لماذا البكاء بعد الرحيل؟

لماذا البكاء بعد الرحيل؟

هل يبكي الناس من ألم الفقد حقا، أم أنه بكاء على التفريط والتحسر على مافات ندما وأسفا عميقا، قد يستحيل نسيان تفاصيل مؤذية تبقى عالقة في الذاكرة من تراكم الأحداث، تؤجج المشاعر وهي تتغلغل بين الوجدان اليائسة بلا هوادة؟.. العجز عن إيجاد إجابات مقنعة أو بالأحرى تبريرات واهية لأفعال قاسية وردود جافية في حق الراحلين يرهق النفس، ويعيد ملء كأس الفراق بمرارته مرات لا حصر لها.

كثيرون من يذرفون الدمع ويفتقدون الفرصة الجديدة للتراجع والاعتذار عن الإساءة أو التقصير، وذاك وجع متعب أكثر من باقي الأوجاع، فتتباهى الحسرة بتمزيق القلب وزيادة نزيف الجراح عنوة، من غير إيجاد سبيل للشفاء ولو بعد حين.

فعلام إذن التناحر والضغينة؟، لماذا الاستسلام للخلافات والأحقاد الدفينة؟، كيف ينال الإهمال واللامبلاة الحصة الأكبر من العلاقات؟، ومن غير خشية تقطع الأرحام وتضيع الحقوق، تجرح الأحاسيس وتبخس النفوس، وبعد فوات الأوان يظهر التأسي والتحسر على ما مضى، وتسيل عبرات الندم على ما كان يجب أن يكون ولم يكن.

في لحظة غير متوقعة قد يأتي الرحيل الأخير، وعلى حين غفلة يختطف الأهل والأحباب في هالة من الفجأة والذهول، وتهمين حالة العجز والحيرة على الموقف، فتجلس عذابات الروح على سجاد العزاء تبتهل وتترجى لعل للزمن عودة للوراء ولو للحظات.. ولكن هيهات أن تستقيم الفلتات البغيضة الرعناء التي وصمت الماضي وبقيت مجبولة على الكراهية والشحناء.

طلب المغفرة من الرحمن، وطلب العفو من الإنسان، ورد المظالم وإبراء الذمة يكون حال الحياة التي قد تنتهي بغتة ومن غير سابق إنذار، فلم المكابرة والتأجيل إلى المجهول.

لن يبقى سوى صدى الزجر، وأراجيز الصد، وخواطر فارقت الدنيا مكسورة لتخلف حملا ثقيلا وسمه التهميش والتجاهل، والاستنقاص بحجج واهية أو استعلاء مقيت.

لن ينفع الندم على عمر خلا من طيب الكلام والمدح المباح وشكر وعرفان، ولن يعيد ما ضاع ألف اعتذار وأجمل الهدايا المرصوصة على مذابح القلوب البريئة التي لم تكن تبحث سوى عن العبارات الجميلة الرقيقة وأنبل المشاعر، فبعد الرحيل انتهى كل شيء، ولم يعد هناك متسع لقول أو فعل المزيد..

وليسارع المرء لاستغلال فرصة الحياة قبل ضياعها، ويصبح في يا ليته كان أو ما كان، لأن أنهار الدمع لن تكفي لغسل خطايا الجحود والهجران، ولن تخفف آلام الأرواح الراقية..

297 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *