تقديم
قبل أيام فقط حاول جيش الاحتلال الصهيوني فرض منطقه الهجمي على مدينة القدس وبقرارات تعسفية حاول سلب أهالي حي الشيخ جراح مساكنهم وتهجيرهم، فجاءت انتفاضة الفلسطنيين في كل أراضيها، ليتقدم جنود الاحتلال ومن ورائهم المستوطنون اليهود لقمع الانتفاضة، مما دفع بـالمقاومة الفلسطينية إلى خيار الرد العسكري، وجعل الأراضي المغتصبة ساحة معركة وحقلا للصواريخ والقذائف.
وكعادته قام جيش المحتل بالتصعيد وتوجيه ضربات للأبراج السكنية ومنازل المدنيين في غزة، ومن جهتها كثفت المقاومة قصفها وفرضت حظر تجول في المناطق المحتلة تحت سلطة العدو الذي وجد نفسه في مأزق كبير، وانتهى إلى اتفاق وقف إطلاق النار من غير شرط أو قيد.
لقد أظهرت المقاومة الفلسطينية الجانب المشرق من قتالها وجمعت كل الفصائل على كلمة واحدة، فضلا عن توحيد الشعب الفلسطيني وكل شعوب الأمة الإسلامية للدفاع عن المقدسات والسعي لتحرير الأراضي المحتلة.
معركة سيف القدس.. وعد أبي خالد
تؤكد هتافات الفلسطنيين في الميادين بحياة محمد الضيف أو أبو خالد القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وكذا باقي الشعوب الاسلامية أن المقاومة الفلسطينية هي ممثل الشعب الفلسطيني، وأمل الأمة.
أمام التواطئ الدولي وتخاذل الحكومات العربية وخيانة بعضها بالتطبيع المزعوم، برزت المقاومة درعا حاميا لفلسطين المحتلة، وظهرت قوية متماسكة، بقرارات واعية، وضربات عسكرية نوعية، وفنذت كل ادعاءات نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني بنجاح حملة حارس الأسوار والقضاء على المقاومة بقتل قادتها وهدم أنفاقها وعزلها عن العالم، والحقيقة أنها كانت ضربة قاسمة لظهر سلطات المحتل التي تلاحقها لحد الساعة انتقادات لاذعة من قبل وسائل الإعلام العبري، فضلا عن تهكمات وتعليقات سلبية من قبل النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تبعا لموجة السخط في الشارع اليهودي بعد اتفاقوقف إطلاق النار.
في كل مرة يفتخر الصهاينة بانجازاتهم الوهمية وانتصاراتهم المزعومة وامتلاكهم لترسانة حربية مدعمة شرفها القبة الحديدية، في حين يفرض الحصار على قطاع غزة منذ 15 سنة لكن المقاومة تشتد وتصير أقوى واستطاعت بفضل الله ثم بصمود وحنكة رجالاتها أن تذِّل الحارس وتهدم الأسوار.
بيان معركة سيف القدس
في يوم الثلاثاء 29رمضان 1442هـ الموافق 11 مايو/ أيار 2021 م تم إصدار بيان مشترك للمقاومة من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية حول
معركة “سيف القدس” نصرةً لأهلنا في المدينة المقدسة حيث جاء فيه:
نصرة للمدينة المقدسة ورداً على جرائم الاحتلال بحق أهلها، واستجابةً لصرخات أحرارها وحرائرها، تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية في إطار الغرفة المشتركة وضمن معركة “سيف القدس” من توجيه ضرباتٍ للاحتلال، افتتحتها بضربةٍ صاروخيةٍ للقدس المحتلة واستهداف مركبة صهيونية شمال القطاع، تلاها قصفٌ صاروخيٌ مكثف استهدف محيط تل أبيب ومواقع العدو في المدن المحتلة ومغتصبات ما يسمى غلاف غزة.
وإننا في الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية نؤكد على ما يلي:
- أولاً: نقول للعدو بأننا سبق وأن حذرناه من التمادي في عدوانه على مقدساتنا وأبناء شعبنا، لكنه استمر في غيّه بلا وازعٍ ولا رادع، لذا فقد آن الأوان له أن يدفع فاتورة الحساب.
- ثانياً: لقد راكمنا قوتنا لحماية أبناء شعبنا في كل مكان ولن نتخلى عنهم مهما كانت التبعات، فسلاحنا هو سلاح لكل شعبنا أينما كان.
- ثالثاً: ليعلم العدو الجبان بأن عهد الاستفراد بالقدس والأقصى قد ولى إلى غير رجعة.
- رابعاً: نطمئن أبناء شعبنا عامةً وفي القدس خاصةً، بأن المقاومة التي راهنتم عليها لن تخذلكم وستبقى درعكم وسيفكم.
والله أكبر والنصر للمقاومة، انتهى البيان.
لقد وعد أبو خالد ورفاقه وترجموا الوفاء بالوعد ميدانيا، فكسبوا محبة الملايين ودعواتهم الصادقة، كما ألحقوا هزيمة نكراء بحكومة الاحتلال التي أدركت حجمها ووجدت ما لم تكن تحتكم عليه في تقاريرها الاستخبارية، وما لم ينقله العملاء إليها من معلومات ووشاية لمقدرات المقاومة الهائلة ومقراتها المحصنة.
صواريخ معركة سيف القدس
إن الحرب على أرض فلسطين هي حرب عقيدة، لذا فالله نصر المجاهدين وسدد رميهم، ووفقهم لتصنيع صواريخ جعلت المستوطنات تهتز ونفوس الغاصبين تضظرب، وجيش العدو يتراجع صاغرا.
وفي تقرير موثق كشفت كتائب القسام الصواريخ ونوعية القذائف المستعملة أثناء معركة “سيف القدس”، منها ما دخل الخدمة أول مرة، مثل صواريخ A120 – SH85 – عياش 250، فضلا عن دك الأهداف الصهيونية بأجيال صاروخية سبق استخدامها منها R-Q-S-J-m75 وهذا نصرةً للمرابطين في المسجد الأقصى وأهالي حي الشيخ جراح.
وقد تم توجيه عدد من هذه الصواريخ في ضربات صاروخية مكثفة ومركزة صوب القدس المحتلة والمغتصبات منها “تل أبيب” وبئر السبع، ومطار “رامون” جنوب الأراضي المحتلة رداً على استهداف الأبراج السكنية.
صاروخ (عيّاش 250)
عياش 250 جيلٌ جديدٌ من أجيال الصواريخ القسامية المصنعة محلياً كشفت عنه الكتائب خلال معركة “سيف القدس” سمي بهذا الاسم تيمناً بالشهيد القائد القسامي المهندس يحيى عياش -رحمة الله عليه- وحفظا لذكراه.
انطلق الصاروخ أول مرة بأمر من قائد هيئة أركان القسام أبو خالد محمد الضيف، تجاه مطار رامون جنوب فلسطين وعلى بعد نحو 220 كم من غزة، بمدى أكبر من 250 كم وبقوة تدميرية هي الأكبر؛ نصرة للأقصى وجزءًا من الرد على اغتيال القادة ومهندسي القسام الأبطال بجزءٍ من إنجازاتهم وتطويرهم، وقد جعل صاروخ عيّاش 250 كل نقطة من شمال فلسطين إلى جنوبها في مرماه.
صاروخ (A120)
A120 طراز آخر من الصواريخ القسامية المصنعة محلياً، أدخلته الكتائب للخدمة خلال معركة “سيف القدس” سمي بهذا الاسم تيمناً بالشهيد القسامي القائد رائد العطار، ويحمل رأساً متفجراً ذا قدرةٍ تدميريةٍ عالية، كما يصل مداه إلى 120 كم.
استخدمت الكتائب هذا الجيل من الصواريخ أول مرة في قصف مدينة القدس المحتلة مساء الاثنين 11/5/2021، واستغلتها لاحقا في توجيه ضربة صاروخية إلى “تل أبيب” وضواحيها، أسفرت عن مقتل 2 من الصهاينة وإصابة نحو 30 آخرين.
صاروخ (SH85)
SH85 صاروخ جديد كشفت كتائب القسام الستار عنه خلال معركة “سيف القدس”، وجاءت تسميته تيمناً بالقائد الشهيد محمد أبو شمالة -أكرم الله مثواه-، ويصل مداه إلى 85 كم، وقد استخدمت الكتائب هذا النوع من الصواريخ أول مرة في الضربة الصاروخية التي وجهتها فجر يوم الأربعاء 12/05/2021 لـ”تل أبيب” ومطار “بن غوريون”، وأسفرت عن وقوع عدد من القتلى والجرحى وتضرر عدد كبير من المنازل.
أجيال سابقة
- M75 استخدم من ذي قبل في معركة حجارة السجيل عام 2012م، إذ أعلنت كتائب القسام إطلاقها أول صاروخ بعيد المدى أسمته M75 تيمناً بالشهيد القائد إبراهيم المقادمة -طيب الله ثراه-، وقصفت به مقر الكنيست الصهيوني بمدينة القدس المحتلة، ومدينة “تل أبيب” وكانت تلك مفاجأة لم يتوقعها العدو، وبعدها تتالت طرازات الصواريخ المصنعة والمطورة محلياً بأيدي عقول ومهندسي ومجاهدي كتائب القسام المهرة.
- R160 تمت الاستعانة به في معركة العصف المأكول، أين كشفت كتائب القسام عن صواريخ جديدة تمثلت بصاروخ R160 بمدى إطلاق يصل لـ 160 كيلو مترا، وسمي بذلك تيمناً بالشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي– رحمة الله عليه-، ودكت به الكتائب مدينة حيفا المحتلة يوم الثلاثاء 8-7-2014م في تمام الساعة 10:06مساء.
- J80-J90 سلسلة أخرى من الصواريخ استخدمت في معركة العصف المأكول أيضا، حيث استعمل صاروخ طراز (J80) أول مرة، وأطلق عليه هذا الاسم تيمناً بالشهيد القائد أحمد الجعبري – أكرم الله مثواه-، ويبلغ مدى الصاروخ 80 كلم، ودكت به الكتائب مدينة تل أبيب المحتلة يوم الثلاثاء 8-7-2014م، وبعدها تحدت كتائب القسام الاحتلال أن تستطيع قبته الوهمية اعتراضه أو إسقاطه في التحدى القسامي الذي عرف بتحدي الساعة التاسعة.
- صواريخ عائلة سجيل سبق وأن استخدمتها الكتائب خلال معركة العصف المأكول، كما دكت بها عسقلان خلال معركة حد السيف أواخر عام 2018م، ووجهت بها ضربات صاروخية مركزة لأسدود وبئر السبع أربكت الاحتلال وأحدثت دماراً هائلاً، وكشفت الكتائب لاحقاً أنها استخدمت القذائف البريطانية التي عثرت عليها قبالة شواطئ غزة كرؤوس متفجرة لهذا الجيل، في مشروع قصد السبيل.
Q12-Q20 تعتبر هذه الصواريخ امتداداً لأجيال صواريخ القسام الأولى التي انطلقت في السادس والعشرين من أكتوبر عام 2001م، واستمر العمل على تطويرها ليتبلور عنها الجيل الجديد الذي يضرب بمديات من 12 – 20 كيلومتر.
وخلال معركة سيف القدس، كشفت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أن الضربة الصاروخية في 18مايو 2021 م والتي أدت لمقتل شخصين وإصابة 20 آخرين، وجهتها صوب موشاف أوهاد، ضمن مجمع مفتاحيم في المجلس الإقليمي أشكول، وكانت بصواريخ من طراز Q20 والتي تحمل رؤوس قذائف الهاوتزر من عيار 155ملم.
وتظل كتائب القَسام صاحبة السبق والتجربة الفَلسطينية الناجحة في ميدان انتاج وتطوير صواريخ محلية حربية ومدمرة، بأَيدي مجاهديها ودراساتهم العلمية، الأمر الذي أَضاف إِلى المقَاومة استراتيجية فعالة وتخطيطا دقيقا، حوّل معادلة الصراع إِلى مستوى آخر يهزّ عروش الظَالمين، ويقض مضاجع المحتلين، ويزرع الرعب في قلوب الصهاينة المُغتصبين، إنها عقول فذة جعلت من صواريخ القسام المصنعة محليا مركز قوة، وسلاحا كتطورا بمدى متوسط وبعيد يحسب له الاحتلال أَلف حساب.
المسيّرات القسامية.. الرعب المسير عن بعد
الطائرات القسامية المسيرة محلية الصنع، هي قفزة نوعية للاستراتيجية التصنيعية في المجال العسكري بالاعتماد على الشراكات وطنيًّا ودوليًّا، حيث عكف مهندسو القسام على تطويرها وفق مراحل عدة فضلا عن الاستعانة بالمنظومة الصاروخية، لتغدو هذه الصناعات نقطة تحول ومن مفاجآت القسام في معركة سيف القدس.
منذ عام 2014 م أصرت كتائب القسام على نقل المعركة لقلب كيان الاحتلال بطرق وأساليب جديدة، حينما سجل مهندسو القسام السبق والتجربة الفَلسطينية النوعية في ميدان التطوير وإنتاج طائرات محلية الصنع أضافت تكتيكاً متميزا حول الصراع إِلى مستوى آخر مع العدو.
ومع مرور الأعوام والجهود المظفرة التي بذلها المهندسون المجاهدون، وصلت هذه الطائرات لمستويات لم يتوقعها العدو، ودخلت أجيال جديدة للخدمة بمهمات مختلفة، وقد عاين العدو والصديق هذا التطور خلال أيام معركة سيف القدس.
وفي السياق ذاته رفعت كتائب القسام الغطاء عن مجموعة طائرات تسمى أبابيل إبان معركة العصف المأكول عام 2014 م، وكانت أولى مهماتها التوجه فوق مبنى وزارة الحرب الصهيونية “الكرياه” في “تل أبيب” التي كان يقاد منها العدوان على قطاع غزة آنذاك.
وأوضحت الكتائب أنها صنعت طائرات بدون طيار تحمل اسم “أبابيل1” عبر ثلاثة نماذج وهي (A1A) وهي ذات مهام استطلاعية، (A1B) خصت بالمهام الهجومية، (A1C) موجهة للمهام الانتحارية.
وبعد أعوام اغتال العدو الصهيوني المهندس التونسي محمد الزواري– أكرم الله مثواه- لتكشف كتائب القسام النقاب أن المهندس هو أحد القادة البارزين الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية.
شهاب الانتحارية التي علت رؤوس العدو خلال معركة سيف القدس، تعد سلاحا نوعيا جديداً دخل إلى الخدمة يوم الخميس الموافق 13 مايو/ أيار 2021 م، وهي عبارة عن طائراتٍ مسيرة متفجرة من طراز “شهاب” محلية الصنع.
واستخدمت الكتائب هذا النوع من الطائرات أول مرة في استهداف منصة الغاز في عرض البحر قبالة ساحل شمال غزة ظهر الأربعاء الموافق 12 مايو، وذلك رداً على العدوان الصهيوني المتواصل على المدنيين في قطاع غزة، واغتيال ثلةٍ من قادة ومهندسي القسام.
كما استهدف القسام مصنع الكيماويات في “نير عوز” شرق قطاع غزة وتحشداتٍ عسكريةً على تخوم قطاع غزة ظهر الخميس 13 مايو، وأظهر مقطع فيديو نشره القسام لحظة ارتطام الطائرة المفخخة بالمصنع وانفجارها مخلفة دمارا كبيرا.
الزواري الاستطلاعية هي أحدث ما كشفت عنه كتائب القسام من أسلحة أدخلتها في الخدمة ضمن معركة سيف القدس، وسميت نسبة للشهيد القسامي المهندس التونسي محمد الزواري- طيب الله ثراه-، ونشرت الكتائب يوم الأربعاء 19 مايو 2021م مقطع فيديو يظهر طائرة “الزواري” المسيرة ترصد مواقع لجيش العدو خلال طلعة جوية لها، وعادت لقواعدها بسلام.
المقاومة مستمرة
لم يتوقع العدو الصهيوني أنه سيواجه قوة لا يستهان بها، ورغم تحصيناته وعتاده ولى مدبرا، ليتأكد أن الحصون والقبب الحديدية ليست هي من تحمي الصدور وتقي الرؤوس، وسيف القدس أثبت أنه صارم بتار يستطيع اختراق الدروع، إنها قوة الإيمان وإخلاص النية، بصدق المقصد ونبل المهمة لنصرة أصحاب الحق بالتخطيط والتنفيذ، وقد قالها القساميون وآمنوا بها :” في طريق جهادنا ومقاومتنا لتحرير فلسطين، يمكن أن نقبل بالتحرير المرحلي لأجزاء من فلسطين وما يترتب عليه هذا التحرير، ويمكن أن نقبل بتهدئة أو هدنة مرحلية مؤقتة ومشروطة للتخفيف من معاناة شعبنا ولتكون كاستراحة محارب، لكن دون التفريط بأي من الحقوق والثوابت ودون الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني الغاصب”.
إن احتلال بلاد فلسطين هو امتداد لمشروع اليهود في البحث عن أرض تأويهم وتجمع شتاتهم لإقامة وطن قومي، مستبحين في ذلك كل السبل غير المشروعة، ولكن ذلك لن يتأتى أبدا، فأرض فلسطين المباركة أرض رباط وجهاد إلى قيام الساعة.