أناس بسطاء وأعداء الحياة

أناس بسطاء وأعداء الحياة

قبل البحث عن ألقاب وأوسمة، والسعي لتحقيق مكاسب مادية وأرباح، أو خدمة مصالح شخصية وطموحات ضيقة يجب أن تفكر بجدية في كونك إنسانا، خلقك الله تعالى وحباك كل النعم، وخصك بنعمة العقل، وكلما كان العقل صحيحا نال الفهم الصحيح، وكلما حاد عن فطرته التي خلق عليها وقع في الزلل، واتبع المصالح والأهواء فانحرف، وقد قال رسول الله ﷺ:” ما من مولود إلا يولد على الفطرة..” والعقل الفطري ما يجبل عليه الإنسان ويخلق به من سريرة سليمة، أما العقل المكتسب هو ما يصقل بالتعليم والبحث والتجريب، فيكون التكامل بينهما من غير تعارض، لينشأ الإنسان السوي والذي يسمى العاقل، والعاقل من نجى بنفسه من الهلاك في الدارين.

وفي الهدي النبوي توجيهات دقيقة، بأسلوب تربوي يسير وراق لتنشئة الإنسان الحقيقي، بكل التفاصيل المادية والمعنوية، لحفظ النفس والمجتمع من كل الجوانل وبكافة المقاييس الفاضلة.

لقد فتح النبي محمد ﷺ أعظم مدرسة في تاريخ البشرية حيث تسهر على رعاية الفرد وتولي أهمية كبرى لسلوكه وأخلاقه، وتعتني يرغباته وميوله، فترسم له طريقا واضح المعالم، سليم الاتجاه، يضمن له المثالية والكمال البشري، فلا يَظْلِم ولا يُظْلَم بعدما عرف غاية خلقه، فاجتهد وثابر ونال الأجر في الدنيا، وحمل زادا يعيله في الرحيل الأخير.

أما من يسير بعيدا عن درب الحق وفق هواه، فلم يدرك سر وجوده، وما هو إلا عبد لشهواته في دار الفناء، فمن يتعاطى المخدرات والمسكرات، أو ينتهك الحقوق ويحمل المظالم من سفك للدماء ونهب للأموال وتدمير للبلدان لن ينال أبدا السكينة والدعة، وسيجد الجزاء في الدنيا قبل الآخرة.

إنه البلاء الأكبر أن لا تدرك الغاية من وجودك، بعيدا عن المغامرات الدنكشونتية، وسترى بوضوح أن العالم ليس كما يبدو عليه، أو بالأحرى كما يريدونك أن تراه بمنظارهم الخاص وفق مصلحتهم، ستدرك وضاعة الهيئات والجمعيات المدعية زورا حفظ الحقوق والدفاع عنها، ستشمئز من حقوقيين يسارعون لحماية التماسيح من الانقراض بإطعامها ومنع صيدها ودموعهم أغرقت أطفالا يموتون عطشا،  وصادت شبابا لاجئا رميا بالرصاص الحي، ومعهم الحق والشرعية في زمن التكنولوجيات الحديثة والإعلام المأجور الذي نشر صورة جندي أمريكي يحمل طفلا أفغانيا بين ذراعية ويحتضنه مسندا رأسه على كتفه لينام بسلام، لإظهار مدى إنسانية جنود الغرب، وطمس حقيقة أن الجندي دمر بلد الطفل، وربما قتل والديه ليكون ضحية أخرى للمتاجرة بالقضية، لكن لا بد وأن يكبر الطفل ويحكي بلسان صدق أن جنود الغرب الإرهابي.. هدموا مدرستي وأحرقوا كتابي، قصفوا مسجدي.. ودمروا محرابي، قتلوا أهلي.. وسجنوا أحبابي، فعلوا فعلتهم .. وأسموني إرهابي.

كاميرات تشتغل تحت الطلب لنهب وطن جريح وتثبيت هوية مغلوطة تم تصحيحيها بموجب حكم قضائي لحماية حقوق المرأة، لتعود الصورة مجددا بألوان أخرى وملابس جديدة تصف وتشف المهم أنها سترفع الأنثى جسديا لمصاف العالمية ولا يهم بعدها الانحطاط الفكري والإنحدار الأخلاقي، فمقياس التحضر بمدى انحسار الثوب عن الركبة.

بين الحقيقة وما يسوق توأد آلام أناس بسطاء لا يجدون غير رحمة رب السماء، الذي خلقهم على فطرة فقرروا التمسك بها وأعلنوا الولاء لمن هم إليه راجعون، ورفعوا التحدي بإفشال التجهيل والتضليل، ولو قصفوا قصور الشام فلن يطفئوا النور الذي أضاءت له منذ أربعة عشر قرنا.. ولو مزجوا نهر الفرات العذب، سيضل نهرا من أنهار الجنة، لن تختفي المدن لن تندثر معالم الهدى لأنها تحمل أصداء ملاحم وبطولات العظماء من زمن الفاتحين.
أعداء الحياة هم.. بلا أرض طيبة… بلا هوية ثابتة.. والأهم بلا عقيدة صحيحة، هم من تعبث بهم العواصف والأعاصير ونشهد فيهم عجائب قدرة الإله، واسألوا فلوريدا ستجيبكم ما يعتريها من عقاب رباني، أرواحهم لن تجد السكن والسكينة لذا يسعون مع عملائهم بيننا لنكون مثلهم بلا هوية.. بلا وطن.. لكننا ولو كنا من غير سقف اسمنتي ثابت، لاجئين أو أسرى فإن لنا وطن أبي، نمتلك هوية محفوظة في أنفاسنا في حكايات أطفالنا في شرائط ضفائر فتياتنا، في رائحة أطباقنا الشعبية، في ذاكرة أزقة أحيائنا العتيقة ومداخلها العريقة، في شموخ جبالنا الثورية، والأهم من كل ذلك في أقدس كتاب عرفته البشرية، أو لسنا خير أمة أخرجت للناس؟

268 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *