قل للمليحة.. الإشهار براءة اختراع عربي

قل للمليحة.. الإشهار براءة اختراع عربي

تقديم

تنوعت طرق الإشهار وتعددت مصادره خاصة في عصر التكنولوجيات الحديثة وتطور وسائل الإعلام حيث صار التلاعب بالصورة والصوت مباحا لإعداد تصاميم جدابة تجلب إهتمام الجمهور، ولكن هل تعلم أن أول إشهار في التاريخ هو من ابتكار العرب، وعلى رغم بساطته وإعتماده على أبيات شعرية فحسب كان من أروع الإشهارات التي تنم عن روح الإبداع وسرعة البديهة والفصاحة العربية وسحر بيانها.

أول إشهار في التاريخ

فأبيات الشاعر ربيعة بن عامر التميمي الشهير بمسكين الدارمي في وصف حال الزاهد المتعبد مع المليحة صاحبة الخمار الأسود كانت في منتهى البلاغة والعذوبة، لها وقع في النفوس ورسوخ في الذاكرة حتى أن هناك من حفظ هذا الشعر من أول مرة سمعه لخفته وسلاسته، ولهذا النظم الجميل قصة لطيفة تناقلتها عدة مصادر من بينها كتاب العقد الفريد من تأليف ابن عبد ربه الأندلسي  حيث جاء فيه:

ذكر الأصمعي : أنَّ تاجرًا عراقيًّا قَدِم المدينة بتجارةٍ من خُمُر ( جمع خمار )، فباعها كُلَّها إلَّا السُّود، فَشَكَا ذلِكَ إلى الدارمي، وكان قد تنسَّكَ وترك الشِّعر ولَزِمَ المَسْجِد، فقال: ما تجعل لي على أن أحتال لك بحيلةٍ حتى تبيعها كُلَّها على حكمك؟

قال : ما شئت .

قال: فَعمد الدارمي إلى ثيابِ نُسكه فألقاها عنه، وعاد إلى مِثْلِ شأنه الأول، وقال شِعرًا، ورفعه إلى صديقٍ له من المُغنين فغنَّى به ، وكان الشِّعر:

قال: فَعمد الدارمي إلى ثيابِ نُسكه فألقاها عنه، وعاد إلى مِثْلِ شأنه الأول، وقال شِعرًا، ورفعه إلى صديقٍ له من المُغنين فغنَّى به ، وكان الشِّعر:

قُلْ للمَليحَةِ في الخِمارِ الأسودِماذا فَعَلتِ بِزاهِدٍ مُتَعبِّدِ
قَد كان شَمَّرَ للصلاةِ إزارَهُحَتى قَعَدتِ لَه بِبابِ المَسجدِ
رُدِّي عَلَيهِ صَلاتَهُ وصيامَهُلا تَقتُليهِ بِحَقِّ دِينِ  مُحَمَّدِ

فَشَاعَ هذا الغِناء في المدينة، وقالوا: قد رجع الدارمي وتعشّق صاحبة الخمار الأسود.

فَلَم تَبْقَ مليحة بالمدينةِ إلَّا اشترت خمارًا أسودًا!

فيقول: ستعلمون نبأه بعد حين.

فلمَّا أنفذ العراقي ما كان معه، رجع الدارمي إلى نُسكه ولبس ثيابه!.

المليحات بأخمر ملونة في الشعر العربي

كانت أبيات مسكين الدارمي مصدر إلهام لبعض الشعراء منها:

 أبيات الشاعر العباسي كشاجم أبو الفتح محمود بن الحسين بن ابراهيم بن السندي توفي عام 360 هـ يقول فيها:

قُلْ لِلْمَلِيْحَةِ فِي الخِمَارِ الأكْحَلِكَالشَّمْسِ مِنْ خَلَلِ الغَمَامِ المُنْجَلِي
بِحَيَاةِ حُسْنِكِ أَحْسِنِي وَبِحَقِّ مَنْجَعَلَ الجَمَالَ عَلَيْكِ وَقْفَاً أَجْمِلِي
لاَ تَقْبَلِي قَوْلَ الوُشَاةِ فَإِنَّنِي
إِنِّي اُعِيْذُكِ أَنْ يُكَدِّرَ آخِرٌ
لَمْ أُصْغِ فِيْكِ إِلَى مَقَالِ العُذَّلِ
بِمَقَالَةِ الوَاشِيْنَ صَفْوَ الأَوَّلِ.

وعلى نهج الدارمي أنشد القاضي التنوخي الحسن بن علي بن محمد المتوفى عام 384هـ في ذات الخمار المذهب:

قُلْ لِلْمَلِيحَةِ فِي الْخمَاِر الْمُذَهَبِ   أَفْسَدْتِ نُسُكَ أَخِي التَّقِّيَّ الْمُتَرَّهِّبِ
نُورُ الْخِمَارِ وَنُورُ خَدِكِ تَحْتَهُ    عَجَبًا لِوَجْهِكِ كَيْفَ لَمْ يَتَلَّهَّبِ 
وَجَمَعْتِ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَلِمْ َيُكُنْلِلْحُسْنِ عَن نَهْجَيْهِمَا مِن مَذْهَبِ.

أما منتجب الملك محمد بن أرسلان المتوفى عام 534هـ، فقد قال في صاحبة الخمار الأحمر:

قُلْ لِلْمَلِيحَةِ فِي الْخمَاِر الْأَحْمَرِلاَ تَجْهَرِي بِدِمَائِنَا وَتَسَتَرِي
مُكِّنتِ مِنْ حُبِ الْقُلوبِ وِلَاَيةَفَمَلَكْتِهَا بِتَعَسُفٍ وَتَجَبُرِ
إنْ تُنْصِفِي فَلَكِ الْقُلُوبُ رَعِيَةً
سَخَّرْتِنِي وَسَحَرْتِنِي بِنَوَاِفثً
أَوْ تَمْنَعِي حَقًا فَمَنْ ذَا يَجْتَرِي
فَتَرَفَّقَي بِمُسَّخَّرٍ وَمُسَّحَّرِ.

وما أكثرها الأبيات الجميلة في الشعر العربي لذوات الخمر على إختلاف ألوانها، زرق وخضر وبيض وغيرها.

542 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *