تقديم
تاريخ عريق لم تتمكن الحملات الصليبية ومعاول هدمها من طمس معالمه، مساجد شامخة بقبابها ومآذنها بين قصور فخمة وجنات حية أوجدها مهرة مبدعون جعلوا أنوار الحضارة الإسلامية تشع في سماء أوروبا المظلمة لتمتد على مد البصر وتدون ملاحم المجد والبطولات بماء الذهب على جدران العمائر العتيقة من زمن الفاتحين في عهد الأندلس الراقي.
الفاتحون.. قادة العزة والكرامة
آثار لا يمكن أن تمحى أو تنسى ففي زواياها تسكن ذكرى العظماء، ومن الحدائق الغناء ينبعث شذى العطر الأندلسي الطبيعي، وفي تحد للزمن تعود الذكرى طيعة لفرسان تتهادى أرواحهم الزكية بالتوحيد الصحيح رافعين رايات الإسلام بعدما جابوا المعمورة فاتحين على وقع حوافر الخيول العربية الأصيلة.
مهما اختلف الأمكنة وتباينت الأسماء من قرطبة أو إشبيلية، مجريط أو الزهراء أو بلنسية تظل جمالية الصورة وفخامتها الخالدة فوق التصور، فالحضارة بكل مقاييسها المادية والأخلاقية وعلى مختلف المستويات العلمية، النظرية والعملية قد عمرت طويلا هنا، منذ أن وطئ ثرى ساحات الوغى القائد طارق بن زياد -طيب الله ثراه-.
امتدت الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا ووصلت إلى الصين، وإلى أوروبا، فضلا عن إفريقيا جنوبا، وتوسعت أرض التوحيد التي جمعت مختلف الأعراق والثقافات وكان العدل والمساواة بين الجميع ولا مقياس للتفرقة إلا التقوى، فغدت أمة واحدة متماسكة بطيب عيش ما زالت آثاره شاهدة لحد الساعة، ومنها معالم مملكة غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس والتي سقطت عام (1942م -897هـ).
غرناطة تحت الحكم الإسلامي
غرناطة هي عاصمة الحكم في عصر ملوك الطوائف لبني زيري في القرن الـ11 الميلاد، حكمها فيما بعد المرابطون عند توحيد الأندلس عام 1090، ثم صارت تحت إمرة بني نصر تحديدا بين القرنين الـ13 والـ15 أي ما بين (629-897 هـ/ 1232-1492م)، وخلال حكم بني الأحمر كان بها 137 مسجدا حتى سلمها الملك محمد الـثاني عشر الملقب بأبي عبد الله الصغير للملوك الكاثوليك بعد حصار خانق دام 9 أشهر سبقته عدة معارك طاحنة من 1482 إلى 1492، حقنا للدماء وحفاظا على ارواح المسلمين لا كما يشاع عنه أنه استسلم جبنا ووبخته أمه فتلك مغالطة تاريخية وما كتبه المؤرخ أنطونيو غيفارا الذي تربى في دهاليز الكنائس وبلاط الملك مجرد كذبة لإرضاء المتغلب حينها.

قصر الحمراء.. فن العظماء
قصر الحمراء معلم تاريخي حضاري فخم، يعد قبلة للزوار الأجانب ومن أكثر الأماكن زيارة من قبل السكان المحليين، ويجمع أغلب المؤرخين أن أصل تسميته مرتبط بدولة بني الأحمر، ولو أن هناك البعض ممن ينسبون التسمية إلى لون تربة الأرض المشيد عليها البناء والضارب للحمرة.

يعد القصر وما جاوره موقعا أثريا هاما، إذ يحظى هذا الصرح معماري المتقن الذي شيده الملك أبو عبد الله محمد الأول الملقب بـ “ابن الأحمر” في النصف الثاني من القرن العاشر للميلاد بمكانة مميزة على قائمة التراث العالمي.
ودام بناء هذا القصر الفاخر حوالي القرن والنصف، ليكون تحفة فنية فريدة مزخرفة بأشكال هندسية متداخلة ونقوش دقيقة للفظ التوحيد فضلا عن آيات قرآنية كريمة وشعار دولة بني الأحمر “لا غالب إلا الله”.
تتزين باحات القصر بالحدائق الغناء المصممة وفق نسق هندسي دقيق، تتخللها نوافير مياه متدفقة وأحواض مغلقة، حيث تشكل هذه المساحات المائية مصدرا هاما للحياة، فقد اهتم المسلمون بالزراعة دوما فلا تخلو مساكنهم من أشجار الفواكه ومختلف أنواع الأزهار ونبات الزينة فضلا عن الأعشاب الطبية.
هناك عدة مرافق في القصر من أجل حياة متكاملة، فتم توفير أماكن مجهزة لأداء النشاطات اليومية وأخرى للعبادة وهذا ما يظهر في بيوت الوضوء داخل كنيسة ” القديسة مريم” أو “سانتا ماريا” التي هي في الأصل مسجد تم تحويله على يد الرهبان كمحاولة لطمس صروح عقيدة التوحيد، وسعيا لمحو آثار الحضارة والتطور الإسلامي بأوروبا أين تم نهب التراث الإسلامي وكنوزه وسرقة مخطوطاته والاستحواذ على علومه وآدابه من غير محاسبة.
قصر جنة العريف
“جنة العريف” أو “Alcazar Genil” وصفها العلامة لسان الدين ابن الخطيب في كتابه “الإحاطة في أخبار غرناطة” على أنها واحدة من بين سبعة عشر بستان تنتمي للتراث الملكي، بها أشجار كثيفة تمتد ظلالها وتحول دون انسلال أشعة الشمس، تتخللها مياه نقية صافية تتدفق بعذوبة.

وتقع جنة العريف على مقربة من قصر الحمراء في سفح “ربوة الشمس” حيث تنبع منها الأنهار والوديان لتفيض حياة في جنبات المدينة، وقد كانت هذه الروضة البهية الهادئة ملاذا للملوك والأمراء لينعموا بالراحة والسكينة كخلوة بعيدا عن شؤون الحكم ومتاعبه.
أنشئت “جنة العريف” في عهد حكم بني الأحمر على يد السلطان محمد الثاني (1273–1302)، وفي عام 1319 قام أبو الوليد إسماعيل الأول بإعادة تهيئتها حيث حكم غرناطة ما بين (1314-1325م).
وفي الأندلس ككل يوجد مصلى في كل بيت وفي أغلب مرافق القصور المشيدة، والأمر لا يختلف في قصر العريف حيث خصصت به مصليات ما زالت محاريبها قائمة كحال المآذن الشاهقة في ربوع غرناطة التي ما زالت تحن لرفع نداء الصلاة.
مآذن وقباب في سماء الأندلس
بعد سقوط الأندلس، تم هدم عدد كبير من المساجد العتيقة وتحويل بعضها إلى كنائس برفع الصلبان في محارب التوحيد، وقد عانى المسلمون لقرون من الاضطهاد والتهميش والتعذيب في محاكم التفتيش، ومنعوا من أداء العبادات ولكن نضالهم استمر لاسترجاع حقهم في الأرض التي تملكوها شرعا وقانونا حيث هناك وثائق كثيرة تؤكد ملكية المسلمين لأراض عدة تم اغتصابها منهم، ولو أن القانون كان متحيزا دائما إلا أنهم تمكنوا وبفضل الله ومنته من إنشاء “مسجد الجامع” بمدينة غرناطة في حي البيازين الأعلى، وافتتح رسميا برفع آذان الظهر يوم الثلاثاء 28 من شهر جويلية 2003م.
يطل المسجد على قصر الحمراء تعلوه مئذنة على طراز الفن المعماري الأندلسي، ويتألف من ثلاثة مرافق وهي المصلى، الباحة (الحديقة والساحة) والمركز الإسلامي.
تاريخ العبر للعالم الإسلامي
تحول العالم الإسلامي الكبير اليوم إلى دويلات صغيرة تحت إمرة حكام ضعفاء عطلوا شرع الله ونبذوا كتابه وراء ظهورهم، وبدأت شمس الأمة في الغروب آخذة معها نور رجال حملوا أكفانهم ومضوا في مشارق الأرض ومغاربها لإعلاء كلمة الله.
هم رجال اختاروا الموت في سبيل الله حبا وطوعا وما خشوا إلا خالقهم، وحق فيهم قول الله تعالى: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً” (الأحزاب/الآية 23).

وحدوا الأمة وجمعوا كلمتها على التوحيد، فزادهم الله عزا على عزهم، تهابهم الأقوام وتخضع لهم الأمم، فرسان بالنهار رهبان بالليل، رجال ميدان وعمل.
نصروا المستضعفين وأجابوا المستغيثين، ومن لا يعرف كيف هب الخليفة المعتصم بالله -أكرم الله مثواه- بجيش من بغداد إلى عمورية تلبيه لنداء امرأة استنجدت به لما تحرش بها جندي رومي فصرخت “وامعتصماه” فكان بحق المخلِّص الذي توسمته.
اليوم ضاع عز المسلمين وتفرقت جماعتهم، وتغيرت معتقداتهم الصحيحة إلى معتقدات قبورية، صنعت هزيمة نكراء بين المسلم ونفسه وتناسى أنه من خير أمة أخرجت للناس.
أعداء الأمة لا يستكينون حاربوا الخلافة الإسلامية وأسقطوها بأيادي العملاء، واخترعوا كذبة الإرهاب والإسلاموفوبيا وروجوا أن الحكم بكتاب الله رجعية ومخالف للديمقراطية والحريات، غيروا المفاهيم بما يخدمهم ويكون فيه ضعف غيرهم.
أمة قوية تداعت عليها الأمم وهبت عليها ريح الفتن، لن تعود لمجدها وعزها ما لم تعد لتوحيدها الموجود في كتابها السماوي الداعي لوحدتها على الأرض.
نصروا المستضعفين وأجابوا المستغيثين، ومن لا يعرف كيف هب الخليفة المعتصم بالله -أكرم الله مثواه- بجيش من بغداد إلى عمورية تلبيه لنداء امرأة استنجدت به لما تحرش بها جندي رومي فصرخت “وامعتصماه” فكان بحق المخلِّص الذي توسمته.
اليوم ضاع عز المسلمين وتفرقت جماعتهم، وتغيرت معتقداتهم الصحيحة إلى معتقدات قبورية، صنعت هزيمة نكراء بين المسلم ونفسه وتناسى أنه من خير أمة أخرجت للناس.
أعداء الأمة لا يستكينون حاربوا الخلافة الإسلامية وأسقطوها بأيادي العملاء، واخترعوا كذبة الإرهاب والإسلاموفوبيا وروجوا أن الحكم بكتاب الله رجعية ومخالف للديمقراطية والحريات، غيروا المفاهيم بما يخدمهم ويكون فيه ضعف غيرهم.
أمة قوية تداعت عليها الأمم وهبت عليها ريح الفتن، لن تعود لمجدها وعزها ما لم تعد لتوحيدها الموجود في كتابها السماوي الداعي لوحدتها على الأرض.

القراءة من المصدر : زاد دي زاد
التعليقات