قصيدة الإمام الحافظ ابن رجب في ذم قسوة القلب

قصيدة الإمام الحافظ ابن رجب في ذم قسوة القلب
أفِـي دَارِ الخَـرَابِ تَظـلُّ تَبنِـيوتَعمُـرُ مـَا لِعمـرَانٍ خُلِقـتَ
وَمَا تَركَـتْ لَكَ الأَيَّـامُ عُـذرًا لَقَـد وَعَظَتـكَ لَكِنْ مَا اتَّعَظتَ
تُنَـادِي للـرَّحِيـلِ بِكُـلِّ حِينٍوَتُعلِـنُ إنَّمَـا المَقصُـودُ أنْـتَ
وتُسمِعُـكَ النِّـدَاءَ وأنـتَ لاَهٍ عَنِ الدَّاعِي كأنَّـكَ مـَا سَمِعتَ
وتَعلَــمُ أنَّـهُ سَفـَرٌ بَعِيـدٌوعَن إِعـدَادِ زَادٍ قَـد غَفَلـتَ
تَنَـامُ وَطـالِـبُ الأيَّـامِ سَـاعٍورَاءكَ لاَ يَنَـامُ فَكيـفَ نِمـتَ
مَعـائِـبُ هَـذِهِ الدُّنيَـا كَثِيـرٌ وأنـتَ عَلَـى محبَّتِهَـا طُبِعـتَ
يَضِيعُ العُمـرُ فِـي لَعِـبٍ وَلهـوٍوَ لَـو أُعطِيـتَ عَقلاً مَا لَعِبتَ
فمَا بَعدَ الممَـاتِ سِـوَى جَحِيـمٍ لِعـاصٍ أو نَعِيــمٍ إِن أَطعـتَ
ولسـت بـآملٍ ردًّا لِـدُنيَـا فَتعملُ صَالِحًا فِيمَـا تَـركـتَ
وأوَّلُ مَـن ألُـومُ اليَـومَ نفسِـي فَقَـد فَعَلـتْ نَظَائـِرَ مَا فَعلتَ
أيَـا نفسِي َ أَخـوضًا فِي المَعاصِيوَبعـدَ الأربَعِيـنَ وغِـبَّ سِتَّ
وَأرجُو أَن يَطُولَ العُمـرُ حَتَّـى أَرى زَادَ الـرَّحِيـلِ وقَـد تأتَّى
أيَا غُصنَ الشَّذَاء تَمِيـلُ زَهـوًاكأنَّكَ قَد مَضَى زَمـنٌ وعِشـتَ
عَلِمـتَ فَدَعْ سَبِيلَ الجَهلِ واحذَرْ وَصحِّحْ قَد عَلِمتَ ومَـا عَمِلْـتَ
وَيَا مَن يَجمعُ الأَمـواَلَ قُلْ لِـي أَيَمنَعُكَ الرَّدَى مَا قَـد جَمَعـتَ
وَيَـا مَـن يَبتَغِي أَمـرًا مُطَاعًـا فيُسمَعُ نَافـِذٌ مَـن قـَد أَمَـرتَ
أَجَجْـتَ إلَـى الـوِلاَيَةِ لاَ تُبَالِي أَجِـرْتَ عَلَـى البرِيَّةِ أَم عدَلتَ
ألاَ تَـدرِي بأنَّـكَ يَـومَ صَارَتْإِلَيـكَ بِغَيـرِ سِكِّيـنٍ ذُبِحـتَ
ولَيـسَ يَقُومُ فَرحةُ قَد تَـولَّـى بِتَرحةِ يَومَ تَسمعُ قـَد عُـزِلـتَ
وَلاَ تُهمِـلْ فَـإنَّ الوَقتَ يَسـرِي فإنْ لَم تَغتَنِمْـهُ فَقَـد أَضَعـتَ
تـَرَى الأيـَّامَ تُبلِـي كُلَّ غُصنٍ وَتَطـوِي مِـن سُرُورِكَ مَا نَشَرْتَ
وَتَعلَـمُ إنَّمَـا الـدُّنيَـا مَنـامٌ فَأحلَـى مَا تَكُـونُ إذَا انتبَهـتَ
فَكَيفَ تصدُّ عَن تَحصِيـلِ بَـاقٍ وَبِالفَانِـي وزُخـرُفـِهِ شُغِلـتَ
هِيَ الدُّنيَـا إذَا سَـرَّتـكَ يَـومًا تسُـوءُكَ ضِعـفَ مَا فِيهَا سُرِرتَ
تَغُـرُّكَ كـالسَّرابِ فأنتَ تَسرِي إليـهِ ولَـيسَ تَشعُـرُ إن غُرِرتَ
وَأشهـدُ كَـم أبادَت مِن حَبِيبٍ كـأنَّكَ آمٍـنٌ مِمَّـنْ شَهِـدتَ
وَتدْفِنُهُـم وَتـرجِعُ ذَا سُـرُورٍ بِمَـا قـَد نِلتَ مِن إِرثٍ وَحَرتَ
وتَنسَاهُم وأنـتَ غَـدًا سَتَفنَـى كـأنَّكَ مـَا خُلِقـتَ ولاَ وُجِدتَ
تُحدِّثُ عَنهُم وَتقُولُـوا كَـانُـوا نَعـمْ كَانُوا كَمـاَ واللهِ كُنـتَ
حَدِيثُك هم وأنتَ غدًا حَـدِيثٌ لِغَيـرِهِم فَأحسِـن مَا استطَعـتَ
يَعُودُ المـرءُ بَعدَ المـوتِ ذِكـرًا فَكُن حَسَن الحَدِيـثِ إذَا ذُكِـرتَ
سـلِ الأيَـامَ عَـن عَمْ وخالٍ وَمَالَكَ والسُّـؤالُ وقَـد عَلِمـتَ
ألَسـتَ تَـرى دِيـارهُم خَواءًفَقَـد أنكَرت منهَا مَا عـرَفـت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!