القصة الخامسة من سلسلة قصصية للكاتب شاكر صبري، رسوم آلاء مرتيني، تنشر حصريا على موقع معين المعرفة. (جميع الحقوق محفوظة ويمنع نسخ القصص ونشرها على مواقع أخرى أو طباعتها).
ماهرُ تِلميذٌ ذَكِيٌّ، ومُتَمَيِزُ في دَراسَته، ومَحْبوبٌ مِن زُمَلائِهِ، ومَعَ ذلكَ كانَ ماهراً في لُعْبةِ كُرةِ القدمِ ، ومَعروفاً بينَ زُملائِهِ بذلكَ، والكلُّ يتَمنَّى أنْ ينْضمَّ ماهرٌ إلى فريقِهِ .
ولِحُبِّهِ لِكُرةِ القَدَمِ اشْترَى لَهُ والدُه كُرَةَ قَدَمٍ جَديدةً لِيَلْعَبَ بِها مُبارياتَهُ الخاصَّةً بِهِ مَعَ زُملائِهِ .احْتَفَظَ بِها ماهرُ مُدَّةً طويلةً دونَ أنْ يَلْعَبَ بهِا .
وذاتَ يَوْمٍ احْتاجَ إِلَيْها لِيَلْعَبَ بِها مُباراةً معَ الأَصْدِقاءِ فَذَهَبَ إلى المَنْـزِلِ لِيُخْرِجَها لكَيْ يَلْعَبَ بِها هُو وزُملاؤهُ ، وأَثْناءَ لَعِبِهِ بِها وَجَدَ أَنَّها تَطيرُ في الهَواءِ بِمُجَرَّدِ أنْ يَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيها , حَيثُ كانَتْ الكُرَةُ تَنْطَلِقُ إلىَ مَرْمَى الخِصْمِ بِسُرْعَةٍ فائقَةٍ بِمُجَرَّدِ أنْ يَقْذِفَها ماهِرُ بِقَدَمِهِ ، وهيَ تَمُرُّ منْ بينِ اللاعبينَ بأُعْجوبَةٍ .
أَكْمَلَ ماهرُ بها مُبارَياتهِ معَ زُملائِهِ، وحَقَّقَ فَوْزاً مُبْهرِاً ، ولكنهمْ لمْ يعْرِفوا سرَّ ذلكَ النجاحِ , بلْ أَطْلَقوا عَلَى ماهرٍ لَقَبَ البَطَلَ , لمهارَتِهِ الفائِقَةِ ، وإنْ كانَ أَداؤهُ قبلَ ذلك ممتازًا إلاَّ أنَّهُ في هذِه المُبارياتِ الأَخيرَةِ كانَ أفضلَ وأفْضَلْ ، وفَهمَ ماهرُ أنَّ كُرَتَهُ هذهِ غَيرَ تَقْليديَّةٍ، إِنَّها تَطيرُ وَحْدَها وتَطيرُ صَوْبَ المَرْمى؛ ولِهَذا فَقَدْ قَرَّرَ أَنْ يَلْعَبَ بِها كُلَّ مُبارياتِهِ معِ أَصْدقائهِ، خاصةً وأنَّ دَوْري المَدارسِ علَى الأَبوابِ , ولأَنَّ كُرَتَهُ كانَتْ مَصْنوعَةً منْ الجِلْدِ الخالِصِ، وكانتْ جَميلَةَ المَنْظَرِ ومَصنوعَةً طِبْقاً لِلْمُواصفاتِ الدَوْلِيَّةِ لِكُرَةِ القِدمِ ، فَقَدْ قَرَّروا أنْ يَلعَبوا بِها مُبارياتهِمْ ، وطَلَبَ مِنْهُ المَسْئولونَ عَنْ دَوْري كُرَةِ القَدمِ أنْ يتَمَّ اللَعِبُ بهذهِ الكُرَةِ ، فَوافَقَ علَي ذلكْ ، ولكِنْ بشَرْطِ أنْ يَسْتعَيدَها ماهرُ بَعْدَ الانْتِهاءِ منْ دَوْري المَدارِسِ .
وبَدَأ الدَوْري ، وكانَ ماهرُ لامِعًا بينَ زُملائهِ، وانْتَهى الدَوري وحَصَلَ فَريقُهُ على كَأْسِ دَوْري المَدارسِ ، وحَصَلَ ماهِرُ على جائِزَةِ أَحْسَنِ لاعِبٍ في الدَوْرةِ .
لاحَظَ الكَثيرُ منْ زُملائِهِ أنَّ هُناكَ سِرًّا في تَمَيُّزِ ماهرِ ، و لَكِنَّهمْ لمْ يعْرِفوا ما هوَ السِرُّ ؟ . بَحَثوا كَثيراً حتَّى عَلِموا أنَّ السَبَبَ في تَمَيُّزِهِ هُوَ كُرَتهُ الطائرةُ ؛ ولِهَذا قَرَّروا خَطْفَها ، لكَيْ يَقوموا بَعْدَ ذَلِك بتمزيقها ؛ لأنَّهُمْ لَنْ يَسْتَطيعوا الاسْتِفادةَ
مِنْها .
وفِعْلاً اسْتِطاعوا سَرِقَةَ الكرة ، ولَكِنَّهُمْ فوجِئوا في اليَوْمِ التالي أَنَّها غَيْرُ مَوْجودَةٍ وأَنَّها قَدْ عادَتْ إلىَ ماهِرٍ , فَظَنُّوا أنَّ ماهرَ هُوَ الذي خَطَفَها منْهُمْ ثانِيَةً , فَقَاموا بِخَطْفِها مَرَّةً ثانِيَةً , وقامَ أَحَدُهُمْ بِوَضْعِها في حُجْرَتهِ ، وظَلَّتْ مَعَهُ طُوالَ اللَيْلِ، وفي صَباحِ اليومِ التالي وَجَدها عنْدَ ماهرٍ , تعَجَّبوا كَثيرًا منْ هذِه الكُرَةِ الطائرِةِ وعَلِموا أَنَّها مَسْحورةٌ ؟ وتَساءَلوا مِنْ أَيْنَ حَصَلَ علَيها ماهرُ ؟
ولَكِنَّهُمْ قَرَّروا في النِّهايةِ أنْ يُمَزِقوها إِرَبًا إِربًا .
أمَّا ماهِرُ فَقَدْ اشْتَرى كُرَةً أُخْرى شَبيهةً لِكُرَتهِ، وبَدَأ يلْعَبُ بِها وأَخْفى هذِه الكُرَةَ .
وأَثْناءَ المُباراةِ قامَ الأَصْحابُ وسَرَقوا هذهِ الكُرَة ، وقاموا بِتَمْزيقِها إِرَباً أَمامَ ماهَرْ ، غَضِبَ ماهِرُ غَضَبًا شَديدًا لِذلكَ ؛ مُدَّعِيًا أنَّ هذهِ الكُرَةُ تُمَثِّلُ قيمَةً عَظيمةً لَدَيْهِ ، ولَمْ يُعْلِمَهُمْ بما حَدَثَ ، ولَكِنَّهمْ عَوْضُوهُ عَنها بِضِعْفِ ثَمَنِها ، وقَبِلَ ماهِرُ ذَلكَ حتَّي يُكْمِلَ الخِدْعَةَ . وبِذلكَ تَأَكَّدوا أنَّ الكُرَةَ قَدْ تَمَزَّقَتْ .
وطَلَبوا جَميعاً إِقامَةَ دَوْري آخرَ لكرة القَدَمِ ، وأقيمَ دَوْري كَبيرٌ بينَ جَميعِ التلاميذِ ، ودَخَلَ ماهرُ المُبارياتِ, ولَعِبَ بِكُرَةِ الإِدارَةِ التَعْليميَّةِ , واتَّفَقَ ماهرُ معَ أَحدِ أَصْدقائهِ بأَنْ يُبَدِّلَ الكُرةَ التي يَلْعَبُ بِها بِكُرةِ ماهرٍ السِحْرِيَةِ أَثْناءَ المُباراةِ في حالة خروج الكرة من الملعب دونِ انْ يشعرَ أَحَدٌ بذلكَ .
وفوجِئَ الجَميعُ بِتَمَيُّزِ ماهرٍ المُبْهرِ ، وَحصَلَ فريقُ ماهرٍ علَى دِرْعِ الدَوْري ، و حصَلَ ماهرُ علَى جائِزَةِ أَحْسَنِ لاعِبٍ في الدَوْري .
وأَصْبَحَ الجَميعُ يتحدثُ عن كُرةِ ماهرٍ الطائرةِ ، وما سِرُّ طَيَرانِها، ولماذا تَكونُ كذلكَ معَ ماهرَ فَقَطْ ؟! وقالوا : إِنَّها كُرَةٌ مَسْحورَةٌ ، وقَرَّروا أَنْ يَمْنعوا ماهِرًا منْ اللَعِبِ بِها ، وقَرَّرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقومَ بِتَمْزيقِها أَمامَ الجَميعِ , حتَّى لا تكَونَ سَبَباً في تَفَوُّقِ ماهِرَ الدائمِ .
جَلَسَ ماهِرُ يُفَكِّرُ ثمَّ قالَ : لَقَدْ عَرِفَ الجَميعُ أَنَّ سِرَّ نَجاحِي هُوَ كُرَتي الطائِرَةُ ، إنَّ هَذا يُؤلِمُني جِدًّا ، وأَنا أُحِبُّ أَنْ أَعْتَمِدَ علَى نَفْسي ، فَقَرَّرَ ماهرُ أَنْ يَقومَ بِإْهداءِ هَذهِ الكُرَةِ إلَى إِدارةِ المَدْرَسةِ لِتكَونَ لِلْجَميعِ ، وبِشَرْطِ أَنْ لا يَلْعَبَ بِها بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّ مُباراةٍ خاصَةٍ لَأنَّ مَفْعولَها السِحْريِّ يَظْهَرُ مَعَهُ فَقَطْ ، وأَخَذَ الكُرةَ مَعهُ أَثْناءَ توَجُهِهِ لِلْحُصولِ عَلَى كَأْسِ أَحْسَنِ لاعِبٍ في الدَوْرةِ لكَيْ يَقومَ بِإِهْدائِها إلَى إدارةِ المَدْرَسَةِ .
لاحَظَ ماهرُ أنَّ كُلَّ زُمَلائِه كانوا ينَظْرونَ إِلَيهِ ، ويُريدونَ الحُصولَ علَى الكُرَةِ،
وحدَثَ ما تَخَيَّلَهُ ماهرُ ، لَقَدْ هَجَموا علَيْهِ مَرَّةً واحِدَةً ، وحِينَما رآهُمْ ماهِرُ مُقْبِلُونَ عليهِ قذَفَ الكُرةَ بَعيداً في الهَواءِ إلَى أَعْلَى ولا يَعْلَمُ إلَي أَينَ تَذْهَبْ .
طارَتْ الكُرةُ بَعيدًا دونَ رُجوعٍ ، صعَدَتْ في السَّماءِ ولَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مكانَها بعدَ ذَلِكَ . تَعَجَّبَ المُدَرِسونَ منْ ما حَدَثَ , واسْتَدْعوا ماهِرَ وزُمَلاءَهُ لِمَعْرِفَةِ الأَمْرِ .
فَشَرحَ لهمْ ماهرُ القِصَّةَ كامِلَةً , تَعَجَّبوا كثيراً مِنْ ما حَدَثَ ونالَ ماهِرُ جائِزَتَهُ التي كانَ مُتَجِها لاسْتِلامِها .
عادَ كُلُّ و احِدٍ مِنْهُمْ إلَى فَصْلِهِ ، أَمَّا ماهرُ فَقدْ قَرَّرَ أنْ يَعْتَمِدَ علَى مَهارَتَهِ الخاصَّةَ وأنْ لا يُفَكِّرَ ثانِيَةً في الكُرَةِ الطائِرَةِ ، خاصَّةً وأنَّهُ كانَ ماهِراً في أَلْعابٍ أُخْري كَثيرةٍ .
وَجَدَ ماهِرُ أنَّ ما حَدَثَ كانَ حُلْماً وخَيالاً لا حَقيقَةً ، وأنَّها كانتْ مُجَرَّدِ أُمْنِياتٍ ، عاشَ معَها بعدَ حُصولِهِ علَى جائزَةِ أَحْسَنِ لاعِبٍ وأَحْسِنِ هِدَّافٍ في دورةِ كُرَةِ القَدمِ التي أُقيمَتْ بينَ طُلَّابِ مَدْرِسَتِهِ ، وحينَ كانَ يَسْتَعِدُ بِفَريقِهِ لِلْصُعودِ إلَي دَوْري المَدارسِ ، وكانِ يَتَمَنَّي أنْ يَحْصُلَ فَريقَهُ علَي المَرْكَزِ الأَوَّلِ في دَوْري المَدارسِ .
تَجاهَلَ ماهِرُ هَذِه الأَحْلامَ وقالَ : الأَفْضَلُ أنْ أَعْتَمِدَ علَى قُدُراتي وجُهْدِي،
وبِالفِعْلِ اجْتَهَدَ ماهِرُ هُوَ وفَريقُهُ .وحَقَّقوا المَرْكَزَ الأَوَّلَ في دَوْري المَدارِسِ ، وحَصَلوا علَى الكَأْسِ بِجَدَارَةٍ وَتفَوُّقٍ , ولَكِنَّ ذَلكَ حَدَثَ بِسَبَبِ جُهْدِهِمْ وَمَهارتِهِمْ.