أفِـي دَارِ الخَـرَابِ تَظـلُّ تَبنِـي | وتَعمُـرُ مـَا لِعمـرَانٍ خُلِقـتَ | |
وَمَا تَركَـتْ لَكَ الأَيَّـامُ عُـذرًا | لَقَـد وَعَظَتـكَ لَكِنْ مَا اتَّعَظتَ | |
تُنَـادِي للـرَّحِيـلِ بِكُـلِّ حِينٍ | وَتُعلِـنُ إنَّمَـا المَقصُـودُ أنْـتَ | |
وتُسمِعُـكَ النِّـدَاءَ وأنـتَ لاَهٍ | عَنِ الدَّاعِي كأنَّـكَ مـَا سَمِعتَ | |
وتَعلَــمُ أنَّـهُ سَفـَرٌ بَعِيـدٌ | وعَن إِعـدَادِ زَادٍ قَـد غَفَلـتَ | |
تَنَـامُ وَطـالِـبُ الأيَّـامِ سَـاعٍ | ورَاءكَ لاَ يَنَـامُ فَكيـفَ نِمـتَ | |
مَعـائِـبُ هَـذِهِ الدُّنيَـا كَثِيـرٌ | وأنـتَ عَلَـى محبَّتِهَـا طُبِعـتَ | |
يَضِيعُ العُمـرُ فِـي لَعِـبٍ وَلهـوٍ | وَ لَـو أُعطِيـتَ عَقلاً مَا لَعِبتَ | |
فمَا بَعدَ الممَـاتِ سِـوَى جَحِيـمٍ | لِعـاصٍ أو نَعِيــمٍ إِن أَطعـتَ | |
ولسـت بـآملٍ ردًّا لِـدُنيَـا | فَتعملُ صَالِحًا فِيمَـا تَـركـتَ | |
وأوَّلُ مَـن ألُـومُ اليَـومَ نفسِـي | فَقَـد فَعَلـتْ نَظَائـِرَ مَا فَعلتَ | |
أيَـا نفسِي َ أَخـوضًا فِي المَعاصِي | وَبعـدَ الأربَعِيـنَ وغِـبَّ سِتَّ | |
وَأرجُو أَن يَطُولَ العُمـرُ حَتَّـى | أَرى زَادَ الـرَّحِيـلِ وقَـد تأتَّى | |
أيَا غُصنَ الشَّذَاء تَمِيـلُ زَهـوًا | كأنَّكَ قَد مَضَى زَمـنٌ وعِشـتَ | |
عَلِمـتَ فَدَعْ سَبِيلَ الجَهلِ واحذَرْ | وَصحِّحْ قَد عَلِمتَ ومَـا عَمِلْـتَ | |
وَيَا مَن يَجمعُ الأَمـواَلَ قُلْ لِـي | أَيَمنَعُكَ الرَّدَى مَا قَـد جَمَعـتَ | |
وَيَـا مَـن يَبتَغِي أَمـرًا مُطَاعًـا | فيُسمَعُ نَافـِذٌ مَـن قـَد أَمَـرتَ | |
أَجَجْـتَ إلَـى الـوِلاَيَةِ لاَ تُبَالِي | أَجِـرْتَ عَلَـى البرِيَّةِ أَم عدَلتَ | |
ألاَ تَـدرِي بأنَّـكَ يَـومَ صَارَتْ | إِلَيـكَ بِغَيـرِ سِكِّيـنٍ ذُبِحـتَ | |
ولَيـسَ يَقُومُ فَرحةُ قَد تَـولَّـى | بِتَرحةِ يَومَ تَسمعُ قـَد عُـزِلـتَ | |
وَلاَ تُهمِـلْ فَـإنَّ الوَقتَ يَسـرِي | فإنْ لَم تَغتَنِمْـهُ فَقَـد أَضَعـتَ | |
تـَرَى الأيـَّامَ تُبلِـي كُلَّ غُصنٍ | وَتَطـوِي مِـن سُرُورِكَ مَا نَشَرْتَ | |
وَتَعلَـمُ إنَّمَـا الـدُّنيَـا مَنـامٌ | فَأحلَـى مَا تَكُـونُ إذَا انتبَهـتَ | |
فَكَيفَ تصدُّ عَن تَحصِيـلِ بَـاقٍ | وَبِالفَانِـي وزُخـرُفـِهِ شُغِلـتَ | |
هِيَ الدُّنيَـا إذَا سَـرَّتـكَ يَـومًا | تسُـوءُكَ ضِعـفَ مَا فِيهَا سُرِرتَ | |
تَغُـرُّكَ كـالسَّرابِ فأنتَ تَسرِي | إليـهِ ولَـيسَ تَشعُـرُ إن غُرِرتَ | |
وَأشهـدُ كَـم أبادَت مِن حَبِيبٍ | كـأنَّكَ آمٍـنٌ مِمَّـنْ شَهِـدتَ | |
وَتدْفِنُهُـم وَتـرجِعُ ذَا سُـرُورٍ | بِمَـا قـَد نِلتَ مِن إِرثٍ وَحَرتَ | |
وتَنسَاهُم وأنـتَ غَـدًا سَتَفنَـى | كـأنَّكَ مـَا خُلِقـتَ ولاَ وُجِدتَ | |
تُحدِّثُ عَنهُم وَتقُولُـوا كَـانُـوا | نَعـمْ كَانُوا كَمـاَ واللهِ كُنـتَ | |
حَدِيثُك هم وأنتَ غدًا حَـدِيثٌ | لِغَيـرِهِم فَأحسِـن مَا استطَعـتَ | |
يَعُودُ المـرءُ بَعدَ المـوتِ ذِكـرًا | فَكُن حَسَن الحَدِيـثِ إذَا ذُكِـرتَ | |
سـلِ الأيَـامَ عَـن عَمْ وخالٍ | وَمَالَكَ والسُّـؤالُ وقَـد عَلِمـتَ | |
ألَسـتَ تَـرى دِيـارهُم خَواءً | فَقَـد أنكَرت منهَا مَا عـرَفـت. |
قصيدة الإمام الحافظ ابن رجب في ذم قسوة القلب
22 مشاهدة