تقديم
لقد سبق الذكر أن المشروع الفلسفي والفكري للمفكر محمد عابد الجابري المتعلق بقراءة التراث العربي الإسلامي،يعد من أهم المشاريع التي اشتغلت على قراءة التراث، فهو من ابرز المفكرين المعاصرين متابعة و قراءة واشتغالا على التراث العربي الإسلامي بمعارفه وقطاعاته المتعددة والمختلفة، سواء تعلق الإشكال بمستوى الآليات التي أنتجت هذا التراث ،أو على مستوى المفاهيم والمصطلحات المحمولة في هذه الآليات.
وقد تجسد هذا المشروع وبالأخص في كتابه” نحن والتراث”
–قيمة كتاب “تحن والتراث”في قراءة التراث
إن عددا كبيرا من المفكرين لم يكونوا على معرفة مسبقة بالمفكر محمد عابد الجابري إلا بعد اطلاعهم على كتابه “نحن والتراث” [1] ،وعلى المنهج الجديد الذي اختاره وتفرد به في قراءته للتراث،ومن ثم لا نجازف أو نختلف إذا قلنا إن من ضمن الدراسات والكتب التي تركها المرحوم كتاب “نحن والتراث” فهذا الكتاب شكل نقطة انطلاق في بداية المشروع الفكري والفلسفي للدكتور محمد عابد الجابري ،إذ قدم هذا الكتاب قراءة ونظرة جديدة للتراث وللخطاب الفلسفي في الإسلام تختلف هذه القراءة عما كان سائدا ومألوفا ومعهودا بين المثقفين في قراءة التراث العربي الإسلامي ،بحيث رفض التنكر أو التقاطع مع التراث ،كما رفض اختيار التمجيد والاحتفاء المزيد فيه الذي اختاره كثير من الدارسين في تعاملهم مع التراث وعليه تحول عندهم ابن خلدون رائدا ومؤسسا لعلم الاجتماع قبل دركايم ، وابن سينا سباقا على فرويد في اكتشاف اللاشعور إنها تنائيه السابق واللاحق التي يعارضها محمد عابد الجابري بالمرة.
إنها قراءة برؤية جديدة تستمد مقوماتها ومكوناتها من التاريخ ،وتقدم تفسيرا جديدا للتاريخ، إضافة إلى نقده للمناهج المتداولة في دراسة التراث .
إن هذا الكتاب –نحن والتراث -يسعى إلى الإعلان عن مشروع جديد في قراءة التراث العربي الإسلامي ،وهو الكتاب الذي أعطى للمسيرة الفكرية للجابري نقطة الانطلاق وتحول في البحث المستمر عن الإشكالات الجديدة والكبرى المطروحة في الفكر العربي المعاصر.
إن الخطاب المحوري في الكتاب-نحن والتراث- هو الدعوة الصريحة إلى إتمام ما بدأه ابن رشد وابن خلدون و ابن حزم و الشاطبي في الأندلس ،وابن خلدون في المغرب ،بحيث لا يمكننا أن نتجاوز التأخر التاريخي إلا بانجاز هذا المشروع النقدي للتراث بالتخلي عن التمجيد المبالغ فيه.
إن الحداثة في نظر الجابري لا تعني رفض التراث أو التنكر له،ولا القطيعة معه ،بقدر ما تعني الارتفاع في طريقة التعامل مع التراث ،والدخول والتفاعل مع هذا التراث وفق حاجيات ومتطلبات العصر والمرحلة الراهنة- اعني مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العالمي، و بعبارة أوضح عملية الانتظام النقدي في الثقافة العربية الإسلامية[2]–
[1] -طبع كتاب “نحن والتراث” لمحمد عابد الجابري عدة طبعات أبرزها الطبعة السادسة التي اشرف عليها المركز الثقافي العربي 1996.
[2] -التراث والحداثة :دراسات ومناقشات للدكتور محمد عابد الجابري ك:34