مرت الأمة الإسلامية بمآس عدة، ونكبات لا يمكن محو أثرها ولو بمرور الزمن، زحف المغول وهجمات التتار ومن بعدها الحملات الصليبة التي مازالت لحد اليوم مستمرة بحروبها ولو أنها لبست ثوبا جديدا غير العباءة الموسوسومة بالصليب الأحمر إلا أن ممارساتها واحدة، ملايين من الأرواح البريئة تحصد من غير جريرة، دول بأكملها تحت وطأة القصف، ترويع الآمنين، انفجارات في القرى والمدن، اختلطت الأوراق ولم يعد يتراءى سوى الأزمات وبكل أنواعها أمنية، صحية، اقتصاديةأ اجتماعية وحتى ثقافية، لكن تظل للأمة عقيدة توحدها، تقاوم الشتات المفروض من الغرب، وتجتمع علفى كلمة التوحيد، وتسعى جاهدة للحفاظ على تماسكها وتلاحمها لأنها لم تنس يومتا أنها خير أمة أخرجت للناس.
جاء اليوم من يزعم أنهم نخب سياسية وصناع ثقافة المجتمع، ورواد العصرنة والتحضر، ليقدموا أنفسهم على أنهم يمثلون الشعوب، يخطون دساثير جديدة بدستور، ويحصرون النجاح في التمثيل والغناء وكرة القدم، اهتمامات دنية ومفاهيم دنيئة، بحجة التطور في زمن العولمة كسب رضا المجتمع الدولي ولو بسخط الله تعالى.
لم يعد يهم تساوي الضلال بالهدى والدنايا بالمقدسات بدعوى حرية تعدد الديانات وحماية الأقليات، سعيا لطمس الهوية واستبدال العقيدة بدينجديد أسموه زورا الديانة الإبراهيمية، نسبة إلى أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام وهو بريء مما يدعون، وقد قال الله تعالى عنه:” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (سورة آل عمران/ الآية: 67).
وقال أبو جعفر في تفسير الآية الكريمة:” وهذا تكذيبٌ من الله عز وجل دعوى الذين جادلوا في إبراهيم وملته من اليهود والنصارى، وادَّعوا أنه كان على ملتهم، وتبرئة لهم منه، وأنهم لدينه مخالفون، وقضاءٌ منه عز وجل لأهل الإسلام ولأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أنهم هم أهل دينه، وعلى منهاجه وشرائعه، دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم.
لن تكون الأمة غير مجتمع مسلم، فهي ليست ساحة للصراع العرقي و الطائفي المقيت، ولن يمرر مشروع يعمل على تفرقة ما وحده الإله الواحد، ولا يمكن ربط الهوية بالاختلاف، فمنذ 14 قرن أسس الإسلام لهذا الاختلاف بمقياس التقوى لا غير، فلم يعتد مؤسس أعظم دولة في تاريخ البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- بالانتماء القبلي ونبذ العصبية، بل حارب قريش لما نصبت له العداء، ولم ينتصر للقرابة والنسب وقطع وصل رحم عمه أبي لهب وتبرأ منه حينما كفر بالرسالة ووقف ضد نشر الدعوة، وقدّم الصحابي سلمان الفارسي -رضي الله عنه- في المشورة يوم غزوة الخندق ولم يهتم أنه من غير العرب، ورفع الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنه- وكلفه بالأذان للصلاة ولم يلتفا لكونه عبدا أسوادا، فهل يوجد عدل ومساواة وإخاء ومحاربة للعنصرية في العالم بأسره ترقى لمثل أفعال سيد الخلق ومعلمهم عليه الصلاة والسلام.
البنى التحتية للأمة أقيمت على أساس واضح وسليم هو العقيدة الخاضعة لقانون إلهي مراع لكل الاختلافات، شامل لكل القيم، وقائم على إدارة الأزمات بحكمة وجدية ونجاح، والاعتراف بحق الآخر من غير جحود ولا تعد داخل منظومة أخلاقية ومعرفية وفق تعاليم دين عظيم اسمه الإسلام يا سادة.
قال تعالى:” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير” (سورة الحجرات/ الآية: 13)، فالاختلاف في الجنس، العرق واللغة والدين وما يصحبه من تباين في الأفكار والآراء والمعتقدات مكفول في الإسلام، والآخر من حقه أن يخالف ويتخذ لنفسه شرعة، وكونه غير مسلم سيحدد ما له وما عليه داخل مجتمع واحد، كما يصنف المحارب العدو، والمسالم، والداخل في عهد المسلمين ولكل حقوق وواجبات ومعاملة خاصة بمقتضى شرع عادل.
إقرأ أيضا:سورة الصافات مكتوبةالهوية الإسلامية تعتمد التعايش مع الآخر، وضمان حرية كل فرد، من غير تعارض المصالح أو مواجهة وصراع، عكس الصورة النمطية التي يسوقها الغرب من عنف وإقصاء للآخر ودعم ظاهرة الإسلام فوبيا.
وهذا ما يسوق إعلاميا، لإثارة العداوات والنعرات ومحاولة تقسيم الأمة الإسلامية بكل السبل، ودعم قضايا مغلوطة مثل الهوية الأمازيغية والانتساب للعروبة وتباين الألسن وغيرها من الأفكار الهدامة الساعية لإشعال نار الفتنة، ودعوات الانفصال، بتمويل جمعيات ومنظمات وجدت دعما من قبل مجموعة من المنحرفين والمتمردون على العرف والدين بدعوى الانفتاح والتحرر المزعوم، مدعين أنهم نخبة المجتمع وهم نكبته.
إن هذه الأمة أمة توحيد، شاء الله أن يمن عليها بتعمير الأرض لتوحيده وعبادته حق العبادة، وهذا ما يجعل الهوية تابعة للعقيدة، فلا مزايدات ولا مغالطات وما يسعى البعض لابتداعه من أجل تقديم فئة منسلخة على الأمة قاطبة لن يكون سوى وبالا وبلاء ينذر بالهلاك المحتم، فلا حدود جغرافية تفرقها ولا تبعيات غربية ستنجح في تشتيت شملها.
إقرأ أيضا:أحكام وشروط أضحية العيدأين المصلحون والعقلاء ليوقفوا امتداد هذا الشرخ الذي يسعى العابثون لإحداثه في الأمة وبدأت بوادره في دساتير تستمد من فكر لا يوافق المعتقد الصحيح، وحتى لو تم تمريرها فلن يرغم أحد الشعوب على تغيير هويتها الإسلامية، والمشاريع التغريبية الفاشلة لا بد أن تزول وما يتعلمه أبناؤنا في المدارس من مناهج مخالفة لن يرسخ أبدا فقد ولدوا في أمة ولدت بكلمة إقرأ ويستحيل أن تموت.