تقديم
مناظر ساحرة لجبال وغابات وينابيع متفجرة، تشكل مناطق سياحية بامتياز لموروث طبيعي يعرف تنوعا بيولوجيا كبيرا على المستويين الحيواني والنباتي، ويحظى بمكانة خاصة لدى السكان المحليين والسياح وبامتياز قانوني أيضا مما جعل ولاية البليدة قبلة للزوار باحتضانها للحظيرة الوطنية المحمية الشريعة على بعد حوالي 50 كلم جنوب غرب عاصمة الجزائر على طول المرتفعات المركزية للأطلس البليدي.
ولعل أحد أهم المواقع السياحية بنظامها البيئي المتميز في هذه الحظيرة هو “منبع القردة” والمعروف عند العامة بـ” الرويسو”، وسمي نسبة إلى المنبع المائي المتدفق من أعالى الجبال والممتد إلى السفوح وكذا قردة ” الماغو” التي تستوطن المكان وتوحي رؤيتها بالدخول إلى عالم مغامرات “السندباد” وتحديدا في رحلته الخامسة وحكايته في “مدينة القرود”.
المرافق السياحية لمنبع القردة
في ثلاثينيات القرن الماضي وأثناء تواجد الاحتلال الفرنسي بالجزائر اتخذت منطقة “الشفة” كوجهة للراحة والاستجمام، وتم تهيئة منتجع لاستقبال الزائرين بتخصيص مرافق عامة منها منشآت للإيواء والإطعام والتسلية والترفيه فضلا عن ما تحويه الطبيعة من خضرة وهواء عليل بعيدا عن صخب المدن وكذا مسبح طبيعي من المياه الصافية المتدفقة من الأعالي، لنجد هذا الوصف الذي ألهم بعض المؤرخين الفرنسين الذين مروا من هناك وتركوا كتبا تذكر ما عايشوه وانبهروا به.
وإلى يومنا هذا مازال الناس يقصدون المكان ومنهم من تفاجأ بوجود مثل هذه المناظر الخلابة واندهش لتنوع الغطاء النباتي، وكثافة الغابات وجمالها، ونظرا لكثرة الوافدين على المنطقة تم فتح فنادق وتخصيص منازل للإيجار (شاليهات) ومطاعم وقاعات شاي وتحلية، ومحلات للمنتجات المحلية والأواني والألبسة التقليدية ومعروضات تذكارية تعكس الثقافة المحلية للمنطقة.
وما زاد من تلطيف الأجواء هو وجود قرد ” الماغو” المحمي عالميا والذي يستمتع باللعب مع الأطفال بتصرفاته الغريبة ومشاكسته ونباهته أيضا.
يجب نشر ثقافة السياحة البيئية للمحافظة على هذه الثروة الطبيعية والتعامل معها من دون إساءة أو أذية قد يلحق ضررها بالإنسان، فالقردة عندما تشعر بالخطر تصبح عدوانية شرسة قد تتسبب في إصابات خطيرة تسعى الحملات التوعوية للتحذير منها، فالحذر في التعامل مع الحيوانات ومراعاة الاختلافات وطبيعة هذه الكائنات البرية يوفر الأمان للطرفين.
وجهة كل فصول السنة
رغم وجود بعض المسالك الصعبة والممرات الضيقة والمنعرجات يتجول الزوار بكل حرية وسعادة وهم يستكشفون المنطقة بترسباتها وكتلها الصخرية وشلالاتها المتدفقة ويتعرفون على حيواناتها وحشراتها بأشكالها المختلفة وألوانها البديعة مما يرسم لوحة طبيعية من صنع الخالق سبحانه جلّ وعلا.
ولعل السمة الأهم للموقع هوإمكانية زيارته في أي فصل من فصول السنة بجماله الحي الذي لا يموت شتاء ولا يذبل صيفا، وبين الثلوج التي تُلبس المكان الثوب الأبيض للعروس والشمس الساطعة بأشعتها الدافئة الباعثة إشراقة في النفوس تتوافد العائلات من مختلف جهات الوطن ومن خارجه أيضا، فتُخيم بالغابات وتُعد غذاء النزهة لتناوله في الهواء الطلق والاستمتاع بحسن الطبيعة ونقائها.
كما أن هناك زيارات منظمة للتلاميذ وطلاب المدارس والجامعات، وفرق النوادي الرياضية، وأفواج الجمعيات على اختلاف مجالاتها قصد جولات سياحية ومعرفية.
فمن أراد أن يستشعر السحر الطبيعي عن قرب ويستمتنع بالتنزه والتجوال والهواء النقي بين أجل الأشجار ما عليه إلا التوجه لحظيرة شريعة، فكل ما تحويه وعلى امتداد 26 ألف هكتار من مساحات غابية وجبلية خلاب يوسع الصدر ويمتع العين، غير أن منبع القردة يبقى الأكثر جمالية في الصورة بعدما نال درجة الامتياز على سلم التقييم الأيكولوجي.
التعليقات