
نظرا لأهمية قضايا النسب ولكونه حساس وأساسي في بناء مجتمع سليم صار لزاما التطرق إليه وتناوله بعناية، حيث شد انتباهي منشور لسيدة تشتكي من عدم نفي النسب مع ثبوت الدليل بالبصمة الوراثية في النفي
وأدركت خطورة عدم وجود ردع أو قانون يحسم هذه القضية.
ولعلمي القليل في هذه الناحية القانونية كنت متوجسا منه ولكنني آثرت التنويه إليه لعل ذلك يفتتح الباب لتداوله والتعامل معه بجدية وبمستوى يرقى لإيجاد صيغة قانونية مناسبة لحل الإشكال وسد هذه الثغرة في القانون الوضعي.
اللعان في الاسلام
لماذا شرع اللعان ؟
عند تاكد الرجل من ثبوت خيانة زوجته، سواء برءية عينية شاهده أو بوسيلة أخري كأن سمعها مثلا في الهاتف تتحدث عن ما حدث بينها وبين غيرها وعدم وجود أربعة شهود، فإن النار تغلي في صدر الرجل الحر ولن يستطيع الصبر وكتم غيظه فإما أن يصاب في عقله او جسده او ربما تطور الامر بقتلها , او تتحول الحياة بينهما الي جحيم لا يطاق ان عاش معها مرغما … أو لم يكن قادرا علي الخلاص منها ..
ناهيك عن الولد الذي يأتي بعد ذلك سوف يموت الرجل الف مرة حين يجد ان امراته اتت له بابن من الزني من غيره إليه، ولهذا شرع الاسلام اللعان حفاظا علي حياة الزوجين …وسلامتهما النفسية والعقلية …
فنزل القران بآيات اللعان كما في سورة النور “ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَاب َأَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامسةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه ُوَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ” (سورة النور:6-10)
هذه الآية الكريمة فيها فَرَج للأزواج وزيادة مخرج، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء، إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أي: فيما رماها به من الزنى …
وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَة اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فإذا قال ذلك بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وحرمت عليه أبدًا، ويعطيها مهرها، ويتوجه عليها حد الزنى، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، أي: فيما رماها به قال تعالي :
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ولهذا قال: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ يعني: الحد، أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ …
جعل الاسلام ذلك لراحة قلب الزوج المهزوم ومخرجا للمرأة الخائنة من العقوبة وهي الموت رجما، أو إن كان واهما تنجو ببراءتها .. كما جاء في الشرع ….وجعل هذه الايمان وسيلة لتأنيب الضمير لعل احدهما ان كان ظالما يثوب الي رشده …
جعل الشرع مثل هذه الامور التي يصعب علي الاخرين الوصول لها لأنها من ادق تفاصيل الحياة الزوجية ومن الصعب ان يبوح احد بها …جعل الامر للزوجين …
وبالتأكيد يعلم الناس أن احدهما كاذب ولكن رخصة ورحمة جعلها الاسلام للزوجين …
إثبات نسب الولد
وبعد اللعان اصبحت الحياة بينهما مستحيلة ويتم طلاقها طلاقا بائنا ولا تعود اليه حتي لو تزوجت غيره …
وينفي نسب الولد الناتج في هذه الفترة عن ابيه … اما الاولاد الاخرون فينسبون اليه حتي ولو لم يكونوا اولاده لأنه لم يلاعن ورضي بها زوجة علي فراشه هذا لأنه لم تكن هناك وسائل علمية تثبيت النسب
وكما قال صلي الله عليه وسلم ” الولد للفراش وللعاهر الحجر … هذا ان لم تكن هناك ملاعنة بأن زنت امراة واقيم عليها الحد … فأولادها كما هم ينسبون الي الرجل وهذا قدره …. لانه هو المسؤول عنها وقد حمل سوءتها ما لم يثبت غير ذلك لأنه لا بديل عن ذلك فلا دليل معه ليركد انهم ليسوا اولاده ….
وسائل العلم الحديث لإثبات النسب
مع تطور العلم في العصر الحديث وجدت اساليب حديثة لتأكيد ونفي النسب ومنها البصمة الوراثية …
إذ ذهبت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية من خلال ندوتها الحادية عشرة المتعلقة بالهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني، المقامة في الكويت في الفترة الممتدة بين 23-25 جمادى الثانية 1419 هـ/ الموافق 13-15 أكتوبر 1998 م إلى أن ” البصمة الوراثية من الناحية العلمية، وسيلة لا تكاد تُخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية، ولاسيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القاطعة التي أخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية.
وقد أَيَّدَ هذا الموقف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، شريطة استيفاء شروطها الكاملة؛ حيث جاء في توصياته أن ” البصمة الوراثية إذا استوفت الشروط الكاملة، واجتنبت الأخطاء البشرية؛ فإن نتائجها تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نَفْيِهَا عنهما، وتصل نتائجُها إلى 99.9%” ….
ومن هذا المنطلق فان استخدام هذه الامور في أي لحظة سواء بعد الميلاد مباشرة أو بعد سنوات طوال … ينفي النسب او يثبته …
وربما حدث فعلا ان الكثيرين تأكدوا من نفي نسب اولادهم لهم بالصدفة بعد سنوات من العمر مرت وهم يعتقدون انهم اولادهم ..
ولا نستطيع ان نصف مدي الالم الذي يدرك قلب الرجل بعد كل هذا العمر يعيش مخدوعا فربما قتل الزوجة او مات كمدا وحسرة
لذلك جعل الاسلام اللعان مخرجا، فضلا عن الدليل العلمي بنفي نسبه وهو يثبت زنا زوجته أيضا …. ..
لم يلزم هنا ان يلاعن الرجل فكل شيء واضح وثابت ….
ولكن يمكن ان نأخذه علي مبدا اللعان …. وينفي نسب الولد ولكن لا يقام الحد علي الزوجة لأنه أمر مضي ومرت عليه سنوات ….ثم ينسب الولد باسم وهمي رحمة به لأنه لن يقبله احد كابن خاصة بعد ان انفضح امره ….
نظرة الي معالجة هذا الامر في بعض القوانين
القانون الايطالي
نصت المادة (35) المعدلة على انه ” للزوج ان يقدم الدليل على ان لا تطابق في الخصائص البيولوجية او فصيلة الدم بينه وبين الطفل الذي يراد اثبات نسبه اليه وله ايضاً اثبات ذلك بأي وسيلة اخرى تنفي رابطة الابوة”، ومعنى ذلك ان المشرع الايطالي قد اجاز الاعتماد على البصمة الوراثية وجعلها من حيث الحجية مقدمة على الحقيقة الشكلية التي تُستمد من مجرد قيام الرابطة الزوجية.
القانون الفرنسي
نصت المادة على أن تحديد هوية الشخص، عن طريق بصمته الجينية، لا يمكن أن يتم، إلا في إطار إجراءات التحقيق، التي تفرضها دعوى قضائية، أو خدمة أهداف طبية، أو علمية في المواد المدنية، ﻓﺈن هذا التحديد، لا يمكن أن يتم، إلا تنفيذا للأمر بإجراء بحث، يأمر به القاضي في دعوى تتعلق بالنسب، وشريطة الموافقة المسبقة للمعني بالأمر. و م(12 ـ16) ونصت على ” أن التحليلات الجينية، لا يمكن أن تتم إلا من جانب أشخاص مقبولين ومسجلين بجدول الخبراء.
القانون الاسباني …..
في الفصل (642) من قانون الاجراءات المدنية الى أنه “يتعين على القضاء و المحاكم تقويم التقارير التي يقدمها الخبراء ولكنهم لا يسألون عن صحة الاستنتاج الذي توصل إليه أولئك الخبراء ” ما يعني اعطاء القضاء سلطة تقديرية مطلقة في تقرير صحة ما يستدل به الخبراء من نتائج في تقاريرهم وواضح ان هذا النص عام يشمل الدعاوى المختلفة ومنها دعاوى النسب كما انه مطلق بكافة مسائل الخبرة والتي من بينها اختبارات البصمة الوراثية.
القانون الجزائري
بتعديله قانون الأسرة بالأمر 05/2 المؤرخ في 07/02/2005,حيث بموجب هذا التعديل اجاز اللجوء الى الطرق العلمية كوسيلة لإثبات النسب وذلك في م (40/2) منه و التي نصت على أنه ” يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لأثبات النسب “، وهذا يعني انه يجوز للقاضي الجزائري اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب أو نفيه فالأمر يصلح في الحالتين كلتيهما.
قضايا نفي النسب ف مصر
أكدت المادة 97 من قانون الأحوال الشخصية، أن للرجل أن ينفي عنه نسب الولد باللعان خلال سبعة أيام من تاريخ العلم بالولادة، شريطة ألا يكون اعترف بأبوته له صراحة أو ضمناً، وتقدم دعوى اللعان خلال 30 يوماً من تاريخ العلم بالولادة.
شروط إثبات إنكار النسب وفقا لقانون الأحوال الشخصية
1- أن تضع المطلقة أو الأرملة مولودها بعد مدة تزيد عن سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة.
2- أن تلد الزوجة طفلها بعد غيبة الزوج عنها مدة تزيد عن سنة.
3- أن تضع الزوجة مولودها فى مدة تقل عن 6 أشهر من تاريخ الزواج الحقيقي، إلا إذا أثبتت أن هناك زواجا عرفيا سابقا على الزواج الرسمي.
4- عدم حدوث تلاقي بين الزوجين منذ عقد القران.
5- ألا يكون الزوج قد أقر بالأبوة، حيث لا يجوز النفي بعد الإقرار.
6- أن يكون الطفل نتيجة زواج غير شرعي «عرفي» ولم يكن هناك شهود.
ومما ينسب الي المحكمة في ردها في احدي قضايا الطعن لمن تقدم بالطعن بعد عدة سنوات من الولادة …… ( أن الطاعن لا ينفي زواجه بالمطعون ضدها بمقتضى عقد شرعي، كما لا ينفي أن ولادة الولد المطعون في نسبه وقع في المستشفى المشار إليه وتقيده باسمه واسم زوجته، وطوال هذه المدة، أي من تاريخ الولادة إلى تاريخ إقامة الدعوى بعد نحو تسع سنوات لم يقدّم أي طعن قانوني في نسب الولد إليه، ما يترتب عليه أن نسب الولد لاحق به شرعاً بالفراش المتوافرة جميع شروطه الشرعية المنصوص عليها في المواد 89 و90 الفقرتين الأولى والرابعة، والمادة 91 والفقرة الأولى من المادة 97 من قانون الأحوال الشخصية، وما دام نسب الولد المتنازع في نسبه ثبت ثبوتاً شرعياً وقانونياً فلا يجوز رفع الدعوى لنفيه عن طريق أخذ عينة من دمهما ومقارنتها بدم الطفل وإجراء التحاليل اللازمة لذلك، لأن المادة 90/4 من قانون الأحوال الشخصية نصت على أنه إذا ثبت النسب شرعاً فلا تسمع الدعوى بنفيه.
وعلي ما فهمت وما وصل الي
ان الامر يحتاج الي ملاعنة بعد ابوع من ولادة المولود …. وما عدا ذلك لا ينفي او يثبت النسب .
وهذا لا يتم الا بعقد صحيح وزواج رسمي
………….. فلماذا لا نرحم الجميع وننسب الولد الي ابيه الحقيقي حتي لو من الزنا طالما ثبت نسبه اليه …. وتأكد من انتمائه اليه ورحمة بالزوج الذي تأبي كرامته ان تنسب اليه من ليس منه ..
وأعلم ان بعض الفقهاء عارضوا هذا …… ولكن اظن انهم لو تريثوا وفهموا الامر جيدا … سيضعون الامور في نصابها الحقيقي …
والله الموفق