في عام 1970 م نشبت حرب بين هندوراس والسلفادور في منطقة أميركا الوسطى بعد مبارة كرم قدم جمعت بين فريقي الدولتين الجارتين ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم بالمكسيك، وقد سبق ذلك صراعا سياسيا منذ عام 1969 م حول قضايا متعلقة بالهجرة، زد عليه قرار حكومة هندوراس بنزع ملكية أراض مملوكة لزهاء ثلاثمئة ألف سلفادوري هاجروا واستقروا سابقا في هندوراس.
كان النظام السائد في البلدين نظاما عسكريا دكتوتاريا، وسط جملةمن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأزمات، الأمر الذي جعل كل واحد منهما يبحث عن وسيلة لتصريف مشاكله الداخلية، ومن أجل توجه الاهتمام وتحويل الأنظار تم استغلال تنظيم مباراة لكرة القدم بين منتخبيْ البلدين في هذا الحدث الهام لشعوب تعاني فراغا روحيا رهيبا للتغطية على المشاكل والأزمات واأشعل فتيل الفتنة الذي تحول لصراع طانت نتائجه كارثية، مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص بينهم مدنيون، و ما تجاوز 15 ألف جريح وآلاف المشردين بعد دمار مئات البيوت والمنشآت.
أما ما يحدث اليوم بين الفريقين الجزائري والمغربي لا يجب أن يكون له وجها للمقارنة، فكلا البلدين مسلمين وشعبيهما من أمة واحدة، تجمعها أهم رابطة وهي رابطة العقيدة، فضلا عن روابط النسب والتاريخ والجوار وغيرها.
الضجة الإعلامية التي تثار حول الفريقين لا تعدو أن تكونمجرد لعبة رياضية لا يجب تحويلها عن مسارها الأصلي، فوز الجزائر وخسارة المغرب لن يغير من الوضع شيئا، فلا يمكن اختزال كل المشاكل في الكرة ولن يحقق الفوز أو الخسارة رغد العيش وتحقيق الرفاهية على أعلى المستويات، والاهتمام بالتطبيل والتهليل لأخذ لقب البطولة يظل مجرد لعب ولهو.
كشعوب مسلمة يجب أن تكون اهتماماتنا واحدة ومصابنا مشترك وعدونا الصهيوني واحد، فجرحنا في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وفي كل شبر اسلامي مشترك، وحينما يساء لنبينا عليه الصلاة والسلام فالإساءة للأمة الإسلامية قاطبة، وهو القائل صلى الله عليه وسلم:” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة“.
مصابنا أكبر من لقاء كروي، من سياسة الفشل صرف الملايير على الكرة لتجعل كل من أفنى عمره في طلب العلم وتحصيل المعرفة يراجع حساباته، ويتحسر على ما صار إليه حال المتعلم والعالم، من المشين أن ينحصر النجاح عندنا في أن تكون لاعب كرة أو فنان أو مغن، إنها مصيبة حلت بالقوم وعلى كل مواطن عربي أن يستفق من سباته وينظر لحاله المثير للشفقة، فالأمة تباد بكل السبل، مشروع تهويد القدس يمضي قدما، وخيانة التطبيع تمد جذورها، النعرات القبلية والطائفية والحرب الأهلية وجدت مواطئ قدم آمنة، والسعي لتغيير القيم وخلط المفاهيم وزرع الخوف والجبن في النفوس وشراء الذمم لا يتوقف، ومحاولة صرف الشباب عن دينهم وأهدافهم السامية مستمرة، وكذا تخريب الاقتصاد جعل المجتمع استهلاكي واستغلال موارده الطبيعية وبسط الهيمنة الغربية على المؤسسات ممنهج، دون ذكر التدخل في كل الشؤون حتى البرامج التعليمية الفاشلة مستوردة وفق المخطط التغريبي.
مباراة كرة القدم تنتهي بصافرة الحكم وعليه يجب ترك الاهتمام بها داخل الملاعب وفي الوقت المخصص لها، فهتاك اهتمامات أسمى ومشاريع أكبر تنتظر من ينجزها، ويبقى أمل الشعبين الجزائري والمغربي تشارك نجاحاتهم واستحقاقهم وأفراحهم معا كما تقاسموا بالأمس النضال ضد المستعمر الفرنسي ويواصلون اليوم الوقوف في وجه الصهاينة ويرفضون أي صفة للتطبيع.