وادي سوف.. الثورة الخضراء في أرض الصحراء

تقديم

مدينة الألف قبة وقبة، موطن السحر والجمال، والمثابرة والإبداع، أين تتجاور بيوت متشابهة البناء تنتهي إلى أسقف قبوية تتلاءم مع الظروف المناخية القاسية، إذ تساهم هذه البنية في توزيع أشعة الشمس على الجوانب وعدم تركيزها على الأسطح المقوسة بما يوفر جوا معتدلا في الداخل، كما تمنع ترسب الرمال فوقها أو تراكم ما تحمله الرياح معها خاصة أثناء العواصف، فضلا عن جمالية هذا الطابع المعماري الذي يميز المكان.

الداخل إلى هذه المدينة لن يصدق أنه في منطقة صحراوية، لأنها من غير مبالغة قطعة من الجنة، بما فيها من حدائق غناء، ومناظر طبيعية خلابة وكأنها لوحات فنية حية رسمت على الرمال الذهبية المتلألئة تحت أشعة الشمس الساطعة، وبين جنبات الآثار والمعالم التاريخية، حيث تجتمع ألوان الثراث والتاريخ مع أنوار الإصرار والتحدي على أرض تسمى الوادي.

تعريف ولاية الوادي

ولاية الوادي أو واد سوف 630 كلم  جنوب شرقي الجزائر، تبلغ مساحتها حوالي44.585 كلم2، يحدها من الشمال ولايات تبسة وخنشلة وبسكرة، من الجنوب ولاية ورقلة، من الغرب ولايات الجلفة وبسكرة وورقلة، ويجاورها شرقا الجمهورية التونسية.

تتكون ولاية الوادي من 12 دائرة إدارية، وتنقسم إلى واديين مختلفين: منطقة وادي سوف وتقع وسط العرق الشرقي وتضم 22 بلدية، منطقة وادي ريغ وتقع في الأراضي المنبسطة وتضم 8 بلديات وهي: الوادي، النخلة، حاسي خليفة، كوينين، أميه ونسة، الطريفاوي، قمار، وادي العلندة، المغير، تغزوت، الطالب العربي، أسطيل، ورماس، دوار الماء، سيدي خليل، الرقيبة، بن قشة، أم الطيور، الحمراية، الدبيلة، جامعة، البياضة، حساني عبد الكريم، سيدي عمران، الرباح، المقرن، تندلة، العقلة، سيدي عون، المرارة.

تغطي الرمال ثلاثة أرباع المساحة الكلية للمنطقة، وهي رمال ناعمة ذات ألوان بيضاء وصفراء وما بينهما من تدرجات، وتشكلت منها الكثبان الرملية التي تتواجد بصورة كبيرة في جنوب سوف، وتختلف ارتفاعاتها حيث يصل أحدها 127م، أما الثاني، فهو المنخفضات والأودية، فتعتبر سوف أخفض نقطة في العرق الشرقي الكبير، حيث ينخفض دون مستوى سطح البحر بـ 25م عند شط ملغيغ.

أما الحمادات الرملية فهي تغطي المنطقة الشمالية لسوف، وهي طبقات حجرية متنوعة تحت الرمال، ومن تلك الطبقات “الترشة” وتستعمل لصناعة الجبس، أما “اللوس” فهي حجارة قاسية متشابكة تستعمل في البناء لصلابتها، وتوجد بغمرة والمقرن وشرق الزقم، أما”الصلصالة” أو “السميدة” فتوجد في غمرة والدبيلة والمقرن وتستعمل للبناء.

أصل التسمية

اسم مدينة وادي سوف مركب من كلمتين، وتشير بعض المصادر أصل التسمية تسميته إلى قبيلة مسيفة من الطوارق التي سكنت المنطقة ، فيما يوزع البعض التسمية إلى حبات الرمل المسففة أي المتناثرة برتابة.

في حين يقول آخرون أن سوف من كلمة أسوف وأسيف بالأمازيغية بمعنى الوادي أي المجرى المائي.

سوف الصحراء.. سلة الغذاء

حوَّل ناس وادي سوف أرضهم الصحراوية إلى جنة غناء، بها أغلب أنواع الفواكه والخضروات المتوفرة على مدار السنة وفي مختلف المواسم، وبهذا احتلت هذه المنطقة القاحلة الصدارة في تموين الأسواق المحلية وحتى الخارجية بمنتجات غذائية ذات جودة عالية، إذ يشكل  الانتاج الفلاحي السوفي رقما حقيقيا يصنع فارقا في النمو الاقتصادي للبلاد خارج قطاع المحروقات.

ورغم الظروف الطبيعية القاسية، وقلة الامكانيات، تزامنا مع ظهور جائحة كوفيد-19 إلا أن نشاط الفلاحين لم يتوقف مما سمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي للولاية وتزويد مختلف الولايات بمحاصيل نوعية حتى في غير مواسمها وبأسعار معقولة.

بطرق عملية استطاع السوفيون أن يوفروا المياه والحماية لمزروعاتهم حيث أبدعوا في إنشاء الأحافير الدائرية في الرمال، وهي عبارة عن دوائر قد يصل قطرها إلى 200 متر وبعمق 40 متر وذلك لمساعدة المزروعات على الوصول للمياه الجوفية عند مد جدورها، كما أنها تبقى مكنونة بعيدا عن الرياح والعوامل الطبيعية الصعبة.

ولم تقتصر الزراعة على محاصيل الخضر والفواكة فحسب بل شملت إنتاج السكر من خلال الاهتمام بمحاصيل قصب السكر، وكذا بذور عباد الشمس والسلجم التي تستغل في إنتاج الزيت.

حقول السلجم الزيتي في الواجهة

على مد البصر تتراءى حقول السلجم الزيتي بأزهارها العنقودية ذات اللون الأصفر الفاقع الذي يسر الناظرين، ويعيد الأمل للمواطنين في إنهاء أزمة زيت المائدة، واستثمار حقيقي لإنهاء التبعية للدول الأوربية التي تعتبر المورد الأول لهذه المادة.

وقد أشرف الدكتور والباحث أحمد علالي على تجربة زراعة السلجم الشهير بالكولزا، وتابع مراحل نموه ليؤكد أن النتائج المبهرة فاقت كل التوقعات.

ثروة حيوانية نادرة

تتواجد في وادي سوف عدة أنواع من الحيوانات خاصة بتوفرها على مناطق رعوية هامة، فهماك الجمل، الغزال والأرنب، كما يوجد بها الفنك أو ما يعرف بثعلب الصحراء، والحبار.

أم الثروة الحية التي تسبح تحت الرمال فهي سمك الصحراء أو الشرشمان ويسميه المحليون ورل أو ورن وهو نوع من أنواع السحالي، يشاع بين العامة أن له خصائص علاجية وفوائد صحية كثيرة، مثل علاج آلام المفاصل، زيادة الخصوبة، وعلاج فقر الدم.

ولكن للأسف فإن هذه الحيوانات تهريبها من أجل الانتفاع بخصائثها العلاجية، كما يهرب الأرنب الصحراوي لبيع جلده للسياح الأجانب القادمين من مختلف الدول الأوربية والأمريكية ومن أجل صنع الحقائب والمعاطف الفاخرة باهضة الثمن.

من عادات وتقاليد وادي سوف

تزحر منطقة واد سوف بتراث مادي ومعنوي متنوع، فيها حكايات وعبر، وأشعار وصور، وكذا حكم وأمثال تعكس ثقافة وأصالة أهل المنطقة، كما يعرف عنهم النشاط الدائم والاجتهاد والكرم الزائد.

مشروب اللاقمي وخبز الملة

لا يمكن زيارة واد سوف دون الاستمتاع  بمشروب بنكهة التمر والمعروف باسم اللاڨمي، حيث يحضره الباعة الجائلون ويقدمونة طازجا مع عبارة:” “عسلي واللاڨمي الأصلي.. ولد النخلة لـمن كيفه.. حلو حلو”.

كما تشتهر المنطقة بخبز الملة خبز الملة، وهو من المخبوزات الشعبية الشهيرة في الصحراء، حيث يعجن الدقيق بالماء مع إضافة الملح، وعلى رمل ناعم توقد النار حتى يصير ساخنا، وستم تشكيل أقراص العجين، يمكن إضافة بعض الخضار مثل البصل والطماطم أو الفلفل الحلو مع بعض الدهن الحيواني (الشحم)، ثم يتم دس القرص داخل الجمر ويوضع عليه الرمل حتى ينضج العجين، ويسحب هارجا وينظف من الرماد والرمل العالق بضرب خفيف، ليصير الخبز المميز بمذاقه المجمر اللذيذ جاهزا.

من ليالي رمضان عند السوفية

مثل باقي المناطق الإسلامية يتهتم سكان وادي سوف باستقبال شهر رمضان بحفاوة وخصه بتحضيرات مناسبة لهذا الشهر المقدس، وإكثار العبادة فيه من صيام وقيام، إلى جانب بعض العادات الطيبة التي تدخل البهجة على النفوس، ومن ذلك الاحتفال بليلة القدر في الأوتار من العشر الأواخر، حيث يخرج الصغار بعد صلاة الفجر وليلا حاملين معهم أكياسا صغيرة، ويجوبون الأحياء ويطرقون المنازل وهم يهتفون ” طَابْ وَلاَّ مَازَالْ كَانْ طَابْ هاَتُوهْ وكَانْ مَطَابِشْ نْزِيدُوا ساعة ونْجُوه “، وهذا بمعنى” هل نضج أو ليس بعد، إذا نضج فأعطونا إياه، وإن ليس بعد سنعود بعد ساعة” وهذه العادة طلبا لما لذ وطاب من أطباق وخبز منزلي وحلويات يتم إعدادها خصيصا لإهدائها للأطفال وإدخال السرور عليهم.

أما لاستقبال العيد فيهيء الصغار أنفسهم للتجوال في الشوارع والأزقة ويقصدون البيوت وهم ينشدون: “إِفِيلَة إِفِيلْتِينْ على رحمة الوالدين” والقصد:” فولة وفولتين ترحما على الوالدين”، حيث يقدم لهم الفول مطبوخا على عدة صفات منها المقلي ويسمى قَرْمَاشْ بمعنى مقرمش، كما تهدى بعض الحزم الصغيرة التي تحتوي على الطيب والبخور وغيرها من العطريات التي تستعمل في المناسبات السعيدة لتعطير الأجواء.

أعلام وعلماء من وادي سوف

عدد كبير من الفقهاء هم من السوافة الأقحاح ومن بين هؤلاء:

  • أبو طاهر إسماعيل بن أبي زكريا السوفي من شيوخ مغراوة، ( النصف الثاني القرن: 5هـ / 11م)، وهو من فقهاء الإباضية وحملة علمهم وله فتاوى كثيرة ومؤلفات عديدة، وكان مسكنه في ورجلان.
  •  سارة اللواتية السوفية (النصف الثاني من القرن الخامس الهجري 11م)، ومسكنها سوف، صالحة عابدة، كانت تروي أشعارا بالبربرية، كانت تأوي الشيوخ وتزورهم طلبا للعلم.
  •  عبد الله المنصور النصيري السوفي( القرن الخامس هجري)، من بني منصور بوادي سوف، تذكره المصادر الإباضية مقاتلا لحماد بن بلكين الزيري في حصاره لقصر وغلاتة.
  • أبو عثمان خليفة بن عمارة السوفي المارغني(أواخر القرن الخمس وبداية القرن السادس الهجريين)، وهو من زواغة بجربة.
  • عمار بن عبد الله بن الطاهر بن أحمد بن محمد الأزعر القماري المدني، ولد رحمه في بلدة قمار سنة 1316 هـ في عائلة فقيرة ولكنها متمسكة بدينها ومحافظة عليه.
  •  الشيخ الطاهر العبيدي 1304 هـ/ 1886 م وتوفي1388 هـ/ 1968 م.
  • الشيخ محمد الطاهر التليلي ولد1382 هـ/ 1910 م بقمار، توفي بقمار 1424هـ / 2003 م.
  • أما في العصر الحديث فقد برز العالم المخترع بلقاسم حبة صاحب أكثر من 1500 إختراع، فالظاهر أن لوادي سوف قصة طويلة مع الآلاف فمن القباب إلى الاختراعات ظلت تحتل الصدارة وتتربع على عرش الامتياز والتفوق بآلاف الإنجازات العظيمة.

المصادر:

  1. الموقع الرسمي لولاية الوادي: لمحة عن الوادي.
  2. مديرية التجارة لولاية الوادي: تقديم ولاية الوادي.

458 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *