مقدمة
فلسطين قلب الأمة الإسلامية النابض، وموطن أولى القبلتين للمسلمين، بها المدينة المقدسة حاضنة المسجد الأقصى مسرى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنطلق المعراج إلى السماء، إنها أرض الوحي ومهد الأنبياء.
مطامع اليهود في القدس منذ القدم
إن هدف اليهود هو الحصول على المسجد الأقصى منذ الأزل، لكن الدولة الاسلامية كانت بالمرصاد لهم، وفي كل مرة تضع حدا لهذه المطامع، ففي زمن مضى كانوا ممنوعين من الاقتراب منه، فكيف بولوجه.
كان اليهود مضطهدين من أوروبا، ولكرم العرب واخلاقهم الطيبة مدوا لهم يد العون واستقبلوهم كلاجئين في ديارهم، غير أنه لم يكن أي خليفة سواء من الأمويين أو العباسيين يسمح لهم بالاستيطان في القدس لمعرفتهم بنواياهم اتجاهه، وعدائهم التاريخي وطمعهم بالعودة إلى أرض فلسطين والاستيلاء عليها وعلى مقدساتها.
القدس حضارة إسلامية
لقد ذكر الله تعالى القدس في القرآن الكريم وسماها بما حول المسجد، ووصفها بأنها مباركة، حيث قال جل وعلا:” سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله” ( سورة الإسراء/ الآية:1).
والرسول -صلى الله عليه وسلم- أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، في رحلة المعجزة التي كانت دليلا آخر على نبوته -عليه الصلاة السلام- وتحديا للمشركين.
وقد خص الله تعالى القدس بالمسجد الأقصى الذي تعدل فيه الصلاة مائتين وخمسين صلاة، لما جاء عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا جميعا”، (رواه الحاكم).
وقد كان أول قبلة المسلمين، لما ذكره البراء بن عازب -رضي الله عنه-:” أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهرا”، (رواه البخاري ومسلم).
وهو من المساجد التي تشد إليها الرحال، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام مسجدي هذا والمسجد الأقصى”، (روازاه البخاري ومسلم).
وجاء في الحديث:” أن المسيح الدجال سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، وأنه يحضر المؤمنون في بيت المقدس فيزلزلوا زلزالا شديدا ثم يهلكه الله تبارك وتعالى حتى أن جذم الحائط أو قال أصل الحائط قال حسن الأشيب وأصل الشجرة لتنادي أو قال تقول يا مؤمن أو قال يا مسلم هذا يهودي أو قال هذا كافر تعال فاقتله قال ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم وتسألون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا وحتى تزول جبال عن مراتبها على أثر ذلك القبض”أ، (رواه أحمد والطبراني في الكبير).
يقتل المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- الدجال قرب بيت المقدس في مكان يسمى لدّ كما ورد في حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- :” يَقتل ابنُ مريم الدجالَ بباب لُدّ ” (رواه مسلم).
الرد على ادعاءات اليهود وشبهاتهم
في القرآن حوار بين الرب سبحانه وتعالى وموسى -عليه السلام- وبني إسرائيل: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم ملُوكًا وَآتَاكُم ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا من الْعَالَمِين يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن ندْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مؤْمِنِين قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا ما دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين” (سورة المائدة/ الآيات من 20 إلى 26)
إن هذا الحوار القرآني يوضح مخالفة القوم لأمره تعالى وعدم امتثالهم لنبيهم، بالعودة إلى الأرض المقدسة “أرض فلسطين”، التي كانوا يسكنونها زمن أبيهم يعقوب -عليه السلام- قبل أن يتركوها ويدخلوا مصر زمن يوسف -عليه السلام- وحل محلهم فيها العمالقة.
ورغم أن موسى -عليه السلام- حذرهم من تبعات عصيان أمر الله تعالى وأنهم إن لم يفعلوا ما أمروا به سينقلبون خاسرين، فقد تجاسروا على الله تعالى وكليمه عليه السلام، فما كان منه تعالى إلا أن عاقبهم بالتيه أربعين سنة، حتى مات آخر هؤلاء العُصاة، ونشأ من بعدهم جيل آخر دخل أرض فلسطين على يد يوشع بن نون، الذي خلف بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وبعد مدة بعث الله لهم طالوت ملكًا، الذي حارب والمؤمنون معه من العماليق بقيادة جالوت، ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (سورة البقرة/الآية: 251)، وتكونت مملكة بني إسرائيل في بلاد الشام كلها، وليس فقط في غربها “أرض فلسطين”، على يد نبي الله داود- عليه السلام-.
جاء في سورة الأعراف وصفًا لحال بني إسرائيل بعد أن بُعث فيهم النبي الملك داود. يقول تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: 137].
قال الإمام الطبري في تفسير الآية: “يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيرًا واستعبادًا من بني إسرائيل مشارق الأرض الشام، وذلك ما يلي الشرق منها، ﴿وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتًا دائمًا لأهلها. وإنما قال جل ثناؤه: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة”.
الملحوظ هنا تغير الصياغة التعبيرية بين دعوة موسى -عليه السلام- الأولى لهم لدخول الأرض المقدسة، بقوله تعالى: ﴿كَتَبَ﴾، وتقرير حالهم بعد عقوبتهم ثم مبعث داود بقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾. فما الفرق بين “كتب” و “أورث”؟
كتب في العربية أصلها من كتب البعير أي قيّده، ثم استخدمت الدلالة المعنوية للكلمة وغلبت على الدلالة الحسية، حتى لم يعد يعرف الدلالة الحسية للكلمة إلا قليل. وفي “المصباح المنير” كتب أي حكم وقضى وأوجب.
و(كتب) تُستخدم لتقرير أبدية الحكم ما لم يُنسخ، فنجد الأحكام القرآنية تستهل عند تقريرها بـ ﴿كُتِبَ﴾، مثل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] و ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقصَاصُ﴾ [البقرة: 178] و ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: 216]. والله تعالى يخبر عن نفسه ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: 54].
فأي تقرير يبدأ بـ﴿كَتَبَ﴾ أو ﴿كُتِبَ﴾ فهو حكم أبدي ما لم يُنسخ، كآية الوصية ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين﴾ [البقرة: 180]، والتي يكاد يجمع العلماء على أنها نُسخت بآيات المواريث.
وكذا الحال في ما يخص حكم الأرض المقدسة بالنسبة لبني إسرائيل، فقد نُسخ حكم كتابتها لهم، والنصوص القرآنية تؤكد أنهم انقلبوا خاسرين، عقابًا على عدم امتثالهم لأمر الله وأمر نبيهم موسى، وأنه حتى بعد أن نشأ منهم جيل آخر استجاب وحارب العماليق، فقد وهبهم الله تعالى كامل أرض الشام وليس غربها المقدس فقط، ولكنها كانت ميراثًا، والميراث يدور بين الناس، ولا يبقى حكمًا أبديًا لأحد.
اما عن بناء يعقوب -عليه السلام- للمسجد الأقصى لا يعني أنه ميراث يهودي، وأنهم أحق بالمسجد من المسلمين حيث إن يعقوب -عليه السلام- يقاسم المسلمين عقيدة التوحيد، وأسس المسجد لكل للموحدين منعه ومن بعده، وهم أشركوا وبدلوا دين الله الصحيح، وقد قال تعالى:” إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين”، ( سورة الأعراف/ الآية: 128 ).
وتشير بعض المصادر التاريخية والدراسات أن أول من سكن فلسطين هم الكنعانيون قبل الميلاد بستة آلاف سنة، وهم قبيلة عربية قدمت إلى فلسطين من الجزيرة العربية وسميت فلسطين بعد قدومهم إليها باسمهم، أما اليهود فكان أول دخولهم فلسطين بعد دخول إبراهيم -عليه السلام- بما يقارب ستمائة عام، أي أنهم دخلوها قبل الميلاد بحوالي ألف وأربعمائة عام، فيكون الكنعانيون قد دخلوا فلسطين وقطنوها قبل أن يدخلها اليهود بما يقارب أربعة آلاف وخمسمائة عام.
وعليه فلا حق لليهود بأرض فلسطين حسب النصوص الدينية وهذا وحدة كاف ودليل قاطع، ولو أن المصادر التاريخية والجغرافية توقع على ذلك طوعا.
خاتمة
فيلم الاستمرار في الكذب على العالمين يا بني إسرائيل؟! لم يكن غلا مادة سيئة الإخراج، فعرقكم الدساس ما زال حيا ولم تجف دماؤه كما اجترح الآباء من آثام وأرجلهم لم تجف من ماء البحر بعد .
ويستمر الغي والظلم بتواطئ عالمي، وصمت حكومي عربي، ويجد الصهاينة الطريق معبدا ليمضوا بخطى متسارعة في واد الأطفال والنساء، وتسويد شيبة الشيوخ، بدعوى استرداد حق مزعزم في أرض طاهرة لن يهنأوا على شبر منها بأمر إلهي، إن القضية أبعد من أن تكون ميراثا أو أرضا متنازع عليها، إنها حرب عقيدة، ودفاع عن مقدسات أمة الإسلام، أمة يستحيل أن تموت، إنه أقصانا لا هيكلهم.