يوم ممطر

يوم ممطر

انطفأت الشمعة وصاحت الصغيرة بصوت عال، أبي يجب علي أن أحفظ هذه الصفحة حالا، قطب والدها حاجبه ولم يكترث لكلامها، ألحت عليه الكلام مرة ثانية وثالثة ورابعة، وبعدها رق قلبه ووعدها في الصباح الباكر أنه سيتكفل بتحفيظها.

في السابعة صباحا، ارتدى الوالد جلبابه الخشن واتجه نحو الضيعة، أما الصغيرة فتركها نائمة، لتستيقظ على صياح ديكها الجميل المزركش بريش أحمر ممزوج باللون الأسود والبرتقالي، وكأنه يقول لها”استيقظي استيقظي، فاليوم ستأكلين كما أكلت من حصة العصا لليوم الفارط”.

استيقضت الصغيرة في ذعر، لاتعرف كم الساعة لأنها لاتتوفر في كوخها، حملت محفظتها وهي على شكل كيس بلاستيكي، وجوارب بلاستيكية كي يتسنى لها ارتداء الحذاء الشتوي بليونة ويسر، واتجهت مسرعة نحو الضيعة.

في الضيعة هناك أشجار الزيتون والرمان، وهناك أرض سقوية والباقي يستعمله السيد با المعطي في الزراعات البورية (الفول،القمح،الشعير،الخرطال)، نادته بصوت مبحوح وهي على حافة الطريق، بينما هو كان داخل الضيعة وبينهما مسافة فاصلة، كان الصوت مسموعا. -رددي من بعدي:جَ جُ جِ -جَ جُ جِ -رددي عبارة جَمَلٌ جميلٌ -جمل جميل.

رفعت بصرها إلى أعلى الهضبة حيث كانت تقف جانب الوادي، لترى الأطفال يجرون ويصرخون “أسرعوا ..أسرعوا” فقد تأخرن، فاستأذنت والدها وأسرعت هي الأخرى، لكن المسكينة نسيت ماكانت تردده بعد والدها، فاضطرت للرجوع الى الضيعة علها تجد والدها متذكرا تلك الحروف والكلمات، ومن سوء حظها أنه لم يسمعها لأنه كان منشغلا بربط معدات الحرث، فذاك اليوم كان مناسبا للحرث.

استسلمت من جديد وراحت تفكر وتفكر، عساها تجد حلا كي تعفى من العقوبة التي توعدها بها المعلم، وبينما هي تجري حيث تأخرت كثيرا والرياح تعاكسها والمطر الشديد يهطل، ورغم عرقلة سيرها إلا أنها واصلت العدو كي تصل في مدة زمنية قصيرة،لكنها تصطدم بحاجز الواد، فقد كان يجري بسرعة ولم تستطع الصغيرة عبوره، لكن عصا المعلم أرغمتها على عبوره وكانت لها جسرا من شدة الذعر، وبينما هي تعبر انطوت على رأسها والأدوات جرفتها سيول الواد(ياإلهي أصبحت المصيبة مصائب،نسياني لما حفظت،ضياع أمتعتي، ثيابي صارت مبللة، ماذا عساي أفعل؟ هل أعود إلى المنزل إذا؟ كلا سيجمعني أبي مع الدواب ويحرث بي أرضه وأرض الساكنة جمعاء،علي أن أصبر على مصابي).

واصلت الصبية السير، وصلت مبللة الثياب مرتعشة الجسم، مصطكة الأسنان، دامعة العينين، طرقت الباب برجلها لأن يديها لاتكاد تشعر بهما من شدة البرد القارس، فتح لها الباب المعلم سي أحمد، وبعدما أخبره زملاؤها أنهم رأوها بجانب حافة الطريق تعبث بكراستها، (رددت في خاطرها، مابال هذا العصبي، ألا يشعر بيدي المتجمدتين؟ لماذا لايسألني عن حالي وعن كتبي التي ضاعت؟)، وبعد مفاوضات حسية دامت لمدة طويلة سمح لها بالدخول، لكن مباشرة إلى السبورة، كان قد وضع لها عملية خصيصا لها كي تحلها، وهي كانت بمثابة طعم لها كي يضربها عن التأخر والنسيان وعدم تحضير الواجبات وعدم الاهتمام بنصائحه والعناية المتشددة بالأدوات الدراسية التي ضاعت منها على حين غرة، ولم تعرف الصغيرة حل العملية، لتبدأ المجزرة، سواها أرضا بعدما ارتطم رأسها بحافة السبورة، وتنهال الضربات المفجعة وبلا رحمة، والتلاميذ يقهقهون بشدة، وفجأة هدأ المعلم من عمله الشنيع، وذهبت بخطوات مائلة، لم تستطيع الجلوس من شدة الألم، لكنه مازال يتوعدها المزيد إن لم تنضبط بأوامره.

انتهت الحصة وحان موعد العودة، كان الجو صحوا، وبه تسنى لها تجفيف ملابسها وهي في طريقها، لكن لم يهدأ بالها، فالمعلم ضربها من أجل ضياع أدواتها لكن والدتها هي الأخرى ستكمل ما بدأه المعلم وبتقنيات تخص والدتها، وفجأة خطرت ببالها فكرة الرجوع إلى مكان ضياع كيسها البلاستيكي،كان الوادي آنذاك قد هدأ من روعه، وحينها وجدت ضالتها،في جذور نباتات بجانب الواد،فرحت فرحا شديدا لما وجدته، ثم عادت مسرورة،ووالديها لم يوبخاها لأن الجو في الصباح كان ممطرا.

246 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *