أُغْلِقَتْ جَميعُ منافِذِ الخُروج , وعَلِمَ إِخْوَةُ فَرْفورَ بِما حَدَثَ , فَوَقَفوا علَي الشُبَّاكِ يَنْظرونَ إِلَيْهِ ويُنادونَهُ قائِلينَ : هَيَّا حاوِلْ التَسَلُّقَ والخُروجَ فَهناكَ فَتْحةٌ ضَيِّقَةٌ في الشُبَّاكِ , وسيقومونَ بِمُساعَدَتِهِ في تَوْسيعِ هَذِه الفَتْحَةِ منْ الخارِجِ لِيَسْتَطيعَ الخُروجَ لأَنَّه وَحْدَهُ لنْ يَقْدِرَ علَي ذَلِكَ .
قالَ لهمْ فَرْفورُ : لا تَقْلَقوا سَوْفَ نَجِدُ خَيْراً كَثيراً في الأَيَّامِ القادِمَةِ .
قالوا لهُ : كَيْفَ وقدْ عَلِمَ صاحِبُ المَكانِ بِنا ولنْ يَتْرُكَ فُرْصَةً لِأَحَدٍ لكَيْ يَعيشَ هُنا , لَيْسَ أَمامَكَ إلَّا الاسْتِفادَةُ بِما تَبقَّي منْ قُوَّتِكَ ومُحَاوَلَةِ الهُروبِ منْ هَذَا الثُقْبِ ولنْ يَتِمَّ ذلكَ إلَّا بِمُساعَدَتِنا .
لمْ يَهْتَمَّ فَرْفورُ بِكَلامِهمْ وقالَ اصْبِروا , سيأتي الخير قريباً
انصرفوا جَميعاً وهمْ في غايَةِ الحُزْنِ عَلَيْهِ .
نَفَذَ الغِذاءُ من المخزَنِ ولمْ يجدْ فَرْفورُ شَيْئاً يأْكُلُهُ , وَوَجَدَ نَفْسَهً ضَعيفاً غيْرَ قادِرٍ علَي شَيْءٍ , وهُنا فَكَّرَ في الخُروجِ , ظُلَّ يَقْرِضُ في الفتحَةِ المَوْجودةِ في الشُبَّاكِ منْ أَجْلِ الخُروجِ ولَكِنَّهُ سقط ولمْ يَعُدْ قادِراً علَي الحَرَكَةِ . كانَ يَحْتاجُ إلَي الغِذاءِ الذي سَيُعيدُ إِلَيْهِ قُدْرَتَهُ علَي الحَرَكَةِ والحَياةِ , ولَكِنَّهُ لمْ يَعُدْ يجِدْ شَيْئاً , كانَ إِخْوَتُهُ يَنْظرُونَ إِلَيْهِ وهُمْ يَتَأَلَّمونَ ويَقولونَ وَداعاً فَرْفور ….

ومرَّ الوقتُ , و همْ يَأْتونَ واحِداً تِلْوَ الآَخَرِ لِوَداعِ فَرْفورَ, وأَخيراً وَدَّعَ فَرْفورُ الحَيَاةَ وهُمْ يَبْكونَ في الخارِجِ حُزْناً علَي فِراقِهِ .