يوميات أستاذ

يوميات أستاذ

#قلم_رصاص حسناء وهابي

الأستاذ هشام،أستاذ متميز؛شاب طموح بعدما قضى سنوات الإجازة بكل عزم وشغف ورغبة جامحة،اجتاز امتحان التعليم ليخول له الدخول الى عالم الأستاذية،أصبح القسم ملاذه،بعدما كان يرعى خرافه في طفولته،لكن هذا الطموح لم يتوقف هنا،بل عَمِلَ بجهدٍ،وبعمل ذكي،فاستطاع أن يوفق بين عمله الذي يحبه وبين دراسته التي يهواها،فحصل على الماجيستير في الخطاب.. وكان وراء هذا العمل؛ بعد رغبته القوية في اختراق بحر العلم والمعرفة دعاء الوالدين وبره بهم،وذلك واضح وجلي في تصرفاته وتربيته الحسنة،وبعد الاحتفال البهيج الذي جعل دموع الفرح تهطل على جفنة الأم وعلى قلب الأب وروح الإخوة،ازدادت شهادة الفخر والاعتزاز للاستاذ هشام من قبل الوالدين بالدرجة الأولى ومن قبل أساتذته الذين كانوا يشهدون دوما بعمله الذكي،ويتنبؤون له بمستقبل علمي معرفي زاخر،ليجد نفسه وسط القسم الذي يحبه ووسط الوجوه الملائكية البريئة المتعطشة للمعرفة،حيث كانت عيونهم المسمرة في يده حينما يكتب لهم الدرس تخبره بذلك،وعندما يشرح لهم كانت مقلتيهم متعلقة بشفتيه أكثر من آذانهم،وبهذا استنتج الاستاذ هشام أن تلامذته يحبونه ويحبون طريقة تدريسه، وبهذا جعلهم يحبون الدراسة،لأنه كان بمثابة قدوة للكثير من التلاميذ. لكن حصل مالم يكن في الحسبان،ولا خمنت له الأذهان؛لتنقطع العلاقة بين حرم القسم وزملائه،وتصبح الدراسة عن بعد خلف شاشات الهواتف والحواسيب،بعد انتشار وباء كورونا القاتل. لكن الاستاذ هشام لم يبخل على تلاميذه الذين يتكونون من أزيد من 300تلميذ.بل مدهم بكل الدروس والشروحات والأمثلة وحتى التطبيقات،ليجعل الكل فرحين بأستاذهم الناجح،وبمفخرته حين ذكر اسمه في مجالسهم مع عائلاتهم أو زملائهم أو أساتذتهم الجدد أو القدماء،وينتهي الفصل بسلام رغم الظروف النفسية العصيبة،والظروف المادية القاهرة لبعض التلاميذ،لكن الاستاذ هشام ،لم يجعل أي شرخ بين تلاميذه،حيث كانوا كلهم سواسية،واستطاعوا ان ينجحوا ،ماعذا من أبى بسبب طيشه وبغيه.. وبعد النجاح حل شهر رمضان،والأستاذ هشام يقضي أحلى وأبهى أوقاته رفقة عائلته،وبعدما انقضى هذا الشهر الجليل،شهر الصيام والقيام والطاعات والزكاة،

حل عيد الفطر:عيد الحلويات وأشهى الأطباق وأرقى المتمنيات..ليبدأ العمل الجسدي..العمل في الفلاحة،نسيت أن أخبركم أن الأستاذ هشام شاب ماهر وحاذق،يعمل في شتى الميادين،الفلاحة..الصناعة..البيع والشراء..والسباحة..والسياقة ليس سياقة الحمير فحسب، بل سياقة السيارات. وبعد تعليف الماشية،وإطعامها الكلأ الوافر الكافي الشافي الشامل،حان وقت البيع،لنجد الأستاذ هشام واقفا في السوق ممسكا عصا كبيرة رفقة والده الفلاح الكبير الماهر السيد( خالد)،لينطبق المثل عن الأستاذ هشام”من شابه أباه فما ظلم”،وبعد اعتيادهم وجولانهم بأكباشهم السمينة بالكلأ الصحي من قبيل(الشعير..الخرطال..والتبن..والماء العذب النابع من جوف الأرض الخالي من المواد الكيماوية والتعقيمية).وبعد انقضاء مدة البيع التي حصد منها مازرعه،جاء عيد الأضحى المبارك،فرحة من نوع آخر لها طعم حلو جميل.ففي صبيحة يوم العيد،استيقظ الأستاذ هشام توضأ وارتدى أجمل وأطهر ثيابه وصلى ركعتي التهجد ثم صلى الفجر،ليتداهم بصوت في المطبخ إنها أمه السيدة (فاطمة)-صباح الخير أمي -صباح النور حبيبي،كيف حال عريسي اليوم؟ نادته بعريسها لأنه كان يبدو عريسا ليلة زفافه وقمرا ليلة اكتمال بدره. -تمام عزيزتي. وبعد الحوار المطول الذي دار بين الأستاذ هشام وقرة عينه،ذهب ليصبح عن أبيه وأخوته،ليستعدوا جميعا لصلاة العيد ثم الشروع في الإفطار،وعند تبادل أطراف الحديث المعسل بابتسامات الأبوين والإخوة،والمنور بالعيون البراقة التي تحمل في طياتها الحب والثناء والود والوئام.قاطعهم الأب بصوته الرحيم،هذا الرجل البدوي الشهم الذي يحب أولاده، -الحمد لله الذي أكرمنا وأطعمنا هذا بغير حول منا ولاقوة.هيا شباب لنغير ثيابنا الى حين موعد الغذاء،ثم نشرع في ذبح الأضحية التي نقدمها تعظيما وإجلالا للباري سبحانه وتعالى. -تمام أبي. كلمة قالها باقي أفراد أسرة السيد خالد. بعدما كبر الأب وذبح الأضحية،شرعوا الأولاد في سلخها،بينما الأم والبنات كن منهمكات في غسل الدوارة والأمعاء،وإشعال الفحم،وبعد هنيهة،اجتمعت العائلة من جديد كما ذكرناهم في موعد الإفطار،تناولو جميعا وجبة شواء بولفاف العيد المتكون من الكبد والرئة والقلب والقليل من الشحوم التي يتلفف بها الفؤاد وتضفي له طعم لذيذ، دون أن ننسى تناولهم للشاي المنعنع والذي لايخلو من موائد العائلات؛في البوادي أو المدن،فماألذه! ليأخذ الجميع قسطا من الراحة،ثم ينصرفون إلى تقطيع الأضحية الى طرائف صغيرة تسمى الكباب،والى شرائح تسمى بالقديد والذي شرملته الأم بالكركم الأصفر البلدي والقليل من الزيت والأزير والملح،والبقية جعلتها أقساطا بغية تجميدها.وينتهي اليوم وتمر ايام التشريق في الشواء والفرح .. وبعد ذلك يجد الأستاذ هشام نفسه واقفا أمام أساس جدار يحيط به جبل من آجور وإسمنت وقضبان من حديد و باقي مواد البناء،ليستهل يومياته في العمل الشاق والاستيقاض في الصباح الباكر،وليكن في علمنا أن الأستاذ هشام لديه تجربة البناء في المدينة،لذلك فهو لم يكن متعطشا لمعرفة أسرار البناء،بل كان الأمر لديه عاديا واعتبر هذه التجربة كسائر التجارب القاسية التي مرت به؛وستمر.. هاهو ذا المْعَلَّمْ سي العربي آت:

-صباح الخير..

-صباح الخير. المْعَلَّمْ سي العربي فنان ومهندس قروي بسيط،يحب عمله،ويعمل بإتقان. وبدأ سي العربي في وضع اللبنات الأساس،والأستاذ هشام دوره هنا مساعدة سي العربي،ومده بكل مايحتاجه .ويبدأ الأستاذ هشام في تخليط العجين المكون من الاسمنت والرمل والتوفنة بواسطة آلة حديدية تسمى البالة،ووضعها في جردل من حديد ومدها لسي العربي،ثم مده باللبنات المتواجدة على الجانب،وأصبحت أدوار الأستاذ هشام؛عشرة أدوار،حيث أنه يخلط العجين،ثم يشق الأحجار بآلة رأسها من حديد وضلعها من خشب سميت بالماصة،لتقطيع شفرات الحصيات الصغيرة الحادة،بغية سد الشقوق بين اللبنات.ثم يجلب الماء كي يخلط العجْنَ من جديد،لأن سي العربي يكب الجردل في لمح البصر ويعطي الإشارة للأستاذ هشام بتزويده بهذا العجنِ العجيب الذي يسمى في هذا المجال ب “البغلي”وفي وقت الغذاء يمونه بالأكل والشرب،وهكذا كسائر الأيام،تمر بالعمل الشاق،يوما يشبه يوم،فالشمس لحفت جسده،والمشقة أتعبته حتى اكتمل البناء الذي نال من الأستاذ هشام الكثير والكثير.

وبدأ سي العربي في وضع اللبنات الأساس،والأستاذ هشام دوره هنا مساعدة سي العربي،ومده بكل مايحتاجه .ويبدأ الأستاذ هشام في تخليط العجين المكون من الاسمنت والرمل والتوفنة بواسطة آلة حديدية تسمى البالة،ووضعها في جردل من حديد ومدها لسي العربي،ثم مده باللبنات المتواجدة على الجانب،وأصبحت أدوار الأستاذ هشام؛عشرة أدوار،حيث أنه يخلط العجين،ثم يشق الأحجار بآلة رأسها من حديد وضلعها من خشب سميت بالماصة،لتقطيع شفرات الحصيات الصغيرة الحادة،بغية سد الشقوق بين اللبنات.ثم يجلب الماء كي يخلط العجْنَ من جديد،لأن سي العربي يكب الجردل في لمح البصر ويعطي الإشارة للأستاذ هشام بتزويده بهذا العجنِ العجيب الذي يسمى في هذا المجال ب “البغلي”وفي وقت الغذاء يمونه بالأكل والشرب،وهكذا كسائر الأيام،تمر بالعمل الشاق،يوما يشبه يوم،فالشمس لحفت جسده،والمشقة أتعبته حتى اكتمل البناء الذي نال من الأستاذ هشام الكثير والكثير.

239 مشاهدة