المحتويات
تاريخ قصبة دلس
بمجرد ذكر القصبة تتبادر إلى الأذهان قصبة الجزائر العاصمة، لكن في الحقيقة تزخر الجزائر بعدد معتبر من أحياء القصبة موزعة في مختلف أنحاء البلاد، ومنها قصبة دلس الشهيرة والواقعة 75 كلم شرق ولاية بومرداس الشمالية التي تبعد 50 كلم عن العاصمة شرقا.
تصنف هذه القصبة القديمة ضمن قائمة الموقع الأثرية التاريخية، إذ تشير المصادر التاريخية أنها شيدت عام 1086 ميلادي، من قبل معز الدولة أحمد بن محمد بن معن بن صمادح التجيبي آخر حكام طائفة ألمرية في عهد ملوك الطوائف، حيث فر من المرابطين بعد حكمهم الأندلس إلى المنصور فأعطاه أرض تدلس ليعمرها.
ثم استولى عليها أبو عبد الله الحفصي، وعن ذلك يقول ابن خلدون في الجزء السابع من كتابه التاريخي صفحة 128:” كان صاحب بجاية المولى الأمير أبو عبد الله لما استولى عليها وعادت إليه العودة الثانية سنة خمس وستين كما ذكرناه في أخباره، زحف إلى تدلس فغلب عليها بني عبد الواد وأنزل بها عامله وحاميته ثم أظلم الجو بينه وبين صاحب قسنطينة السلطان أبى العباس ابن عمه الأمير أبى عبد الله لما جرته بينهما المتاخمة في العمالات فنشأت بينهما فتن وحروب وشغل بها عن حماية تدلس وألحت عليها عساكر بنى عبد الواد بالحصار وأحيط بها فأوفد رسله على السلطان أبى حمو صاحب تلمسان في المهادنة على النزول له عن تدلس فتسلمها أبو حمو وأنزل بها حاميته وعقد معه السلم وأصهر إليه في ابنته فأجابه وزفها إليه فتلقاها قبلة زواوة بآخر عملهم من حدود بجاية…”
إقرأ أيضا:حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائروبعد استيلاء الإسبان على بجاية سنة 1509م، تحولت دلس إلى قاعدة عسكرية بحرية للأخوان بربروسا عروج و خير الدين لشن هجمات ضد الغزاة واسترداد المناطق المحتلة.
غير أن تاريخ وجودها يعود لأقدم من ذلك، حيث سكنها القرطاجيون أولا ومن بعدهم احتلها الرومانيون وأسموها روسوكوروس في عهد الإمبراطور تيبيريوس كلوديوس قيصر أوغسطس جرمانيكوس الذي حكم الرومان في فترة ما بين عامي 41 و54 للميلاد، وما زالت بعض الأسوار في الجانب الغربي ترمز لتلك الحقبة.
ومع وصول الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة عام 1837م، قام الماريشال بحملة عسكرية ضد السكان وقوبل بمقاومة شرسة تحت قيادة قبيلة فليسة، لكن الغزاة تمكنوا من دخول دلس في شهر مايو/أيار عام 1837م.
تصنيف قصبة دلس
تم تصنيف قصبة دلس العتيقة كقطاع محفوظ بموجب القرار رقم 276 المؤرخ في 18 سبتمبر/ أيلول 2007م، المتضمن إنشاء وتعيين حدود القطاع المحفوظ لمدينة دلس العتيقة ذات القيمة التاريخية والثقافية، من أجل حماية معالمها وما تزحر به من تراث نفيس..
معالم قصبة دلس
اليوم تعد مدينة دلس الساحلية إحدى أجمل المدن العتيقة حيث تضم قصبتين وهما “القصبة العليا” و “القصبة السفلى”، ويمكن الولوج إليها من أربعة أبواب وهي: باب البحر، باب القبائل (الزواوة)، باب البساتين (الجنان)، و باب الجهاد، كما تتمتع المنطقة بإطلالة ساحرة على البحر الأبيض المتوسط.
إقرأ أيضا:تعرف على آداب السفر..يقدر عدد منازل القصبة بـ 250 منزلا، بعضها متجاور والآخر متقابل، تتخللهما الأزقة الممتدة بين الأسوار الحجرية وأسقف القرميد الأحمر والخشب القديم، لتشكل نسيجا عمرانيا إبداعيا بطابعه الهندسي العثماني البسيط، فلا يوجد هناك قصور فخمة، لأن أغلب هذه المساكن أعدت للعامة.
وعلى مساحة 17 هكتارا كانت تتمتع القصبة بالبساتين الغناء حيث تتدفق العيون الجارية بمياهها العذبة النقية، والتي لم يبق من سوى “عين الميزاب” بالقسم السفلي.
لكن البيوت مازالت تحتوي على آبار تستعملها للشرب وسقي المزروعات التي تشكل موردا غذائيا للسكان فضلا عن الصيد البحري، لاسيما مع وجود الميناء القديم أحد أهم المعالم الأثرية التاريخية التي كان لها دورا رئيسا في احتضان نشاط أبناء المنطقة والتأثير في نسقهم الاجتماعي والقيمي .
الجامع الكبير (مسجد الإصلاح)
يقبع الجامع الكبير أو مسجد الإصلاح في قصبة دلس العليا، وقد شيد عام 1847م عوضا عن المسجد العتيق الذي هدمته السلطات الإستعمارية الفرنسية وبنت على أنقاضه المستشفى العسكري عام 1844م.
وفي عام 1932م تم إلحاق المدارس القرآنية المتواجدة بالقسمين السفلي والعلوي من القصبة بالجامع الكبير مثل مدرسة زاوية سيدي الحرفي مدرسة ضريح سيدي يحي.
توسع نشاط المسجد الكبير من الناحية الإصلاحية و الدعوية بفضل جهود كوكبة من العلماء الذين أوفدتهم جمعية العلماء المسلمين للتدريس و الوعظ و الإرشاد أمثال الشيخ حمزة بوكوشة، الشيخ عبد الباقي إسماعيل بن الشيخ الحسين و الشيخ محمود بوزوزو ، و على إثرها أضفيت على المسجد تسمية مسجد الإصلاح كاسم و صفة لازمتين لدوره التربوي و الثقافي .
استمر المسجد في العطاء و تربية الناشئة إلى غاية يوم 21 ماي 2003 و هو تاريخ تضرره و تصدع جدرانه جراء الزلزال العنيف الذي هز ولاية بومرداس.
المدرسة القرآنية سيدي عمار
تتواجد المدرسة القرآنية سيدي بالقصبة السفلى، تم تأسيسها كمدرسة حرة قبل وجود الاحتلال الفرنسي، واهتمت بتعليم الأطفال مبادئ اللغة العربية والدين، ثم اندمجت ضمن المنظومة المسجدية التابعة للمسجد الجامع الكبير في العهد الاستعماري.
زاوية سيدي محمد الحرفي
زاوية أو ضريح سيدي محمد الحرفي ويقع ضمن الجزء السفلي من القصبة، ويعتبر مركزا للإشعاع الفكري والتربوي، حيث ساهم في الحفاظ على الهوية من خلال تعليم القرآن والاهتمام بنشر العلم واللغة العربية وآدابها.
الملاحظ أن هذا الضريح لا يحتوي على قبة كبقية الأضرحة في العالم الإسلامي كما أن بداخله محراب مزین بالبلاطات الخزفیة.
المعلم البونيقي (الجبيسة)
المعلم الأثري”البونيقي” أو كما يعرف “بالجبيسة” يقع بالقسم السفلي للقصبة، هو عبارة عن برج أسطواني يبلغ قطره 3 ,20 م ويصل ارتفاعه إلى 3 أمتار، يمكن بلوغ أعلاه بواسطة درج، يعود تاريخ بنائه إلى الفترة الفينيقية.
جدار الصد
جدار الصد هو سور يحيط بالمدينة ويشكل حاجزا بينها وبين الواجهة البحرية لتظل محصنة، ويبلغ طوله حوالي ألفي متر.
قصبة دلس ترفض التحول إلى أطلال
مازالت قصبة دلس شامخة تمنع ريح النسيان من رمس معالمها وتغيير ملامحها، ومرامها أن تحتفظ بتاريخها الحضاري الذي تحمله تصاميم “دار الجيران”، وتسمو برفعة علو “السقيفة” المظلة لزوارها بحفاوة، ريثما تهديهم ورودا جورية حية وعقود الياسمين الأبيض المهيج بذكرى الأرض الطيبة، أرض الأجداد التي تعيد على مسامع الوافدين أحداث ما تعاقب عليها من حضارات وملاحم، وتروي بفخر سير من سكنها من عظماء خلدوا أسماءهم ببسالة في ميدان شرف مقاومة المحتل، وعلى تحف أثرية بعادات وتراث عريق، أين تهفوا الأنفس للزيارة واستعادة عبق زمن الإيمان الصافي، ولا تودع المكان إلا على أمل اللقاء مجددا تحت تأثير سحر الزمان وجمالية الصورة الأصلية.