عاد لتوه من العمل، يبدو متعبا مرهقا بعض الشيء، يحارب المرض ببدلته التي تبدو بيضاء ناصع لونها، وكمامته الطبية الزرقاء رؤيتها تسر الناظرين، وحذائه الجميل الأخاذ، وفي يديه أكياس لأغراض تخص المطبخ وبعض مواد التنظيف والتعقيم.
وجد زوجته “ريتا” وأبناءه الثلاثة“محمد، نبيل وياسر” في انتظاره خلف الباب الموصد، بدؤوا يسارعون في تقبيل يده لينالوا حصتهم من رضى بطلهم وقدوتهم وكل ما يكنه خاطرهم له من الود والأنس والحنان والحبور، أما عن ريتا فأسرعت لإحضار حذائه المنزلي؛ ثم طبعت قبلة خفيفة على جبينه وأسمى عبارات الحب والعطف والحنان الذي يكنه قلبها لزوجها السيد“رشيد العمري”، بعدئذ جلسوا جميعا رفقة بطلهم حول مائدتهم التي تحمل كل مالذ وطاب من مأكولات وأطعمة شهية لذيذة.
استهلوا عشاءهم وبدؤوا يتبادلون أطراف الحديث، لاسيما روايات البطل ومايعانيه وهو في ساحة القتال ضد العدو اللذوذ “كورونا”، ليلقى البطل نفسه في عياء شديد، عيناه تنسدلان أرقا، فيعتذر لعائلته الصغيرة، ليستسلم للنوم بعد إتمام صلاة فرائضه وورده اليومي و بعض أذكار المساء.
أما عن ريتا والأبناء، فهم لايزالون في المطبخ ينظفون الصحون وبقية أرضية المطبخ وماعلق بها من شوائب، بعدها يقومون بغسل أيديهم بالصابون، وتنظيف أسنانهم بالفرشاة والمعجون، وهم حريصين على عدم إحداث ضجة أو إصدار صوت مزعج خشية تعكير مزاج والدهم. ويغطوا بعدها جميعهم في نوم رحيم، يداعب أجفانهم ويحتضن أفكارهم وقدراتهم ومهاراتهم الصبيانية.
في صباح اليوم الموالي، يستيقظ السيد رشيد على عادته قبيل آذان الفجر، يتوظأ ويصلي بضع ركعات تهجدا لله، راجيا منه المغفرة والرحمة له ولعائلته؛ طالبا منه رفع الوباء وحفظ ذريته وصلاحها، وتحسين خلقها وتنوير صدرها، ثم يوقظ زوجته ريتا؛ لتتكلف هي الأخرى بالمهمة نفسها ، حيث أنها تتوظأ وتقوم للصلاة ثم توقظ صغارها لتجد نفسها منهمكة في إعداد الفطور، وتدعوا الجميع للإنضمام لمائدتها الصباحية، فيتناول السيد رشيد طعام الإفطار رفقة فلذة أكباده الثلاثة وقرة عينه ريتا.
تسارع ريتا لإحضار ملابسه حيث أنها هي من تقوم بانتقاء أرقى وأجود ماجادت به خزانة ملابسه ليرتدي ما أحضرته بثقة، فيضحى أنيقا وسيما، ثم يتبادلان أطراف الغزل والمدح لما يقوم به السيد رشيد؛ وماتقوم به ريتا كذلك، ليودع البطل عائلته وزوجته تلوح له بيدها وقلبها ينبض له، ولسانها يضم الدعاء و رجاء السلامة له.
وبعد بضع دقائق، يقف السيد رشيد بسيارته أمام المستشفى، ثم يلج إلى الداخل البناية الكبيرة ،أين يوجد في الجانب من الطابق الأرضي مكتب الإستقبال الذي تديره شابة يانعة؛ ذات ملامح الشقراء، وعيون زرقاء، تضع أحمر الشفاه وترتدي جينز أزرق صاف، وفي الجانب المقابل هنالك مكتب السيد رشيد، وعلى جانبيه مكاتب زملائه السادة الأطباء، أما عن الجانب العلوي فهو مكان مخصص للمرضى، إذ يضم الغرف والقاعات المخصصة للأمراض الوبائية الخطيرة.
بعد اطمئنان السيد رشيد على المرضى أثناء الفحص حيث يبادرهم بتحية الصباح، يذهب لمكتبه ويرفع سماعة هاتفه ليتصل ويتفقد أحوال بيته، ويوصيهم بالصبر والتصبر والاستبصار، وعدم القلق والقنوط من رحمة الله، وأهم شيء يوصيهم بالعناية اللازمة بدراستهم وتعقيم أيديهم، والتزامهم قواعد الحجر الصحي، ثم يتوجه مجددا إلى قاعة العلاج حيث يخوض معارك ضارية ضد عدو مجهري يستحيل رؤيته، ويأخذ استراحة على الساعة العاشرة ليلا ليعود لبيته متعبا مرهقا على أمل أن يرفع البلاء وينتهي الوباء.