معظم الناس وجدوا ضالتهم في العبث بشاشات الهواتف الذكية، ولا يهتمون لما يدور حولهم كأنهم منعزلين في عالم آخر، وما إن يحدث أمر ملفت للانتباه إلا و يحولوا نظرهم إليه ويتفاعلون ولكن بطريقتهم الخاصة التي تستدعي أيضا تدخل الهواتف لتسجيل الحدث.
دون الاهتمام إن كان التصوير ممنوعا أو مسموحا، فان الصورة تلتقط والشريط يسجل ليتم وضعه لاحقا على شبكة الإنترنت ولا يهم ما سيسببه هذا النشر من أذى، فالمهم هو تحقيق أعلى نسبة مشاهدات وانتشاره على نطاق واسع لأن ذلك أحد مقاييس النجاح التي يعتمدها جيل الرقميات.
في مشاهد كلها جهالة ووضاعة يتندر البعض ويعلقون بما يجانب الصواب وكأنهم لا يعون أن كل لفظ لديه رقيب وكل صغيرة وكبيرة ستسجل، فحرمات تنتهك ومحرمات تستباح والأدهى أنها تلقى طريقا سلسا للمجاهرة وصناعة الحدث، فقد صدق من قال أننا وصلنا لزمن تطرق الآثام بابك وإن لم تفتح لها تدخل عنوة.
البعض يعرض فيديوهات لخصوصيات أفراد انتقاما وتشهيرا، والبعض الآخر يتاجر بآلام الآخرين، فلا يكلف نفسه ولو بكلمة طيبة للمساعدة ويجتهد في تصوير الفيديو، فكم شاهد من تسجيلات لعمليات انتحار على المباشر ويكتفي الحضور بالتصوير والتعليق.
بضمائر غائبة وقلوب ميتة تتحرك أجساد في كل الاتجاهات لتحقق تصويرا من كل الزوايا، قد يكون لتسجيل مقطع فوائد كثيرة مثل رفع غبن أو ظلم أو رد حق ومظالم وتحقيق العدالة أو تنوير الرأي العام أو فضح مسؤول مرتش وغيرها من القضايا العادلة، ولكن ما الواقع اليوم غطى على الجانب الطيب من القضية وجعل منها مجرد عبث وتجاوز للخطوط الحمراء.
هوس التصوير جعل الاساءة نتيجة حتمية للتسجيلات، أولها التجريح ليليها التشهير فنصل إلى التهريج والعبث والمساس بالقيم والمحظور، الذي أضاف توقيعا آخر على إتفاقية محاربة الأخلاق في مجتمع يدين بأعظم دين يحث على تنزيه النفس والتسامي بالجوارح والستر وطبعا حفظ الحقوق.