قصيدة خل ادكار الأربع لأبي العتاهية مع الشرح

قصيدة خل ادكار الأربع لأبي العتاهية مع الشرح

تقديم

من راوئع قصائد الزهد ما ألقاه الشاعر أبو العتاهية، حيث نظم أبياتا تفيض بأحاسيس الندم والخشية والإنابة، بعد توبة نصوح وحسرة على التفريط وتضييع سنين العمر في اللهو والمجون.

من هو أبو العتاهية؟

إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني ,العنزي (من قبيلة عنزة)، كنيته أبو إسحاق، وشهرته أبو العتاهية، ولد عام 130ه /748م، كان شاعرا حذقا غزير الشعر، إذ ينظم مئات الأبيات في اليوم، ويتسم شعره بالحكمة واللين.

نشأ فقيرا واشتغل ببيع الجرار، ثم لحق ببلاط الخليفة المهدي وقال فيه شعر المدح، كما تغزل بعتية وهي جارية زوجة الخليفة، ولكنها صدته ورفضت الزواج به، ثم تحول في عهد إلى شعر الزهد هارون الرشيد، وخالط أهل العلم والصالحين، فصار حكيما واعظا يصل ما يقوله مباشرة إلى القلوب لبساطته وعذوبته، وقد اتهمه البعض بكلف الزهد، وعدم صدق توبته، وقد يكون محظ تخمين فالله وحده أعلم بالسرائر.

توفي أبو العتاهية في بغداد عام 211 هـ/ 826 م، تاركا وراؤه أخبارا واشعارا تتناقلها الأجيال، منها قصيدة خل ادكار الأربع.

قصيدة خل ادكار الأربع

خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِوالمعْهَدِ المُرتَبَعِ
والظّاعِنِ المودِّعِ وعدِّ عنْهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سلَفاسوّدْتَ فيهِ الصُّحُفا
ولمْ تزَلْ مُعتكِفاعلى القبيحِ الشّنِعِ
كمْ ليلَةٍ أودَعْتَهامآثِماً أبْدَعْتَها
لشَهوَةٍ أطَعْتَها في مرْقَدٍ ومَضْجَعِ
وكمْ خُطًى حثَثْتَهافي خِزْيَةٍ أحْدَثْتَها
وتوْبَةٍ نكَثْتَهالمَلْعَبٍ ومرْتَعِ
وكمْ تجرّأتَ على ربّ السّمَواتِ العُلى
ولمْ تُراقِبْهُ ولا صدَقْتَ في ما تدّعي
وكمْ غمَصْتَ بِرّهُوكمْ أمِنْتَ مكْرَهُ
وكمْ نبَذْتَ أمرَهُ نبْذَ الحِذا المرقَّعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ وفُهْتَ عمْداً بالكَذِبْ
ولمْ تُراعِ ما يجِبْ منْ عهْدِهِ المتّبَعِ
فالْبَسْ شِعارَ النّدمِ واسكُبْ شآبيبَ الدّمِ
قبلَ زَوالِ القدَمِ وقبلَ سوء المصْرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْولُذْ مَلاذَ المُقترِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَرِفْ عنْهُ انحِرافَ المُقلِعِ
إلامَ تسْهو وتَني ومُعظَمُ العُمرِ فَني
في ما يضُرّ المُقْتَني ولسْتَ بالمُرْتَدِعِ
أمَا ترَى الشّيبَ وخَطْ وخَطّ في الرّأسِ خِطَطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَطْ بفَودِهِ فقدْ نُعي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي على ارْتِيادِ المَخلَصِ
وطاوِعي وأخْلِصي واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
واعتَبِرِي بمَنْ مضى من القُرونِ وانْقَضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا وحاذِري أنْ تُخْدَعي
وانتَهِجي سُبْلَ الهُدى وادّكِري وشْكَ الرّدى
وأنّ مثْواكِ غدا في قعْرِ لحْدٍ بلْقَعِ
آهاً لهُ بيْتِ البِلَى والمنزِلِ القفْرِ الخَلا
وموْرِدِ السّفْرِ الأُلى واللاّحِقِ المُتّبِعِ
بيْتٌ يُرَى مَنْ أُودِعَهْ قد ضمّهُ واسْتُودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والسّعَهْ قِيدَ ثَلاثِ أذْرُعِ
لا فرْقَ أنْ يحُلّهُ داهِيَةٌ أو أبْلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو منْ لهُ مُلكٌ كمُلْكِ تُبّعِ
وبعْدَهُ العَرْضُ الذي يحْوي الحَييَّ والبَذي
والمُبتَدي والمُحتَذي ومَنْ رعى ومنْ رُعي
فَيا مَفازَ المتّقي ورِبْحَ عبْدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ وهوْلَ يومِ الفزَعِ
ويا خَسارَ مَنْ بغَى ومنْ تعدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى لمَطْعَمٍ أو مطْمَعِ
يا مَنْ عليْهِ المتّكَلْ قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ من زلَلْ في عُمْري المُضَيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْدٍ مُجتَرِمْ وارْحَمْ بُكاهُ المُنسجِمْ
فأنتَ أوْلى منْ رَحِمْوخيْرُ مَدْعُوٍّ دُعِي

شرح مفردات القصيدة

  • خلّ إدكار الأربع: اترك ودع عند تـذكر المنازل، المعهد: الموضع المألوف، المكان الذي يتعهد به الشيء، المرتبع : المكان الذي يقيم فيه ومنه ربع بالمكان، وكذا المقام الربيع
  • الظاعن المودع: المسافر المفارق بالوداع، عـد عنه ودع: ابتعد عنه واتركه
  •  غمصت بـره: استنقصت إحسـانه.
  • من عهـد المتبـع: من ميثـاق مولاك الذي يجب عليك اتبـاعه.
  • شآبيب: الدفـعـات من المطـر، زخات.
  • ملاذ المقـتـرف : ملجأ المذنب المسيء.
  • المقـلع: المبتعد عـمـا هـو متـلبس به ممـا يستقبـح ومنه المنته عن الذنب.
  •  يـلح: يتراءى ويظهر، الوخط: ظهور الشيب في الرأس، الشمط: إختلاط بياض الشيب بسواد الشعر ، الفود: جانب الرأس مما يلي الأذنين.
  • بـلقع: خـال ومفتقر.
  •  السفـر الألى: المسافرين المتـقـدمين والأوائل.
  •  قيـد ثلاث أذرع: هو قيس بمقـدار ثلاث أذرع.
    العـرض: يوم وقوف الناس لعرض أعمالهم أي محاسبتهم على ما قدموا.
  •  المحتـذي : السائر على طريقة ونهج متبع.
  •  وقي: كفي.
  • الموبـق: المـوقـع في الهـلاك.
  •  شب: أشعل وألهـب.
  • اجترحت: اكتسبت الذنب والخطيئة.
  • مجترم:  مرتكب الذنب.
  • المنسجم: السائل المتوافق.

قصيدة خل ادكار الأربع بصوت عبدالكريم مهيوب

682 مشاهدة

التعليقات

    1. ونعم بالله، على الأرجح القصيدة لأبي العتاهية المولود سنة( 130 هـ/ 747م) حسب النقل، أما محمد الحريري البصري -رحمة الله عليه- المولود سنة (446هـ/ 1054م) فيقال أنه نقلها عنه،
      كما أن له قصيدة مشابهة في النظم ومنها:
      أيَـا مَـن يَـدّعي الـفَهـم….إلِـى كـَم يَـا أخَـا الـوَهــــم.
      تـُعَـبـِّي الـذنـبَ والـذّم…. وتـُخطِـي الخـطـأ الجَــــمّ.
      أمَـا بَـانَ لـكَ الـعـَيـب…. أمَــا أنـذرك الـشـَّيـــــــب.
      وَمَــا في نـُصحِـه رَيـب…. وَلا سَمـعُـك قـَد صَــمّ.
      ومن هنا جاء الشبه بين القصيدتين، والله أعلم وأردى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *