من نوادر العرب

من نوادر العرب

تقديم

تختلف نوادر العرب عن كل بقية النوادر لما بها من طرفة أصيلة بمستوى راق ونباهة وسرعة بديهة، إذ تتناول مواضيع هامة مثل الأخلاق والقيم، وكذا حكم وعبر توجيهية وقواعد تعليمية منها ما يهتم بالنحو والصرف، وعادة ما تكون أحداثها مستوحاة من الواقع المعيش مصاغة بفصاحة مما يزيدها جمالا واستحسانا في العرض وييسر وقعها في النفوس ورسوخها في الأذهان، للوصول إلى نتيجة لا تخلو من الحكمة والمواعظ رغم فكاهتها.

من شابه أباه فما ظلم

جاء رجل إلى أحد القضاة يشكو حال ابنه الذي يعاقر الخمر ولا يصلي، فأنكر الابن ذلك أشدما إنكار.
فقال الرجل: أصلح الله القاضي، أتكون صلاة بلا قراءة؟
قال القاضي: يا غلام، تقرأ شيئاً من القرآن؟
قال: نعم وأجيد القراءة.
قال: فاقرأ .
قال: بسم الله الرحمن الرحيم
علق القلب ربابا بعد ما شابت وشابا
إن دين الله حق لا أرى فــيــه ارتيابا
فصاح أبوه: والله أيها القاضي ما تعلم هاتين الآيتين إلا البارحة من مصحف سرقه من بعض جيراننا !

فصاح بهما القاضي: أخرجا قبحكما الله.

أكلت وما شبعت

اشترى أحد الحمقى يوماً سمكاً، وقال لأهله: اطبخوه ! ثم نام.

جهز السمك فأكله عياله وزوجته وهونائم، ثم قاموا ولطّخوا يده بزيت السمك ووضعوا بعضه على جوانب شفتيه.
فلما استيقظ من نومه، طلب السمك ليتناوله.
قالوا: قد أكلت.
قال: لا ما أكلت.
قالوا: شُمّ يدك ! ففعل..
فقال: صدقتم .. ولكنني ما شبعت منه.

المعلم والطفل

الجاحظ من أشهر الكتاب الذين جمعوا نوادر العرب وفي ذلك ألف كتابا كاملا اشتهر باسم بخلاء الجاحظ رغم أن عنوانه البخلاء فحسب إذ يتناول فيه طرائف مواقف أناس عرفوا بالشح والتقتير وبرعوا في حيل عجيبة لتحقيق مبتغاهم.

كما أن له عدة روايات أخرى طريفة منها قصة المعلم وتلميذه الهارب إذ يقول الجاحظ: مررت على خربة، فاذا بها معلم وهو ينبح نبيح الكلاب، فوقفت أنظر إليه، وإذا بصبي قد خرج من دار، فقبض عليه المعلم، وجعل يلطمه ويسبه، فقلت : عرفني خبره، فقال : هذا صبي لئيم، يكره التعليم، ويهرب ويدخل الدار، ولا يخرج، وله كلب يلعب به، فإذا سمع صوتي ظن أنه صوت الكلب، فيخرج فأمسكه.

بيتنا قبر

قال عثمان بن دراج الطفيلي: مرت بنا جنازة يوما ًومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكي وتقول: الآن يذهبون بك الى بيت لا فراش فيه، ولاغطاء، ولا وطاء، ولا خبز، ولا ماء، فقال : يا أبت الى بيتنا والله يذهبون!.

الأعرابي وﺃﺑﻮﻋﻤﻴﺮ

يحكى ﺃن أبا عمير كان واليـاً على منطقة بأرض العراق، فحل أعرابي في ضيافته، فأستقبله بحفاوة حين أخبره الأعرابي أنه قادم من الشام حيث يتواجد أهل أبي عمير ودياره.

وضع الصوان وبه كل أصناف الطعام فمد الضيف يده للشروع في الأكل، لكن أبا عمير بدأ في سؤاله عن أهله.

أبو عُمَيْر : ﻣﺎ ﺣﺎﻝ إﺑﻨﻲ ﻋﻤﻴﺮ؟
الأعرابي : كيفما ﺗﺤﺐ وترضـى، قد أصبح لسان كل أهل الحي أدباً وخلقاً ومروءةً وشجاعةً.
أبو عُمَيْر : ﻭﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺃﻡ ﻋﻤﻴﺮ ؟

الأعرابي : ونِعَمْ، امرأة ﺻﺎﻟﺤﺔ وكل الناس يحترمونها ويستشيرونها.
أبو عُمَيْر : ﻓﻤﺎ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺪﺍﺭ ؟

الأعرابي : من أجمل الدِّيار ﻋﺎﻣﺮﺓ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ مؤنسة لحيّها.
أبو عُمَيْر : ﻭﻛﻠﺒﻨﺎ ﺇﻳﻘﺎﻉ ؟

الأعرابي : ﻗﺪ ﻣﻸ ﺍﻟﺤﻲّ ﻧﺒﺤـﺎً وله في حماية الدار والحي قصصاً.
أبو عُمَيْر : ﻓﻤﺎ ﺣﺎﻝ ﺟﻤﻠﻲ ﺯُﺭَﻳْﻖ ؟

الأعرابي : ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻙ، من أحسن الجمال وأقواها.


ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ أبو عُمَيْر ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺩﻣﻪ وأومأ إليه بأن يرفع الطعـام فرفعه والأعرابي ما شبع لانهماكه بالرد على الأسئلة.
ﺛﻢ عاد أبو عمير يستفسره و ﻳﺴﺄﻟﻪ مجددا.

أبو عُمَيْر:  ﻳﺎ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻨﺎﺻﻴﺔ، ﺃَﻋِﺪْ ﻋﻠﻲَّ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﺕ.
الأعرابي : ﺳﻞْ ﻋﻤّﺎ ﺑﺪﺍ ﻟﻚ .

أبو عُمَيْر : ﻓﻤﺎ ﺣﺎﻝ ﻛﻠﺒﻲ ﺇﻳﻘﺎﻉ ؟

الأعرابي : ﻣــﺎﺕ !!
أبو عُمَيْر : ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﺗﻪ ؟

الأعرابي : ﺍﺧﺘﻨﻖ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﻈﺎﻡ ﺟﻤﻠﻚ ﺯُﺭَﻳْﻖ ﻓﻤﺎﺕ .
أبو عُمَيْر : ﺃَﻭَ ﻣﺎﺕ ﺟﻤﻠﻲ ﺯُﺭَﻳْﻖ ؟

الأعرابي :ﻧﻌﻢ …
أبو عُمَيْر : ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﺗﻪ ؟

الأعرابي : ﻛﺜﺮﺓ حَمْـلِهِ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﺮ أم عمير !
أبو عُمَيْر : ﺃَﻭَ ﻣﺎﺗﺖْ ﺃﻡ ﻋﻤﻴﺮ ؟

الأعرابي : ﻧﻌﻢ ..!
أبو عُمَيْر : ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﺗﻬﺎ ؟

الأعرابي : ﻛﺜﺮﺓ ﺑُﻜَﺎﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋُﻤَﻴﺮ .
أبو عُمَيْر : ﺃﻭ ﻣﺎﺕ ﻋﻤﻴﺮ ؟

الأعرابي : ﻧﻌﻢ ..
أبو عُمَيْر : ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﺗﻪ ؟

الأعرابي : ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺪﺍﺭ !

أبو عُمَيْر : ﺃﻭﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﺪﺍﺭ ؟

الأعرابي : ﻧﻌﻢ ..

ﻓﻘﺎﻡ إليه بالعصى ﺿﺎﺭﺑﺎً .. ﻓَﻮَﻟَّﻰ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲُّ ﻫﺎﺭﺑﺎ!.

652 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *