همسات إلى النفس

ذ. فريد المطوشي
( ترجيست )

كم في النفوس من ثراء لايظهر للعيان ، وما أعظم ثراء النفوس إذا تزينت بنور ربها وأشرقت بالمحامد فتغدو كمصابيح تتدلى ولآلئ منيرة تضيء سبل الحياة  ! لعل كل الابتلاءات والانكسارات التي تتجاسر عليك أيها الإنسان فيحيق بك الضيم وتجعلك تبدو واهنا على المقارعة والصمود ، تحملك في نهاية الأمر لترسو بك على شط النجاة وتلج باستحقاق زمرة الرجال المحنكين الذين لم ينلهم عسر ألأحوال  ولا ضيم الدوائر .

     النفوس يهزها الشوق إلى الله كل حين فتراها تتسارع إلى نسائم رحماته لتصحو من غفلتها وتجدد العهد باليقين والعمل . فتنفذ السعادة إلى سويداء القلب كما ينفذ النور إلى الدهاليز المظلمة فيجلي أركانها إجلاء وتعمها حياة جديدة بعد أن يكون قد أعياها الفراغ وبؤرة الظلام .

   أيها الإنسان سر إلى الله بقصد وتؤدة ، انهض من عثرتك ، فك عن نفسك عقدة الانتظار والتسويف. أليس بالعزم والصلح مع الذات  تفك العقد وبالحلم تفرج الكرب ويتبدد

الغم ؟ .اخرج من جدران ذاتك القديمة لتستنشق عبير الإيمان المتجدد واسترح بظلال القرب من الله . دع نفسك تسير إلى ربها على استحياء ستجد الله حفيا كريما لطيفا فتلوذ بحماه ، وتعروك قشعريرة الانتشاء بالأمان الروحي والتخلص من غربة النفس . وما أقسى عذاب غربة النفس . 

  سيشرح  الله صدرك بعد انقباضه ، ولن تخشى نفسك أيها الإنسان صروف الحياة أبدا  ،  ستتجاوز كل المثبطات بل ستهزا منها ومن أحابيلها الملتوية ، وستدرك كم كان هواك يفت من إرادتك ويقلل من عزيمتك ، فتنجلي غشاوتك التي تقمح سيرك إلى نفسك الجديدة التي خرجت من سراديب تجاربك المرة وانفلتت من عقد حبالك الصدئة .

الأوبة إلى الله منهاج الصالحين وديدن العارفين الذين وثقوا بالله فاستعصموا بشرعته وألجموا النفوس لاستدامة الطاعة وجعلوها تنفطم عن ما يفسد فطرتها ويعكر صفاءها. 

      وليس أجمل للنفوس طهرة من رمضان ، فهو جنة من  المثالب ووقاية من الأوزار ، رمضان مدرسة للتشمير عن ساعد الجد بالبذل والاصطبار وإخلاص السرائر لله عز وجل  لنيل الدرجات واستخلاص روح العبادات وإدراك المغزى العميق منها ، وذاك هو السبيل ولا سبيل سواه لمن رام رسم وجهته إلى الله وعقد العزم على ذلك . ففي الطريق إلى الله ستلفي علامات التوادد والتراحم والألفة وسترى بنفسك دلائل الإحسان ومراقي الإيمان وعطايا الرحمن لخلقه وعدالة قسمته فيتملكك الخشوع لآلاء الرحمان وتنفجر فيك ينابيع المحبة من قوة هذا الإحسان الذي أضحى يسكنك . 

        فانعم أيها الإنسان بقربك من ربك  ، وقد انتبهت لحالك وأشفقت على نفسك وأنت الجريح الذي  جاء إلى ذاته كعائد من حلم في الكرى. أخذته لذة السفر في غواية أحداثه حتى استفاق من سباته عساه يدرك خطى السائرين ويلحق قوافل الصالحين الأوابين.

      سر الى الله بروحك وإرادتك ويقينك ستعرف ثراء نفسك ومكامن الخير والمحبة والجمال الروحي  الساكنة في دواخلك أيها الإنسان .

397 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *